التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:12:24 غرينتش


تاريخ الإضافة : 10.09.2008 21:16:46

لنقف دقيقة صمت ترحما على ديمقراطيتنا الفقيدة!

عبد الرحمن المصطفى

عبد الرحمن المصطفى

لا شك أن الفترة الانتقالية في ما بعد الثالث من أغسطس تميزت بأجواء الحرية الإعلامية والسياسية وإلى حد ما " الانتخابية"، لكن ما من شك أيضا أنها لولا دعمها بنظام مدني ديمقراطي يؤمن بالديمقراطية إيمانا أكثر من قناعات من جبلوا على الامتثال أولا والأوامر آخرا، لما كانت ناجعة ومفيدة، فجاء النظام المدني برئاسة الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله فكان- رغم ضعفه- حريصا على إقامة مؤسسات ديمقراطية حقيقية جعلت من وسائل الإعلام جهازا رقابيا بعد أن كانت أبواقا تسبح وتحمد باسم من حالفه الحظ في دخول القصر الرمادي، وجعلت من البرلمان– حقا- أداة للرقابة ورفض بعض المشاريع في جو ديمقراطي تصوت فيه الأغلبية مرة مع المعارضة وتصوت الأخيرة أحيانا مع الأغلبية، دافع الكل لذلك الركون إلى البرامج والقناعات لا إلى الشخصنة والمصالح الضيقة، وبهذه الصورة راجت موريتانيا باعتبارها فريدة في بعديها العربي والإفريقي. .

ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن . . .

بدا واضحا للرئيس الذي وصل إلى الرئاسة بدعم- غير بريء- من ضباط متنفذين في المجلس العسكري السابق، بدا له أن يخرج من طوق العزلة "الأغلبية" ليفتح نافذة لا يتحكم فيها أصدقاء الأمس، فقرر إدخال جزء من المعارضة إلى الموالاة، وقد وفق في كسب ثقة الإسلاميين واليساريين، فلم يرق ذلك لمن أراد التخلص منهم فهيئوا "كتيبة برلمانية" لحجب الثقة عن الحكومة الوليدة. . . وتتابعت الأحداث وبلغ الأمر درجة خطيرة من التحايل بين الرئيس وأهل ثقته من قبل، فقرر إقالة الجنرالات المتهمين، فرد قائد حرسه بكل بساطة وهدوء باقتناص حلم أمة بأكملها والدوس على تاريخها ونضالها وتعبها فقرر إقالة رئيس لم يكن هو من اختاره دستوريا، ووعد – كما الحال مع كل محتال ذكي- بديمقراطية لن تكون في كل الأحوال أحسن من التي كنا نعيشها.
ليس العيب أن ينقض عسكري هو أول من استيقظ من الثكنة على رئيس منتخب، فتلك أداة أصحاب النعال الخشنة في التعبير عن حالة فوران غالبا ما تلازم كل من وصل إلى رتبة "الأمرية" في قانون أهل البنادق، لكن العيب والعار هو أن يقوم رجال ثقافة بالتطبيل والتزمير لهذا الفعل المشين بكل المقاييس، أو أن يقوم رجال قانون ومنتخبو شعب بالتبرير والدفاع عن من اغتصب سر وجودهم فوضع حدا لعمل الأول وفرصة بقاء الثاني، ويبقى العيب الأكبر على رجال السياسة وأصحاب المبادئ الذين بدءوا بتحريض الضباط على الانقلاب وانتهوا بخدمتهم المذلة لأطماع فلان وعلان دون أن يجنوا من ذلك سوى العار والشنار...
طبيعي أن "يصفق" من تعودوا الصفة وعاشوا في كنفها ومن لا يرجوا الشعب الموريتاني منهم شيئا ولا ينتظر منهم سوى لحن في القول يطرون فيه القادم ويرفعونه لرتبة عمر بن الخطاب ويسبون الذاهب سبا لم يرى قبله مثله ولن يرى بعده. .
لكن لأهل الفكر والسياسة والقانون محل لا يسمح لهم بانتهاج نفس السلوك الذي ينتهجه غيرهم من العامة والمتفيهقين، وقد حز في نفسي أكثر ردة فعل ثلاث شخصيات كنت أرى أنها ستتعالى عن الأسلوب المنحط الذي ظهرت به وهي:
1- السيد أحمد ولد داداه: ودعني أكون معك صريحا، على أي شيء طبل حزبكم للانقلاب على الدستور والشرعية بل وحرضتم عليه من خلال مطالبتكم غير الواقعية باستقالة الرئيس وإشاعة اعتقاله للضباط يوم إقالتهم رغم أن ذالك لم يحدث، ودعني أسألك هل تكفي سنة واحدة للحكم على مأمورية قدرها خمس سنوات؟ وماذا ستنجز أنت في سنة واحدة لو كنت رئيسا؟ وأخيرا هل تؤمن بالديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة؟ أم أنك – الآن- في سباق مع الخمس سنوات المتبقية من عمرك الدستوري،وبالتالي "كل شيء جائز في الحب والحرب" كما قال وينستون تشرشل؟ وهل تعلم يا سيادة الرئيس أن ال47% التي حصلتم عليها في الشوط الثاني لم تكن لكم وحدكم وإنما كان شريكا معكم فيها فرقاء اليوم في الجبهة المناوئة للانقلاب؟.
2- السيد صالح ولد حننا: هل تعلم يا سيادة الرئيس أنكم خرجتم إلى عالم الشهرة والظهور بفضل النضال ورفض الديكتاتورية، لا بسبب المكيفات والتأقلم مع الواقع؟ ترى ما هو سر دعمك لمن قاتلك يوم كنت حاملا لواء الكفاح المسلح ضد أعظم ديكتاتور عرفته البلاد. . حتى الآن.؟ أين مبادئك ونصرتك للمظلوم ، وأيهما كان أكثر خطورة على البلاد ولد الطائع أم ولد الشيخ عبد الله؟ رغم انك كافأت بينهما في العمل من أجل إسقاطهما.
3- السيد سيدي محمد ولد محم: كنت مثقفا محاميا رافضا – على قدرك- للدكتاتورية الطائعية رغم القرب والقرابة، فما السبب الذي جعلك دمية يحركها من يشاء لما يشاء؟ أيهما أقوى في القانون سلطة الانتخاب أم سطوة الانقلاب؟ إذا كان صحيحا أن سيدي لم يكن مرضيا عنه شعبيا فهل يعطي ذلك الحق لأصحاب البزات الرمادية بالانقلاب عليه وإعلان الأحكام الاستثنائية والمواثيق الدستورية المعطلة للدستور؟ سيدي المحامي هل تعلم أن الرئيس الأمريكي ليس لديه من المؤيدين سوى 15% حسب استطلاعات الرأي، ومع ذلك فإن الجيش الأمريكي لم يتدخل حماية للأغلبية الرافضة لسلطان بوش؟

إن ما حصل يوم السادس من أغسطس أعطى درسا واضحا وهو أن الشعوب لا وكيل لها في أخذها الحقوق، وأن المثقفين والسياسيين ليسوا سوى "أشخاص أغبياء يحتاجون إلى دروس في السياسة" كما قال مثل القوم الأعلى: ميكيافيلي.
أخيرا أقول بأن حكم ولد الشيخ عبد الله تميز بأمور محسوسة لا يمكن لمغالط نفيها، فلا جريدة صودرت، ولا سجين سياسي وجد، ولا نشاط حظر، ولا حزب منع، إضافة إلى التزامات المجموعة الاستشارية باريس، فمن كان هذا عمله في خمس ولايته فحري بالمنصفين أن يعطوه الفرصة التي أعطاه إياها الشعب الموريتاني، ليحكموا عليه بتراكماتها لا بالنظر إلى النصف الفارغ من الكأس، ورغم ذلك فأنا أعتبر أن لولد الشيخ عبد الله أخطاء فادحة، لكنها لا تصل درجة ما بُلغت له ادعاء وزيفا.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!