التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:19:28 غرينتش


تاريخ الإضافة : 30.05.2013 11:30:33

جدلية الرق في موريتانيا: بين التزمت والتفلت

محمد أحمد كريم زياد

محمد أحمد كريم زياد

لقد تابعت ذات مساء قريب ندوة نظمتها قناة الساحل حول الرق فأعجبني طرح ونقاش معظم المفكرين والسياسيين الذين حضروا تلك الندوة ممن شخصوا الواقع تشخيصا عميقا وتصوروا الحلول العملية لمختلف إشكالات هذه القضية.

فقد صب (الفقيهان )جام غضبهما علي بعض مكونات المجتمع وهاجما كتبا ومدارس وعلماء لا علاقة لهم بما يجري في موريتانيا وحملا تلك المدارس والكتب ما لم تتحمل , لأن العلماء الذين ألفوا تلك الكتب ليسوا موريتا نيين قطعا بل قد يكون منهم من لم يسمع بهذا القطر البعيد.,لكن ما صدمني كثيرا هو طرح وتناول من سميا بالفقيهين وقدما علي أنهما كذلك.

فابن القاسم وسحنون والشيخ خليل والدسوقي والعدوي وميارة والأبي وابن عاشر والأخضري وغيرهم من فقهاء المالكية ليسوا من شنقيط ولا من أهل هذا العصر ومن التجني والظلم أن نحاكمهم الآن علي واقع لم يعرفوه وبمعايير جديدة فرضها التطور الحاصل علي أكثر من صعيد وعجبت لمفاضلة (الفقيه) محمد فال بين استرقاق السودان واسترقاق البظان وكذلك لحديثه عن الكتب وحماسه ودفاعه عن حرقها ونعتها وأصحابها بأبشع النعوت وكذلك لحديث (المهدي)عن محرقة قادمة أويجب أن تحدث في التاريخ. وأقول لهما أن تلك الفعلة هزت مشاعر المسلمين بالفعل -بل وغيرالمسلمين- الذين سمعوا بها اللهم إلا الشرذمة القليلة التي حضرتها في الرياض وأعتقد أنها أساءت لسمعة فعلتها أكثر من أي شيء آخر.

وقبل الدخول في صلب هذا الموضوع ومناقشته لا بد أن أوضح موقفي الشخصي من الاسترقاق الذي كان سائدا في بلا دنا مثل غيرها من البلدان ,فقد وجدتني وأنا حدث السن أتحفظ علي الظاهرة وأشك في جذورها خاصة في ظل حكايات كنت أسمعها عن النشأة والأصول مثل القبائل الإفريقية التي كانت تبيع أولادها في الملح أوغيره وكذلك الملوك والزعماء الذين كانوا يقدمون بعضا من رعاياهم هدايا وقرابين لوجهاء وفاعلين آخرين ضمن علاقات ومصالح ضيقة معروفة وكذلك ما كان يحدث من سطو بعض القبائل المسلحة علي أخري أقل عدة أوعددا أواستعدادا واختطاف مايمكن اختطافه من أبنائها تماما مثل نعمها وشاءها وغير ذلك مما خف حمله وغلا ثمنه وكنت أتساءل في نفسي أي هذه المصادر يمكن أن يكون مستندا لأي رق شرعي في هذه الربوع .

وكل هذا كان قبل أن أسمع عن أي من حركات التحرر المعروفة اليوم فلم تكن يومها حركة الحر معروفة -علي الأقل في محيطنا- ولا منظمة (نجدة العبيد)ناهيك عن (المبادرة) وبرامه الذين جاءافي وقت ضائع وأخير ,
إذن فأنا مع تحرير المسترقين منذ أن أصبحت أهتم بالظواهر وأفكر فيها لكنني في نفس الوقت ضد الخطاب العنصري التحريضي التفريقي الذي تتبناه الحركة (إيرا) وزعيمها بشكل خاص ,
وقبل التعريج علي كلام (الفقيهين)والمبادرة التي تربيا في أحضانها أعتقد أنه لابد من تحرير مسألة مهمة تولد غبشا عند الكثير ممن يتناول هذه الظاهرة ربما عن وعي أوعدم وعي ألا وهي :
الفصل بين الرق الشرعي الذي هو حكم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ولا يجادل فيه إلا ملحد مكابر وبين الاسترقاق الذي كان سائدا في بلادنا -موريتانيا-المشكوك في اصوله وأسبابه والمرفوض في كثير من ممارساته وتطبيقاته ,
من هنا يجب أن ننطلق ومن هنا تنحل العقدة الأولي في خطاب الجماعة ألاوهي عقدة الهجوم علي الفقهاء والكتب والمؤلفين الذين لاعلاقة لهم بما جري ويجري في موريتانيا اليوم .

كما أنني لا بد أن اعرج علي خطاب المتزمتين الذين يعتبرون الإسترقاق الذي كان سائدا في مجتمعنا ركنا من أركان الدين لا يمكن أن يتخلف في حياة الناس فهؤلاء لا يقلون خطورة عن المتفلتين الذين يتطاولون علي الكتب والنصوص وعلي العلماء بل وعلي الكافة ويحاولون التنصل من بعض الأحكام لأهداف لاتمت إلي الإصلاح أ والعدل أ والمساواة بصلة ,
وأقول ل (الفقيهين) أن حرق الكتب أوإغراقها أوإتلافها ليس من الحلول لمشاكل موريتانيا لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل وإنما هوتصرف أرعن ينم عن استهتار بكل قيمة في مجتمع أحوج ما يكون إلي قراءة كل شيء وإلي كتابة كل شيء ولن يغيرالأحكام الثابتة في الرق المستفيضة في كل مصادر التشريع و المنتشرة في المكتبات الإسلامية بغض النظر عن مذاهبها أو أقطارها أومؤلفيها أوزمانهم أو مكانهم.

فالمختصر والجواهر وميارة و التبصرة والمعيار والحطاب والدسوقي بل وكل مؤلفات المالكية وغيرهم ماهي إلا قواعد فقهية مجردة لاتكرس واقعا ولا تعوق مستقبلا وإنما هي أحكام موضوعية تنطبق علي من اتصف بها في كل زمان ومكان كما لاتمس ولا تطال ولاتعني من لايتصف بها أيا كان بلده أولونه أوعرقه فمحاكمة هؤلاء أو التهجم عليهم أوحرق كتبهم عملية عبثية.

كما أقول لهما ولغيرهما أن أنماط الاضطهاد الاجتماعي والتمايز الطبقي عندنا -وماأكثرها- لم تحتج يوما إلي سند شرعي أو إلي غطاء من فقه وبالتالي فمشكلتنا ليست مع العلماء وإنما هي مع الجهال الذين لا يعرفون ما يأتون و لاما يذرون فلنترك الكتاب والمؤلفين من غينا ولنبحث عن حلول تلائمنا وطبعا ليس الخطاب الناري الذي يفيض حقدا وكراهية وتحريضا يتجلي في قاموسه المشهور (البظان) (لكور)(البرابرة) (الأسياد)(لعبيد) وغيرذلك من العبارات العنصرية المنتنة البذيئة.


كما أقول لقادة الحركة الذين يتبنون قضية مكافحة الرق ويدعون الدفاع عن الأرقاء ويحاولون استثمار وتسويق هذه الدعوي في الداخل والخارج أنهم جاءو في وقت متأخر وأن الموريتانيين حسموا الأمر منذ زمن وبشكل متدرج وأنه لم يعد هناك رقيق ولا مسترق في بلدنا لا من الناحية الرسمية ولا من الناحية الواقعية وكان آخر مراحل تلك المسيرة هو تجريم الاسترقاق سنة2007
ولم يبق من الظاهرة إلا بعض الآثار وربما الحالات الفردية النادرة التي لاتبرر التعميم الذي درج عليه قادة الحركة في خطاباتهم وتصريحاتهم وهي في طريقها إلي التلاشي والزوال بفعل التطور والتراكم والقانون والدولة والمجتمع لتلك الإستثناءات كلها بالمرصاد وبالتالي فهي لاتستدعي كل هذه الضجة المفتعلة التي تبث بذور التفرقة والتناحر بين مختلف مكونات المجتمع
وأطلب من كل الفاعلين السياسيين والمثقفين والمفكرين أياكان انتماؤهم أن يتأملوامعي دعوات (مارتن لوثرموريتانيا)ثم لينظروا أين هي من المحافظة علي السلم الأهلي والوحدة الوطنية والإستقرار والتنمية والبناء أوحتي من التحرير المزعوم الذي يفتعله هذا الزعيم ويتكلفه؟؟ وهذه بعض الأمثلة منها فقط
1-دعوة (لحراطين) إلي تشكيل ميلشيات مسلحة للدفاع عن النفس
2-دعوة الجنود (لحراطين) إلي عصيان أوامر الضباط (البيظان)
3-دعوة المصلين لحراطين إلي عدم الصلاة خلف الأيمة ( البظان)


إن مشكلة الإسترقاق والإستعباد لم تكن مسألة خاصة بموريتا نيا ولا بالموريتانيين بل هي ظاهرة بشرية عرفتها كل الشعوب والمجتمعات وتتفاقم بتفاقم الحالة الداخلية لهذه الشعوب وتدهور المنظوميةالقيمية عندها فحين كان الأفارقة السود يصدرون أبناءهم وإخوانهم وبني جلدتهم كالقطعان إلي اوروبا والأمريكتين وكان الغرب يستورد هذه الأمواج البشرية بعد تفريقها ووزنها وتوزيعها حسب الأكبر والأسمن لم يكن الموريتانيون- وخاصة( البظان )الذين يحملون اليوم كبر هذه الظاهرة-جزءامن هذا المشهدالرهيب.

وكذلك من التعامل الغربي مع الإنسان وكأنه حيوان يشتري وينتقي علي نفس الأسس والمعايير ثم التخلي عنه فجأة بعدإحلال الآلة محله دون أي اعتبار !!!!!!!!
ولوتقيد الناس -أوالمسلمون علي الأقل - بالأصول والضوابط الشرعية للرق لما اختلف عليه اثنان منهم فسيجد الرقيق أنه إنسان كامل الكرامة والإنسانية والأهلية وأنه موضع اهتمام واحترام حتي علي مستوي المشاعروالتطلعات فالنبي صلي الله عليه وسلم يقول :لايقل أحدكم عبدي ولكن قل غلامي أوفتاي وكان من آخروصيته صلي الله عليه وسلم (الصلاة وما ملكت أيمانكم ) حيث قرنت الوصية علي الخول بالوصية بعمود الإسلام وام الدعائم وركن الدين:
وكذلك أمره عليه السلام : أطعموهم مما تطعمون واكسوهم مما تكسون ولاتكلفوهم من العمل ما لا يطيقون وإذافعلتم فأعينوهم.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!