التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:19:23 غرينتش


تاريخ الإضافة : 08.06.2013 12:59:32

تراثية النص (ح: 2)

محمد مصطفى ولد باب أحمد talebmostafa@gmail.com

محمد مصطفى ولد باب أحمد [email protected]

لايجد الباعث كبير عناء حين التأمل في زوايا الخطاب الديني حتي يدرك انعدام أي صدام بين ألوهية النص وإنسيته ذالك أن السلطة المطلقة التي تمنح للنص من قبل مصدره الإلهي لا تلبث أن تتوقف حينما تلامس الخصائص البشرية القاضية بالقوة المتناهية لهذا الكائن الضعيف

صحيح أن الخطاب الديني قد وصل إلينا في وعاء لغوي لا يمكن إدراك مفاهيمه إلا وفق الدلالات التي وضعها صانعوه، غير أن ذالك لا يجعل من هذا الخطاب نتاجا
لواقع أصحاب هذا الوعاء لأن الإرادة الربانية في تحقيق أهداف الخطاب الديني وفق منهجه الخصوصي هي التي أرست لوجود هذا القالب اللغوي ومن هنا فإن أي قراءة لا تلتزم بسلطة النص الديني في تحديد مراده لا شك ستنتج خطابا موازيا ربما يعود بالإبطال على الخطاب الأصلي، وسواء اتكأت هذه القراءة على خطاب ذاتي قادم من القارئ نفسه كما وقع في حديث جابر الذي رواه أبو داوود عن الرجل الذي قتله أصحابه حينما أفتوه بمنع رخصة التيمم في حقه فاغتسل فمات أو اتكأت على خطاب خارج عن ذاتية القارئ وماهية النص معا كما وقع في حديث الفاروق رضي الله عنه في مسند أحمد أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى نسخ أهل الكتاب فغضب الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال : (أمتهوكون فيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي) فبالرغم من أنه لا يمكن وصف هذا النوع من النصوص بالغرابة عن الخطاب الديني إلا أن التمسك بها يلغي سيادة النص على المعاني التي حملها في جوهره وهذا ما يفسر الغضب الشديد الذي واجه به النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه ، ومع أني أومن بازدواجية التفسير الظاهري والباطني للنصوص الدينية والتي أشار إليها حديث ابن عباس الصحيح حين فسر سورة الفتح بأنها نعي له صلى الله عليه وسلم لاقتراب أجله ووافقه على ذالك أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب إلا أن التفسير الباطني للنص لا ينبغي أن يؤسس إلا على أصول التفسير الظاهري المتمثلة في الشروط الأربعة التي ذكرها العلماء وليس هنا مجال بحثها، فإن لم يؤسس على ذالك كان شططا من القول وافتراء بينا .

إن من الظواهر العجيبة أن أن يتخذ أصحاب أصحاب نظرية تراثية النص من الاجتهادات العمرية مرجعا يلجئون إليه وهوالأمر الذي أشار إليه أبو زيد حينما قال معلقا (إذن عمر لم يتعامل مع النص كسلطة دائمة عندما وضعه في سياقه ) وهنا أقف لأقو إن الفاروق كان أول من عارض جمع القرآن في خلافة أبي بكر رضي الله عنه و الفاروق هو من قبل الحجر الأسود وقال: "لو لا أن رسول الله كان يقبلك ما قبلتك" و الفاروق هو من تمسك بالرمل في الصفا والمروة مع أن النبي بين علته في حياته أفبعد هذا يوصف عمر بالتاريخية النصية كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا

µلقد تمسك أدعياء هذا القول بما فعله عمر في قضايا المؤلفة قلوبهم والسرقة في عام الرمادة وكل هذه الاجتهادات إنما كان عمر يحقق مناط الحكم فيها فمنع الأقرع ابن حابس سهمه في المؤلفة قلوبهم لأن الوصف لم يعد ينطبق عليه وهذا ما فهمه الخليفة عمر ابن عبد العزيز- أشد الناس تمسكا بمنهج جده أبي حفص- حيث أجرى سهم المؤلف قلوبهم في عهده وأما إيقاف حد السرقة فمن المعروف في دوالب الأحكام قاعدة "درء الحدود بالشبهات " ولا شك أن مشقة المجاعة هي أولى الشبهات بالاعتبار.

إن مما لا ريب فيه أن نظرية تراثية النص- والتي لم نوفيها حقها في هذا المقال المقتضب - هي هادمة لبنيان هذا الدين إذ أنها تقود إلى خطر نسخ الأحكام بل والعقائد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وهذا ما صرح به العشماوي حينما توصل إلى أن نسخ الأحكام ليس خاصا بالشريعة بل هو موكول إلى الأمة لأن الأحكام المقررة في الشريعة ليست مطلقة كما يقول [التجديد في الفكر الإسلامي 446] إنما يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله عن ذالك وأبناء هذه الأمة البررة.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!