التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:15:44 غرينتش


تاريخ الإضافة : 15.07.2013 16:39:02

ما ذا خسر العلمانيون في مصر؟

د.محمدٌ ولد محمد غلام

د.محمدٌ ولد محمد غلام

يمكن أن نقول إن إسلاميي مصر قد خسروا - حتى الآن – رئاسة الجمهورية التي كان يشغلها الرئيس المنتخب محمد مرسي، الذي تم عزله على يد وزير دفاعه، وبمباركة – بل مشاركة - من أنصار الدولة المدنية وتعزيز الديموقراطية، من إخوتنا العلمانيين!

يمكن القول إنهم قد خسروا كذلك – حتى الآن – مجلس الشورى المنتخب، الذي قام بحله الرئيس المؤقت (وهو للمفارقة رئيس المحكمة الدستورية) الذي عينه وزير الدفاع المنقلِب على رئيسه المنتخب!

يمكن القول إنهم قد خسروا أيضا سبع قنوات فضائية وجريدة يومية في اللحظات الأولى لانقلاب وزير الدفاع على رئيسه المنتخب (أقسم أمامه قبل أقل من سنة على الالتزام بالدستور وعلى القيام بمهامه حسبما يمليه القانون!)

خسروا أكثر من ذلك عشرات الأرواح البريئة والوجوه المتوضئة التي أطلق الرصاص عليها بغية إرغامها على التنازل عن حقها في التظاهر والتمسك بالشرعية الدستورية ومخرجات صناديق الاقتراع! فضلا عن عشرات المقرات التي تم إحراقها وسرقة محتوياتها، قبل أن تقرر النيابة العامة وقضاء مصر "الشامخ" إغلاقها واستدعاء القائمين عليها للتحقيق!

لقد خسر الإسلاميون كل ذلك وأكثر، لكنّ خسارتهم لم ترق إلى تفريطهم – حتى الآن – في مبادئهم ولم تنل من مصداقيتهم في الشارع المصري والإسلامي بل والدولي. أما خسارة إخوتنا العلمانيين (أو خسارتنا فيهم) فقد كانت خسارة مدوية إن لم نقل فضيحة مجلجلة.


نعلم أن إخوتنا العلمانيين لم يدّعوا يوما السعي لإعادة الأمة إلى التمسك بدينها وحماية أخلاقها وأصالتها، كما يدعي الإسلاميون؛ فلا يمكن أن نحاسبهم على التفريط في مبدأ لم يدعوا رعايته.

لكن الإنصاف يقتضي منا أن نعترف بأنهم قد رفعوا في المقابل، شعارات "محترمة" وبشروا بمبادئ مهمة، أعتقد أن وسطيي الإسلاميين قد استفادوا منها في تطوير خطابهم وتجويد أدائهم السياسي والاجتماعي.

لقد كان إخوتنا العلمانيون من "المكثرين" من الدعوة إلى حرية التعبير واحترام حق الشعوب في التظاهر السلمي، كما كانوا من الداعمين لترسيخ قيم حرية الصحافة والإعلام، والداعين إلى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وإلى القبول بمخرجاتها وبروح رياضية، هذا فضلا عن مستلزمات هذه المبادئ من قبول الآخر وعدم الضيق بالمخالف أو اللجوء للعنف لفرض الرأي، أو الاستقواء بالأحذية الخشنة لتمرير الأجندات السياسية!

لقد جاء انقلاب العسكر في مصر على رئيسهم المنتخب، ليرزئنا – عربا ومسلمين – رزيئة مزدوجة؛ لقد كان جانب من رزيتنا يتمثل في خسارتنا لتجربة ديموقراطية جدية في مصر (أم الدنيا وقائدة العرب وأرض الكنانة) ولرئيس متوضئ الوجه طاهر اليد نقي القلب، رئيس وصل إلى الحكم (ولأول مرة في تاريخ مصر العريق) عن طريق انتخابات شهد المعادي قبل الموالي بنزاهتها وشفافيتها.

أما الجانب الآخر لرزيتنا، فهي الخسارة الأخلاقية والسياسية والحقوقية والنضالية والقانونية التي منيت بها "فرقة" أساسية وطائفة محترمة من أبناء الشعب المصري العريق، طالما شكلت مصدر إلهام حقوقي ونضالي و أسوة مثالية سياسية وأخلاقية لشرائح كبيرة في وطننا العربي؛ احتراما لحقوق الإنسان ودفاعا عن حرية الكلمة والرأي؛ إضافة إلى التبشير بالمثل الديموقراطية والالتزام بمقتضيات الشراكة الوطنية.

لقد توالت خطوات خسارة إخوتنا العلمانيين في مصر بمتتالية مذهلة وبسرعة فائقة حطمت جميع الحصون الأخلاقية وقضت على كل القلاع السياسية والحقوقية؛ بدءا بالاستقواء بالجيش لحسم الخلافات السياسية مع الفرقاء السياسيين، مرورا بمباركة الانقلاب على مخرجات صناديق الاقتراع، ثم التهليل لإغلاق القنوات الفضائية والصحف والمجلات، وليس انتهاء بالاستبسال في الدفاع عن قمع الحريات وإراقة دماء الإخوة في الوطن لمجرد الاختلاف معهم في الرأي!

لو أن الرئيس مرسي وأنصاره من التيار الإسلامي أقدموا على هذه الخطوات القمعية المتخلفة (قتل المتظاهرين وإغلاق وسائل الإعلام، ومصادرة الحريات، والتنكر لمخرجات صناديق الاقتراع) لصدقنا الاتهامات التي كانت تكيلها لهم هذه "القوى المدنية" أما وقد كنا شهودا على سنة من حكم الإسلاميين؛ مرت بردا وسلاما على الحريات العامة وعلى احترام المخالف (رغم فجوره في الخصومة) واحترام حرية التعبير والتظاهر وحرية الإعلام الذي مارس كافة أنواع الاستفزاز؛ سخرية وبهتانا وتحريضا، فإنه ليس أمامنا – للأسف إلا أن نعتبر اتهام الإسلاميين من طرف خصومهم بالضيق بالمخالف والتنكر لمبادئ الديموقراطية والكفر بحرية التعبير.. كانت إسقاطات ذهنية من قبيل "رمتني بدائها وانسلت".


نقلا عن صحيفة "الأخبار إنفو"


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!