التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:17:49 غرينتش


تاريخ الإضافة : 01.07.2013 13:55:08

الموكِّل يتكلم العربية..

محمدٌ ولد محمد غلام

محمدٌ ولد محمد غلام

في أحد أواخر أيامي العملية في إحدى الدول العربية الشقيقة، حيث كنت أقيم منذ سنوات.. في هذا اليوم الذي كنت فيه أوثّق توكيلا لأحد الإخوة لسحب بعض المستندات التي تفرض "البيروقراطية العربية" أن تتأخر، وبعد أن أنهت الأستاذة الموثقة تحرير وثيقة التوكيل التي بَذلتْ جهودا مضنية ومشكورة في تحريرها؛ وبالاستعانة (طبعا) بخبراتي المتواضعة في التحرير والتدقيق اللغوي..

بعد نهاية العملية "الشاقة" بتحرير هذا المستند العجيب (أبوح لكم بأنه يتعلق بسحب شهادات مدرسية لأطفال في الاعدادية والابتدائية وتوقيعه وتسليمه إلي) إذا بالأستاذة الموثقة تتناول وثيقة التوكيل لتكتب عليها (بالقلم) ملاحظة ملفتة وبخط جميل محتواها أن "الموكِّل يتكلم العربية"!!

تداعت إلى ذهني وأنا أقرأ ملاحظة الأستاذة الكريمة، وبعد تعاون "مثمر" بيني وبينها على تحرير المستند باللغة العربية.. تداعت إلى ذهني أسئلة عديدة وتساؤلات ممضَة؛ أين بعثاتنا الدبلوماسية المكلفة؟ وأين ملحقونا الثقافيون؟ أين ساستنا وقادتنا؟ أين وسائل إعلامنا المرئية والمسموعة؟ مادام مواطنو الدول العربية الشقيقة بل نخبها (نتحدث عن محامية وموثقة) تكتب ـ باستغراب ـ أن في موريتانيا من يتكلم العربية!!

أدرك أن سلف الموريتانيين من الشناقطة كانوا سفراء (فوق العادة) لبلدهم حيثما حلوا، وأدرك أنهم قد خلفوا ذكرا طيبا وسمعة مشرقة لبلادهم (ربما لو كانت حبيستي في الجوار تشير إلى أنني شنقيطي لما كتبت سيدتي الموثقة ملاحظتها الغريبة).. أدرك كل ذلك، لكنني أدرك كذلك أن وزارتنا للخارجية ببعثاتها الديبلوماسية ورسالتها الملقاة على عاتقها من التعريف بالبلد ثقافة وعلما وحضورا تطرح أكثر من تساؤل:

لا يمكنني أن أفسر تصرف الأستاذة الموثقة إلا بأحد تفسيرين؛ فإما أن حدسها القانوني وحسها الحقوقي أملَيَا عليها أن تنبه الجهات المعنية بالتوكيل أن "الموكِّل" قد يكون متقمصا لشخصية غير شخصيته؛ بقرينة حديثه بالعربية التي يفترض أن لا يتكلمها.

أما الاحتمال الثاني فهي أن تكون ترمي بملاحظتها أن تفصح للمعني باستلام التوكيل أن الموكِّل قد وقع على محتوى يفهم اللغة التي كتب بها، رغم أن الحكم البديهي (كما ترى الموثقة) يقضي بأن لا يتحدث اللغة العربية؛ ولذلك وجب التنبيه.

وفي كلا الاحتمالين فإن الأخت الموثقة تنطلق من مسلمة مقتضاها أن الموريتاني لا يتكلم العربية!

أعود لأقول إن ملاحظة الأخت الموثقة قد أثارت لدي امتعاضا واشمئزازا ممضّين..

غير أنه وبعودتي إلى البلاد التي كنت أتابع شأنها "عن بعد" والتي سمعنا عنها الكثير إصلاحا وتطويرا؛ فوجئت أن أول ملاحظة ابتدرتني وأنا ألج إلى البلد هي مغادرة معظم المسئولين والوجهاء ورجال الأعمال إضافة إلى رجال الصحافة والثقافة.. مغادرتهم في تشييع رئيس الدولة في زيارته لمدينة انواذيبو؛ بما في ذلك من تعطيل لمصالح الناس، وهدر لمقدرات الوطن؛ إيذانا بأنه لم يتغير في البلاد إلا أسماء بعض مسئوليها والقائمين على شئونها، وأننا لانزال في وضعية علينا أن لا نشمئز ـإزاءهاـ من استغراب بعض إخوتنا العرب من مجرد قدرتنا على الحديث بالعربية!



نقلا عن صحيفة "الأخبار إنفو"


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!