التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:17:37 غرينتش


تاريخ الإضافة : 19.06.2013 20:50:13

إذا سلمت فكل الناس قد سلموا

بقلم: محمد عبد الله ولد لحبيب

بقلم: محمد عبد الله ولد لحبيب

الحمد لله أن عافى الشيخ...

تداعت إلى ذهني الصور والكلمات حين علمت متأخرا بالعملية التي أجريت للشيخ محمد الحسن بن الددو، وكان أبو الطيب سباقا:

المجد عوفي إذ عوفيت والكرم ** وزال عنك إلى أعدائـك الألم
صَحّتْ بصِحّتكَ الغاراتُ وَابتَهَجتْ *** بهـا المكارِمُ وَانهَلّتْ بها الدّيَمُ
وَرَاجَعَ الشّمسَ نُورٌ كانَ فارَقَهَا** كأنّمــَا فَقْدُهُ في جِسْمِهَا سَقَمُ
وَلاحَ بَرْقُكَ لي من عارِضَيْ مَلِكٍ *** ما يَسقُطُ الغَيثُ إلاّ حينَ يَبتَسِمُ
يُسْمَى الحُسامَ ولَيستْ من مُشابَهَةٍ ** وَكيفَ يَشتَبِهُ المَخدومُ وَالخَدَمُ
تَفَرّدَ العُرْبُ في الدّنْيا بمَحْتِدِهِ ** وَشارَكَ العُرْبَ في إحسانِهِ العَجَمُ
وَأخْلَصَ الله للإسْلامِ نُصْرَتَهُ ** وَإنْ تَقَلّبَ في آلائِهِ الأُمَـمُ
وما أخصك في برء بتهنئة ** إذا سلمت فكل الناس قد سلموا

تذكرت آخر مرة التقيت فيها الشيخ، لا كانت آخر مرة، في العاصمة الليبية طرابلس قبل شهور ثلاثة، حين استقبله مجند على باب الفندق وقال: لقد كان بي برص، وقبل سنوات اتصلت بك في رمضان في أحد البرامج التلفزيونية فدعوت لي فشفاني الله بدعوتك بعدما أيس مني الأطباء.. كم للشيخ من حسنة لا يعلم بها إلا الله!!

تذكرت أول مرة صافحني فيها الشيخ قبل أكثر من عشر سنوات، ثم صرت أستجمع صور اللقاءات التي أسعدني الزمن بها، في السفر والحضر، الشيخ في منزله في سجنه، الشيخ في الوطن، الشيخ في الحرم المكي، في موقف عرفات،،، الشعور الذي خامرني أول مرة ما زال هو، والشيخ الذي اغتبطت بمصافحته أول مرة ما زال هو... كنز من العلم والتواضع، جبال من العزة في الله، وأنهار من الدموع تسيل بغزارة، فرقا من الله، أحسبه كذلك.

العمرة مع الشيخ تساوي، رغم عمقها الإيماني، قراءة أسفار من تاريخ مكة والمناسك، أنت تنتقل مع أبي الأنبياء وهو يشيد البناء، ترافق أمنا هاجر عليها السلام وهي تهرول تبحث عن سقيا للذبيح، ثم تجدك تغذ السير مع الخليل قافلا من دمشق أو من القدس، ثم لا تلبث أن تقف على نادي مضاض ابن عمر الجرهمي وهو يتدبر مع علية قومه أمر العماليق...

عند هذه السارية حدث عتبة ابن ربيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصغى إليه، وعند تلك وقف أبو ذر رضي الله عنه، يصدع آذان الندي بآي الذكر.

هنا خطب الفاروق وهو أمير المؤمنين خطبته الشهيرة حول أسيفع جهينة... وهنا كان ابن الزبير يعبئ جنده لمواجهة الحجاج، من ذلك الجبل اخترط الحجارة التي بنى بها الكعبة، وعلى هذه السارية نقش تاريخ توسعة المهدي العباسي للحرم، وهنا وضع العثمانيون أول حجر شادوا به المسجد الحرام...

أما حين تستمع إلى الشيخ وهو يخطب بعرفات فتلك قصة أخرى، تزلف فيها الجنة والنار، تعلو الزفرات، والناس في عرصات القيامة وتهلل الوجوه ورودا على حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وتفيض أحكام الحج، ومعاني الرحمات... "الحج عرفة".. و"عرفة خطبة الشيخ الددو"...

زيارة البقيع الطاهر مع الشيخ تعيدك إلى عصور الصحابة والتابعين، يكلمونك تسترجع ذكرياتهم تتعلم أنسابهم والقرابات التي جمعت بينهم، وأين دفن أبناؤهم وبناتهم، مصاهراتهم، نكتهم، ومن يعود إليهم من أنساب قبائل البلاد السائبة، ومن حكم من أحفادهم الأندلس والمغرب الأقصى، وطشقند وبلاد الزنج والهند...

من لم ير الشيخ وعلماء الإسلام يطأطؤون رؤوسهم بين يديه، من لم ير الشيخ ورجال الأعمال يزحفون يبغون منه كلمة، دعوة، مصافحة، صورة، من لم ير الشيخ والناس، كبراؤهم وصغارهم، كأن على رؤوسهم الطير حين يهم بالحديث، فإنه ما رأى جلال العلم، ولا هيبة التقوى، ما رأى الدنيا ولا الناسا...

تسمع بالشيخ يتحدث عنه كبار العلماء، وعظماء الساسة، يتوسط للرؤساء، يقضي حاجات الدول، يغيث الله به الشعوب، فتقول لا شك أن الشيخ سيكون مشغولا، ولن أستطيع الحديث إليه، ثم تتاح لك فرصة اللقاء بالشيخ فتظن نفسك الوحيد الذي يعرفه الشيخ أو سيستقبله في ذلك اليوم من كثرة ما يهتم بك يسألك عن ابنة خالة عمة أبيك، عن ولدها الذي كان مريضا، وعن بنتها التي كانت تبحث عن عمل... وعن... وعن...

كان من زينة الدنيا أن يقول الرجل حدثنا مالك، وإني والله أجزم أنه من نعمة الدنيا والآخرة أن يكلم الرجل الشيخ أو يلتقيه أو يصافحه أو ينال منه دعوة...

فتبارك الله أحسن الخالقين...

اللهم أطل عمر الشيخ في طاعتك وأقر عينه في نفسه وأهليه وفي أمة محمد صلى الله عليه وسلم،، اللهم اشفه بشفائك وداوه بدوائك وعافه من بلائك... اللهم لا تره مكروها في نفسه ولا في عياله ولا في أمته.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!