التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:12:34 غرينتش


تاريخ الإضافة : 13.09.2008 08:37:15

ظاهرة النفاق والتملق فى مويتانيا

محمد ولد باباه ولد ديداه ـ اسبانيا OHAMEDOULDDEIDAH@YAHOO.ES

محمد ولد باباه ولد ديداه ـ اسبانيا [email protected]

نحاول فى هذا المقال تسليط الضوء على احدى الظواهر الاجتماعية التى ربما تكون اكبر سرطان يسوس نخاع الدولة الموريتانية منذ نشأتها تقريبا "ظاهرة النفاق والتملق" التى تعتبر ظاهرة كونية وجدت مع وجود الإنسان وإن ارتبطت فى أغلب أوقاتها بحاشية السلطان التى لايصلها عادة إلا متملق منافق خصوصا فى عالمنا العربى .
فقد روي أن يزيدا سأل أباه معاوية ابن ابى سفيان رضي الله عنه عن ظاهرة التملق والإنبساط فى مجلسه قائلا : أهاؤلاء يخدعوننا أم نخدعهم ؟ فقال له معاوية : من خدعناه وأنخدع فهو مخدوع , ومن خدعناه فتخادع لنا ولم ينخدع فهو مخدوع .
وقد عرفه نجيب عز الدين بأنه : " وسيله ماكرة وخبيثة يلجأ إليها أصحاب المصالح والمنافع الشخصية لتحقيق أهدافهم الضيقة على حساب العامة ولتحقيق أجنده ومكتسبات ليست حقا لهم وليسو أهلا لها ".
أما فى مجتمعنا الموريتانى فإن الظاهرة وإن ولدت مع ميلاد الدولة فإنها لم تبلغ سن الرشد إلا فى الثمانينات والتسعينيات حيث تطورت بشكل سريع مع التطور الهائل لوسائل الإعلام , وبين التملق والنفاق الموجود فى كل المجتمعات وعبر كل العصور برزت ظاهرتنا التى أرتفعت من درجة التملق والنفاق إلى درجة التأليه والتسبيح بحمد الحاكم والسجود له .
وقد أخذ فيها متملقونا بنظرية بن خلدون فى مقدمته , الفصل السادس تحت عنوان : في ان السعادة والكسب انما يحصل غالبا لأهل الخضوع والتملق وان هذا الخلق من اسباب السعادة
حيث يقول:
"قد سلف لنا فيما سبق أن الكسب الذي يستفيده البشر إنما هو قيم أعمالهم ولو قدر أحد عطل عن العمل جملة لكان فاقد الكسب بالكلية وعلى قدر عمله وشرفه بين الأعمال وحاجة الناس إليه يكون قدر قيمته وعلى نسبه ذلك نمو كسبه أو نقصانه وقد بينا آنفا أن الجاه يفيد المال لما يحصل لصاحبه من تقرب الناس إليه بأعمالهم وأموالهم في دفع المضار وجلب المنافع وكان ما يتقربون به من عمل أو مال عوضا عما يحصلون عليه بسبب الجاه من الأغراض في صالح أو طالح وتصيرتلك الأعمال في كسبه وقيمها أموال وثروة له فيستفيد الغنى واليسار لأقرب وقت" مقدمة بن خلدون الصفحة 390
وهذا هو حال متملقى موريتانيا الذين يوفرون لأنفسهم من هذا التملق سيارات فاخرة وقصور مريحة وحسابات مملوءة بالملايين إضافة إلى قواعد شعبية تتملقهم , واجتماع المال والجاه لاشك أنه من أسباب السعادة الكبرى التى يبحث عنها الجميع .
إلا أن نظرية ابن خلدون هذه لم أجدها عند أي من المفكرين بل إن طريق السعادة والكسب عندهم هي الكد والتميز والصبر وليس التملق والخضوع .
ونحن هنا لانعترض على مدح من يستحق أو الثناء على شخص نتيجة مجهود قام به , وإنما ننطلق من قاعدة الإمام علي كرم الله وجهه التى تقول :"الثناء بأكثر من الإستحقاق ملق , والتقصير عنه حسد " .
والتملق شيمة من لا يعرف حقيقة نفسه , وهو عادة سيئة من أقبح مايمكن أن تحمله صفاة الإنسان .
وبعد تمعن وتفحص لظاهرة التملق والنفاق فى موريتانيا اكتشفت أن طريقة الأداء تختلف من منطقة إلى أخرى على الرغم من توحد الغاية , فهناك التملق المقنن وكذالك التملق الفاشل و الساذج إضافة إلى التملق الماكر أو الخبيث , وكل واحد من هذه الأشكال الثلاثة يرتبط بمنطقة معينة من مناطق الوطن .
وهناك شكل رابع يمكن أن نسميه بالتملق أصالة عن النفس وتمليقا الآخرين , وهو ماتمارسه التلفزة والإذاعة.
وسنستعرضهم تباعا عبرالنقاط التالية :
أولا: التملق المقنن ويرتبط بمنطقة الكبله "أهل الكبلة " وطريقة الأداء لهذا النوع تحتاج إلى إلمام صاحبه ببعض القوانين والتشريعات , وبالإلتزام بديكور معين بحيث يظهر لسيده على أنه صادق فى أقواله وأفعاله ويدافع عن حق أوجبت عليه الشريعة والقانون الدفاع عنه , وبين الهنيهة والأخرى يجب أن يسترق مايظنه تبسما بحيث لايخرج من الأسنان إلا مابين الناب والناب مع الإحتفاظ بكآبة الوجه حيث يذكرنى بقول المتنبى :

إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم

ثانيا: التملق الفاشل والساذج وقد ارتبط بالمناطق الشرقية " أهل الشرك " فعلى الرغم أنهم يستخدمون في التملق عادة ما استطاعو من قوة اللغة والحبك وتراكم الألفاظ وجودة الأداء مع تبديد فاحش للأموال , إلا أنه يبقى مكشوفا أمام الأسياد وواضح أنه لغاية فى نفس يعقوب , وطريقة التملق عندهم تذكرنى برسم أحمد ديه لسدوم ولد اجرتو عندما يقول :

مير أعرب تــنزلاط كـــــــــي وراط
وانيرزك والتشماط باسمع شــــــاع
أنبط نبطت لنبــــاط كــــــوط لكواط
سلسلت تنبـــــــــاط ســرل كـــــــاع

ثالثا:التملق الماكر والخبيث , ويعرف هذا النوع عند "أهل آدرار" ومن على شاكلتهم وتمتزج فيه القهقهة والإبتسامة والكآبة على حد السوى , وكل واحدة من هذه الثلاثة تخدم غرضا معينا .
ويتميز أصحاب هذا النوع من التملق بالحربائية وسرعة الذوبان , فصديقهم بالأمس عدوهم اليوم , وحليفهم اليوم خصمهم فى الغد , وهذا النوع من المتملقين لايمكن أن يبتعد عن افتعال الأزمات وادعاء التهديدات والزج بالآخرين فى المشاكل إلا قدرما تستطيع السمكة الابتعاد عن الماء , فهو يحاول دائما أن يبقى المحور الذى يدور حوله كل شيء ولسان حالهم يقول:

والله عظمت السبحان مان بـــاغ فالدني يوم
ماه يوم عنـــد أزوان وال يوم البارود إكوم

رابعا: التملق وتمليق الآخرين , وهو ماتمارسه التلفزة والإذاعة اللتان تتملقان وتملقان أيضا , والحق أنهما يصلحان لأن تكونا أكادميتين لتخريج المتملقين بدرجة أمتياز .
فأصحاب البدو الذين لايعرفون عن الدولة سوى اسمها, ولا عن الرئيس سوى فرضية وجوده ينكتون من قبورهم ويلقنون بأمور لاتخرج عن تمجيد الحاكم ـ الذى عادة ما يكون نكرة ـ وتقديسه وتشريع أعماله الإجرامية , أما اصحاب المدن فحدث ولا حرج , ويقطف ثمن ذلك التملق البرىء مقدم البرنامج الذى :

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد وعين له حولاء باد عيوبها

واخيرا بقي أن نشير إلى أن للتملق أضرار كثيرة من أهمها : إعاقة التنمية بالتركيز على المصالح الشخصية بدل المصالح العامة ,والوقوف أمام التعلم والإبداع بسبب عدم الأخذ بالكفاءات , وتعميق الشعور بالظلم والإحباط وغياب العدالة , وتكوين مافيات الفساد وتقوية الروابط بينها بسبب مصيرها المشترك الذى لايستند لأي سند قانونى , وتبديد الثروة وحرمان الأغلبية من حقوقهم القانونية , إضافة إلى سهولة أختراق الدولة من طرف الأعداء الذين يجدون طبقة متحكمة فى مفاصل القرار يمكن شراؤها بالمال .
وهكذا حتى يصبح الشعب كله آخذ بمبدإ : اذا كانت لديك حاجة عند الكلب فقل له ياسيدى .


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!