التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:19:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 07.06.2013 17:20:39

الخديعة الكبرى، وجزاء سنمَّار

محمد ولد ازوين - alzween72@hotmail.com

محمد ولد ازوين - [email protected]

يحكى أن سنمارا كان ماهرا في البناء وطلب منه أحد الملوك أن يبني له قصرا لا يوجد مثله في الدنيا، واستجاب سنمَّار لطلب الملك وواصل الليل بالنهار في تصميم وبناء القصر، وبعد سنوات من العمل الجاد انتهى القصر ودخله الملك الذي اندهش من جماله وروعته، فاستدعى سنمارا على عجل، وظن المسكين أن الملك يطلبه ليمنحه مكافأة على إتقانه للعمل، لكنه تفاجأ بالملك يأمر بقتله، فلما سأله عن أسباب قتله وهو الذي تعب في بلوغ مرضاته وتنفيذ ما طلب منه أجابه الملك بقوله: أخشى أن تبني مثله لغيري.

تذكرت هذه القصة -التي توضح كيف يتنكر الإنسان للجميل ويتخلى عن ضميره ووفائه- وأنا أتابع ما يقوم به نصر الله ومرتزقته في مدينة القصير التي كانت واحدة من مدن سورية كثيرة آوت نازحي الجنوب اللبناني عندما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وتقطعت بهم السبل إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006.

ومن المفارقات أن مواقف حسن نصر الله وحزبه من الثورة السورية لا تزال تثير ردود أفعال متباينة على الساحة العربية الإسلامية، حيث ما زال أدعياء العروبة من القوميين يقفون بقوة مع نصر الله وحزبه ويرون أن الغالبية من جماهير الأمة بموقفهم المناهض لحزب الله اليوم إنما يعملون وفق أجندات غربية ضد ما يعتبرونها قوى ممانعة.

أما الجمهور العريض من العرب والمسلمين فقد وقف يندب حظه العاثر ومواقفه السابقة الداعمة لحسن ومرتزقته بعد ما استطاع بمكره ودهائه أن يجعل الجميع أسرى خطاباته الخادعة على مدى ثلاثة عشر سنة منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان سنة 2000 إلى قيام الثورة السورية المباركة.


ونحن إذ نقر بأننا كنا ضحية للكذبة الكبرى المسماة زورا وبهتانا بـ"المقاومة الإسلامية في لبنان" -والتي هي في الحقيقة مقاولةً من حسن نصر الله لإيران- لا نجد ما نعزي به أنفسنا سوى مقولة الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عندما كان يبادر إلى عتق رقبة كل من يواظب على الصلاة من مواليه، فذكَّره أحد طلابه بأنهم إنما يخدعونه بذلك كي يعتقهم فأجابه بقوله: "من خدعنا في الله انخدعنا له"، لكن أن نكتشف الخديعة متأخرة خير من أن لا نكتشفها، فقد انكشف القناع وتبددت الغشاوة التي كانت على أبصارنا وبصائرنا كعرب ومسلمين واكتشفنا كيف يتشبث الرجل بطائفيته المقيتة وكم هو مستعد لخوض بحار من دمائنا والسير على جماجم نسائنا وأطفالنا ما دام ذلك يصب في مصلحة مشروع أسياده في طهران.

ومن مميزات الثورة السورية المباركة أنها رفعت أقواما ووضعت آخرين على رأسهم حسن نصر الله وحزبه وأظهرته على حقيقته التي كان يغطيها بغربال من صدق وحياء سرعان ما انكشفا عنه وتحول -بمحض إرادته- من قائد يتخذ من الصدق داعما لمواقفه -أيام كانت مقاومته إسلامية وبنادقه موجهة إلى حيث يجب أن تتجه- إلى مخادع يتعمد الكذب دون خجل أو حياء.

ولمعرفة كذب الرجل وخداعه في الآونة الأخيرة ما على المرء سوى استعادة شريط خطاباته منذ انطلاقة الثورة السورية المباركة حتى وعده الأخير بالنصر على الأعداء السوريين، فبعد دخول مرتزقة حسن نصر الله على خط الصراع الدائر في سوريا والجيش الحر يعلن أن مقاتلي الحزب أصبحوا على خط المواجهة وأنهم يقومون بأعمال قتل قذرة ضد النساء والأطفال وهو ما نفاه سيد " المقاولة" في خرجاته الإعلامية الكثيرة، وبعد ما واجهه الجيش الحر بالدليل الدامغ بعد اعتقاله لمجموعة من مرتزقة الحزب عاد وأكد مرة أخرى أن هؤلاء المعتقلين إنما هم مجرد حجاج للمزارات الشيعية في سوريا، وكان نصر الله يغطي على تدخل مرتزقته في المعركة يومها لاعتقاده بأن الجيش النظامي الأسدي قادر على حسم المعركة بمفرده وبمساعدة مئات من مرتزقة الحزب، لكن ما إن وصلت طلائع الجيش السوري الحر إلى أطراف دمشق ومناطق الساحل السوري المحاذية للبنان حتى كثرت خطابات نصر الله وتضاربت إلى حد لم يعد بإمكان المراقبين تمييز صدق الرجل من كذبه، وعندما اقتربت الثورة السورية من اقتلاع عرش الظلم والطغيان الأسدي كشف نصر الله عن سوأته وأعلنها مدوية، نعم نحن نخوض جهادا في سوريا للدفاع عن المزارات المقدسة التي يعلم الله أنها آخر ما يفكر فيه نصر الله، ثم أتبعها بقوله: نحن ندافع عن المقاومة في لبنان خشية انكشاف ظهرها.

ومما يبعث على الاستغراب هو تجاهل الرجل للحالة التي أصبح عليها هو وحزبه وتغيير نظرة العرب والمسلمين -بل والعالم أجمع- حول هذا الحزب الطائفي الذي تحول مقاتلوه من مقاومين في نظر الجميع إلى مرتزقة يمارسون أبشع أنواع القتل والجرائم التي عجزت عنها "شركة بلاك ووتر" ومرتزقتها في العراق أثناء احتلاله، وهذا ما اضطر الشيخ يوسف القرضاوي – وهو من هو في حب تماسك عرى المسلمين بمختلف مذاهبهم- إلى وصف الحزب بـ"حزب الشيطان"، وربما يخجل الشيطان من نسبة هذا الحزب إليه بسبب الأعمال المخزية والمخجلة التي يقوم بها مقاتلوه ضد النساء والأطفال في المدن السورية.

الحلم المستحيل

ولمن لا يزال مخدوعا بحسن ومرتزقته أقول: إن انخراط "حزب الشيطان" وأمينه العام في إبادة الشعب السوري إنما يعود إلى كونه مجرد أداة طيعة في يد الإيرانيين الحالمين بإحياء الامبراطورية الفارسية، ولتحقيق هذا الهدف تستخدم إيران وسيلتين رئيسيتين إحداها دموية يتم تنفيذها داخل الدول العربية الأقرب لإيران جغرافيا بواسطة أذرعها العسكرية "حزب حسن نصر الله، وجماعة الحوثي" أما الوسيلة الثانية لتحقيق الحلم الفارسي فتعتمد على التبشير بالمذهب الشيعي عبر المغريات المادية وعن طريق المال الإيراني المسخر لسفاراتها حول العالم لشراء ذمم ضعاف النفوس في الدول التي شاءت لعنة العلاقات الدولية أن تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران، إذ لا يختلف المراقبون والمتابعون للشأن الإيراني على أن مشروع أحلام إحياء الامبراطورية الفارسية يسير هذه الأيام بوتيرة لم تعرفها المنطقة منذ قيام ثورة الملالي.

فقد استطاع الإيرانيون في السنوات الأخيرة اختراق شعوب كثيرة في دول ما كان لأحد أن يتصور أن يبلغها المد الشيعي الذي ظل محصورا في دول المنطقة المحاذية لإيران، فمن كان يتصور أن يرى ويسمع بشباب وشيوخ موريتانيين يعلنون تشيعهم عبر وسائل الإعلام دون خوف أو خجل في مجتمع سني ظل متمسكا بالمذهب المالكي إلى أن أقام نظام ولد عبد العزيز –الانقلابي- علاقات دبلوماسية مع إيران سمحت لها بفتح سفارة في انواكشوط، الأمر الذي مكنها من بدء التبشير بالمذهب الشيعي مستعينة بتقديم الأموال للفقراء الذين لامست منهم تلك الأموال وتر الفقر والفاقة بعد أن خذلهم من تسمى مجازا بـ(رئيس الفقراء) وتركهم لقمة سائغة في يد من يدفع أكثر حتى بات المتشيعون يجاهرون باعتناقهم المذهب الشيعي ويشاركون في مناظرات تلفزيونية للدفاع عن مذهبهم بعد ما كانوا يتخفون به سنوات عديدة. علما أن حالة المد الشيعي في موريتانيا تسري على بقية الدول الإفريقية بعد الغزو الشيعي الذي تسخر له إيران كل ما تملك من وسائل بشرية ومالية متخذة من الهيئات التبشيرية المسيحية قدوة لها في هذا المجال.

وسبحان الذي يؤتي الحكمة والفطنة لمن يشاء من علمائه وعباده المؤمنين، لا زلت أتذكر الفتوى التي أصدرها أحد العلماء الذين ينظرون بنور الله والتي حرم فيها الدعاء بالنصر للحزب الصفوي اللبناني أثناء حرب 2006 وهو ما جعل هذا العالِم يتعرض لسيل من الاستهجان والاستنكار- عبر مواقع التواصل الاجتماعي- من بسطاء التفكير من عامة شعوب الأمة الذين غالبا ما تذهب بهم العاطفة إلى حيث لا يستطيعون معها رؤية المصلحة الحقيقية التي لا يتنبه لها إلا من آتاه الله العلم والحكمة والفطنة، فقد كان ذلك العالم الجليل وغيره من الكتاب والمثقفين القلائل الذين عارضوا تصرفات "حسن النصيري" وحزبه أدرى به وبحزبه وبفكرهم المنحرف وأعلم بالحقيقة الغائبة عن كثير منا وهي: أن حزب حسن نصر الله وإسرائيل وجهان لعملة واحدة عندما يتعلق الأمر بدماء العرب والمسلمين.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!