التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:19:30 غرينتش


تاريخ الإضافة : 08.06.2013 21:37:02

إسقاط أخلاقي للهيمنة

الأستاذ / مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

الأستاذ / مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

لا يتفق الموريتانيون اليوم على شيء كما يتفقون على سوء أحوالهم وتردي معيشتهم وإحساسهم بالإهانة والهوان والندم على ما فات من انخداع بهذا الجنرال الحاكم وعصبته من لصوص الرتب والنياشين وسراق المال العام؛ فليس في هذا البلد من لا يتسخّط على الواقع المليء بالظلم والتمييز والقهر وتسلط البغايا والمثليّين على قرار كبار رجال الدولة الفاسدين خلقيا.

ذات مرّة كانت إحدى لجان مجلس الشيوخ منتهي الصلاحية تناقش قانونا لحماية المجتمع من "الأخلاق الوافدة" وكان بعض "شيوخ المصفقة" ظاهر الحماس لمحاربة الرذيلة بيّن التقوى والتنسك، لكن سيدة من الحاضرات في الجلسة صدمت هؤلاء بالحقيقة التي ألحقتهم ببني نمير؛ إذ قالت لهم بالحرف والنقطة: كيف نحارب الرذيلة ومن بين الجالسين معنا الآن لمحاربتها قوم يأتون الفاحشة؟ (هي قالتها بعبارة أشد تصريحا وتجريحا) ثم هددتهم بالفضح على الملأ إن نبس أحدهم ببنت شفةٍ، وطبعاً لم ينبسوا.. !!

ما يكفي حزناً أن أمثال هؤلاء "الشيوخ" المتصابين وفيرٌ في سراديب الحكم ومسالك أجهزة الدولة المختلفة، وكثير منهم قابع تحت رحمة جهاز المخابرات الذي يتولى مهمة إفساد النخبة السياسية والثقافية وإسقاطها أخلاقيا للسيطرة عليها، ولقد بلغني أن في هذه الفضائح الأخلاقية تفسيرا لكثير من مظاهر هجرة بعض الساسة والمثقفين إلى ما تهاجر إليه السلطة الحاكمة، وربما كان فيه تفسير لاختفاء كُتاب بارزين أو تغيير مواقفهم على هيئة ما كان يتوقعها أحد.

حدثني أحد قادة منسقية أحزاب المعارضة أن له هاتفا لا يكاد يهدأ رنينه من اتصالات تجريها نسوة تتظاهر كل واحدة منهن بأنها اتصلت خطأ ثم تحاول أن تفتح مجالا "للتعارف"، وكلما قطع الخط في وجه واحدة أعادت الأخرى المحاولة في وقت آخر ومن رقم آخر وهكذا دواليك.

لا أعرف إن كانت هذه المحاولات الإسقاطية توقفت، لكني أعلم أنها استخدمت مع آخرين ولم تفلح كذلك، وأعلم مخابرات السلطة ربما استخدمت شبكات التواصل الاجتماعي للإيقاع بضحاياها أوالتشهير بهم، ومما صحّ عندي خبره في هذا المجال أن مخبرا لئيما وقعت في يده صور خاصة لزوجة أحد "أصدقائه" من الناشطين الشباب فما كان منه إلا أن أوصلها إلى عقيد في المخابرات العسكرية مكلّفٍ بمكافحة النشاط السياسي الشبابي المعارض.

وبعد محاولات إخضاع فاشلة قرر العقيد الفاسد رفع مستوى الضغط على الشاب بأن نشر من صور أهله ثلاث صور "غير معدّة للنشر" على موقع فيس بوك من حساب مستعار، فأجج إعصارا من الغضب في المحيط الاجتماعي للشاب ولزوجته التي هتكت المخابرات الموريتانية سترها وخصوصيتها، وعندئذ هدأت ثورة الشاب المسكين حفاظا على عرضه وانصاع لأوامر العقيد وربطتهما علاقة "وطيدة" بعد أن كانا على ضفتي خلاف.

إن ما تأتيه دوائر الإسقاط الأخلاقي في المخابرات الموريتانية من كبائر الإثم والفواحش لا حصر له ولا عدّ، ونذكر هنا أن هذه الدوائر متهمة بالإشراف على شبكة واسعة الانتشار من دور المواخير وجيش من منزلات الركبان ومنزليهم تسخرهم لخدمة السلطة السياسية أكثر مما تستخدمهم في مصلحة البلد أحيانا.

الحقيقة المرّة اليوم أن جزءا غير قليل من أموال الدولة وممتلكات الشعب مهدورة في شهوات "العصبة أولي القوة" ومبدّدة في بند صرف للميزانية غير معلن يدعى "مهر البغيّ وحلوان الكاهن"، وإن لهذين الصنفين من الناس تأثيرا رهيبا في الطبقة الحاكمة فوق ما يظنّ الناس وما يتخيلون!!

ووقوفا عند الحق فليس السقوط الأخلاقي حالة تعم النخبة الموريتانية وليست كل محاولات الإسقاط المخابراتية نجحت في ما أرادت، وإن في هذا البلد ممن هم أتباع للسلطة وممن هم في المعارضة لأنقياء ثوبٍ وشرفاء عرضٍ كثر لله الحمد، لكن "ثغرة الأخلاق" وخرقَها في أفاعيل "العصبة أولي القوة" باتا يتسعان على الراتق حتى لقد كاد بعضهم يدفع حياته ثمنا لذلك.

نقلا عن أسبوعية الأخبار إنفو


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!