في سابقة من نوعها في تاريخ العرب المعاصر ها أمير قطر يترك السلطة ويسلمها لخلفه. دون مطالبات له بالرحيل ودون مرض مزمن ودون انقلاب عليه سابقة استوجبت منا أن نودعه بهذه الأحرف شهادة لله . وإنصافا للرجل.
ها نحن نقف عند وداع رجل وداع وبطال وداع قائد يشهد له البعيد قبل القريب, بإنجازات في وطنه في مدة يسيرة من عمر الدول:
حقوق للشعب مصانة وعيشة رغدة وكرامة موفورة في داخل الوطن وخارجه,
اقتصاد مزدهر لا يقوم على ركيزة واحدة بل تعدد مرتكزاته, استثمارات في العلم ومؤسسة قطر شاهدة على ذالك, واستثمارات في التنمية البشرية للشعب القطري والدعم المدرسي مثاله له,استثمارات في الدول العربية والصديقة,في مجالات متنوعة تبدأ من الزراعة والعمران ولا تنتهي بالرياضة, كل هذا جعل اقتصاد قطر ينمو بهذا الشكل الكبير.
وداع قائد ترك مجدا له ولمواطنيه في نفوس الشعوب العربية والمسلمة, فبصماته حاضرة في عون المستضعفين في جنوب لبنان وفي غزة وفي السودان, بل في كل مكان يوجد فيه مستضعف.
وداع قائد ترك لوطنه الأمن والاطمئنان وحسن جيرة مع الجيران.
وداع قائد رفع هامات أبناء وطنه ورفع هامات الإنسان العربي في كل مكان,ومن يشك أو يحتاج لديل أو برهان فليقرأ ما يكتب عن العرب في الجرائد ووسائل الإعلام اليوم, وليعد للإرشيف وليقرأ ما كان يكتب عنهم قبل خمسة عشر عاما من الآن,لقد تغيرت نظرة شعوب العالم لنا, كما تغيرت نظرتنا لأنفسنا, كل ذالك نتيجة لتأثير مشروع العصر وإنجاز الأمة,مشروع له حظ من اسمه إنه الجزيرة بما تحتويه من معاني,وإن كان يصح أن نقول مثل ما قيل لعثمان, نقول: لا يضر الشيخ حمد ما فعل بعد انشائه لقناة الجزيرة.
وداع رجل ترك لوطنه اسما وعنوانا ومكانا في التاريخ, أكبر بكبير من مكانه في الجغرافيا, فأي شعب لا يعرف قطر وأميرها, ويدره قدرها.
وداع قائد قال بلسان الحال قبل لسان المقال:بأن بناء الأوطان لا يحتاج كثرة في العدد ووفرة في المساحة بل ولا قوة عسكرية كبيرة, بل يحتاج فقط عزيمة يسندها وعي بالحاضر وما يدور فيه, وحسن تقدير وتدبير.
وداع قائد: كان دأبه وعادته الاً مستحيل فكان حريصا على أن ينال وطنه المرتبة الأولى في مجالات عدة. وقد كان بعض ذالك فقطر:
أول دولة عربية تؤسس لإعلام جديد وتلغي وزارة الإعلام .
وأول دولة عربية وشرق أوسطية تفوز باستضافة كأس العالم.
وأول قائد عربي يزور جنوب لبنان بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وأول قائد عربي يزور غزة المحاصرة.
وأول قائد عربي يضع لوطنه رؤية استراتيجية واضحة تمتد 30 سنة.
وأول أمير عربي في تاريخ العرب الحديث يترك الحكم ويحضر بيعة خلفه .
وداع قائد ترك السلطة رغم الأعداء والأصدقاء فأعداؤه وخصومه من المتباكين على الأنظمة البائدة يحز في نفوسهم أنه أقدم على التغيير في وطنه كما يريد لا لا كما يريدون.
وأصدقاؤه كان أملهم أن يتم المسيرة ويكمل مجدا أسسه ويرعى بناء شيده.لكنه تركها رسالة خالدة في تاريخ العرب
وداع قائد,أنقذ جيلا وألهم آخر. وداع قائد كان القدوة والدليل لأنه سار في درب لم يُسلك قبله ولم يجد من يسلكه معه, لكنه صمم وعزم وواصل السير حتى تحقق التغيير.
لسان حاله أيها القادة افعلوا الخير لأوطانكم, واتركوا من يكمل ويتمم وينمي ويطور, فلكل زمان رجاله ولكل عصر قادته.
فحفظك الله من شيخ وأمير, وحفظك الله من ناصر للمستجير


د. سيد محمد عبد الله