التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:21:35 غرينتش


تاريخ الإضافة : 27.05.2013 17:43:24

"الدّودة".. و52%

الأستاذ / مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

الأستاذ / مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

تقول إحدى المرويات الشعبية الموريتانية إن حطّابا من حطّابي "الدشرة" (القرية) هوى مرة بفأسه على حذع شجرة في الغابة فقسمه نصفين فانقشع له الغبار عن دودة صغيرة تعيش في جوف الخشبة يأتيها رزقها دون عناء أو كدّ، فتعجّب للأمر وأعجبه أن يترك العمل وأن يجلس في بيته؛ فالله الذي رزق هذه الدودة القابعة في جوف خشبة سيرزقه وأهله وهم يدبّون على ظاهر الأرض، وأصبح هذا الحطّاب منذئذ "مجذوبا" عاطلا عن العمل يجيب كل من دعاه إلى التحرك والسعي في الكسب الحلال قائلا: "والدودة"؟، وكان كلما دُعِي إلى العمل بعدما مسّه وأهله الضرّ، قال مستفهما استفهام استنكار: "والدودة"؟

هذه الدودة اليوم في موريتانيا هي نسبة 52% في المائة التي فاز بها الجنرال الحاكم محمد ولد عبد العزيز في انتخابات يونيو 2009م.. لقد أصبحت "دودة" 52% وبالاً على الشعب الموريتاني الذي أهلكه العطش والجوع وغياب الأمن، تماما كما كانت "دودة" الحطّاب "المجذوب" وبالاً على عياله. إنه الاستخدام السيء للحقيقة..!!

كلّما قيل للرئيس اليوم افعل كذا أو لا تفعل كذا، قال: والدودة؟ ثم تهبّ مصفّقته تقول كقوله؛ فلأن الرئيس انتخب بنسبة 52% يحقّ له أن يعطل مبدأ الانتخابات في الدولة وأن يخرق الدستور مائة ألف مرة ويحكم بلادا بهيئات دستورية منتهية الصلاحية لأنه "رئيس منتخب"..!!

إذا انتبه الموريتانيون فسيدركون أن بلدهم -الذي تتشدق المصفّقةُ بأن نظامه ديموقراطي ومنتخب- لم تُنظّم فيه منذ خمس سنوات حتى الآن إلا انتخابات واحدة كانت نتيجتها هذه "الدودة" التي تسمى: 52%، انتخابات كان الجنرال الحاكم مضطرا إليها اضطرارا لتثبيت حكمه، أما بعد أن ثبت حكمه فلم يُدعَ الشعب مرّة واحدة إلى انتخابات أخرى.. إنها "خبرة عرْ"؛ يشرب منها ثم يتمرغ فيها.

في المادة التاسعة و العشرين من الدستور أن الرئيس يقسم بالله العليّ العظيم أمام المجلس الدستوري على أمور عديدة منها "مراعاة احترام الدستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية"، فهل احترم الرئيس الدستور كما أقسم؟ الجواب أنه لم يحترمه يقيناً ولم يحفَل به، والسبب هو "الدودة".. هو أنه "رئيس منتخب بنسبة 52%".

الدستور يقتضي أن الرئيس -صاحب السلطات التنفيذية الهائلة- مسؤول عن أن تكون جميع المؤسسات الدستورية في البلاد شرعية، والواقع اليوم أن الجمعية الوطنية لم تعد شرعية بالمرّة لأن جميع أعضائها الآن غير منتخبين من الشعب، وكذلك مجلس الشيوخ الذي اختلط فيه المنتخب بغيره؛ فقد ألغى الرئيس قبل عامين انتخابات تجديد ثلثله اثناء الحملة الانتخابية بعدما أدرك أن جميع مرشحيه مهزومون، وبعدما تذكر مِشجب "الدودة". إنه رئيس منتخب بنسبة 52%، ولا داعي لانتخابات لا تخدم استبداده.

حرمة الدستور أيضا منتهكة في مادته الثالثة والتسعين التي تنص على أن الرئيس والوزير الأول وأعضاء الحكومة "مسئولون جنائيا عن تصرفاتهم خلال تأدية وظائفهم والتي تكيف على أنها جرائم أو جنح" أمام محكمة العدل السامية وليس أمام المحاكم العادية، ولأن الرئيس منتخب بنسبة 52% فلا مشكلة أن يحاكم الوزير الأول السابق يحي ولد أحمد الوقف أمام القضاء العادي، ولا مشكلة في ذلك أيضا عند رئيس هذه المحكمة سيدي محمد ولد محم ما دام رغبةَ "الرئيس المنتخب".

لأن الرئيس منتخب أيضا بنسبة 52% فلا داعي إلى أن يطعم الناس من جوع ويؤمنهم من خوف.. لا مشكلة في أن يموت سكان جكنّي عطشاً وعزلةً وغلاء أسعار ورداءة دواء، وكذلك أهل الطينطان وصنكرافة وكرو ومكطع لحجار والمذرذرة.. لا داعي إلى أن يهتم بهم "الرئيس المنتخب".

أما انتشار الجريمة في الدولة ورواج المخدرات وظهور العصابات وخطف الفتيات واغتصابهن وقتلهنّ وتفشي الرذية وسوء الأخلاق في أوساط الزمرة الحاكمة فأمر لا ضرر فيه على البلاد والعباد لأن الرئيس منتخب بنسبة 52%، ويقاس على ذلك الظلم الاجتماعي وانحياز الدولة وظهور الخطاب العنصري والقمع والسحق والسحل وسرقة المال العام والخاص والتمكين للأقارب وسجن المعارضين وتصفية الحسابات وسرقة الإنجازات من أهلها الحقيقيين والفضائح الأخلاقية.. تلك جميعا أمور لا ضرر فيها فالرئيس منتخب بنسبة 52%.. لله أبوك أيها الرئيس المنتخب في 2009 ما أشبهك بجنرال منقلب في 2008، سنظل نعرفك ولن تلبّس علينا حقيقتك أيها الجنرال ولو خرجت من جلدك أو انتُخبت بسبعمائة في المائة.

نقلا عن أسبوعية الأخبار إنفو


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!