سببان رئيسيان أرغماني على التأخر في الكتابة عن أخي الراحل ماء العينين ولد بادي، أول هذين السببين هو أن العبرات التي ألجمتني، والحسرات قيدتني وأنا أرى شريط أيامي بصحبة اخي الراحل يمر امامي سريعا.

ما العنين ولد أحمد ولد بادي هو أكبر إخوتي على الإطلاق، حملني طفلا وديعا، وحماني صبيا صغيرا، ووجهني مراهقا أتهادى على غير بصيرة في أزقة وحواري نواكشوط، حين كنت أدرس كان لي نعم المعين، يراجع لي دروسي ويحضني على بذل مزيد من الجهد من أجل الوصول إلى المراكز المتقدمة بين طلاب الفصل... وحين كبرت وبلغت الأشد كان لي نعم الصديق الوفي والأخ المربي والصاحب المتكل... الآن وقد رحل فإن ترك في حياتي فراغا من الصعب ملؤه، ولحظات صفاء من الصعب نسيانها، بل من الأصعب غيابها عن الذاكرة والمخلية. في هذه اللحظات أتذكر قول الشاعر ابن المعتز

يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا *** وأنت والد سوء تأكل الولدا

أستغفر الله بل ذا كله قدار *** رضيت بالله ربا واحدا صمدا

مع انشغاله بعمله وأسرته ونضالاته يبقى له من الوقت ما يزور من خلاله أهله وأحبته ليزرع هناك الإحترام المتبادل ... والود اللامحدود ... يوزع بذور الصفاء وورود المحبة... يطوف على الجميع يسأل ... ولأحوالهم يتأمل... وانتابتني حالة حزن أعاقت طريقي في الكتابة.

لا أملك هنا إلا أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله... لقد اختطف الموت أخي الأكبر ماء العينين وبقيت في دوامة من الأسى...

أخي أبشرك بأن أسرة صابرة، وأهلا احتسبوك عند الله. بشراك لقد كنت نعم الأخ بالنسبة لإخوة، ونعم الولد بالنسبة لأمك المكلومة عيشة منت عبد الجليل التي أشهدت الجميع على رضاها التام عنك، مقدمة شهادتها عن تفانيك في إرضاءها والسعي الحثيث لبرورها.

أخيرا إن الأيام الماضية كانت بالنسبة لي ولبقية أفراد الأسرة فترة نحاول من خلالها امتصاص آثار الصدمة الناتجة عن رحيل فقيدنا. تلك الصدمة التي لا زالت تهز الكيان. لكن الإيمان بالله أقوى، والاحتساب للفقيد عنده أعظم وأرسخ.. وما عند الله خير وأبقى..

إنا لله وإنا إليه راجعون