التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:15:47 غرينتش


تاريخ الإضافة : 21.07.2013 15:34:37

إفطار الرئيس "الفاخر"..

أ.مولاي عبد الله بن مولاي عثمان

أ.مولاي عبد الله بن مولاي عثمان

كانت العرب تمدح ذوي الوجاهة والرياسة بأنهم لا يخصصون ولا ينتقون في دعوة الناس إلى مآدبهم وموائدهم، وكانوا يسمون هذه الدعوة المفتوحة "دعوة الجفلى"، ويسمون غيرها "دعوة النقرى" وتعني الدعوة الخاصة، ولقد كان "الانتقار" علامة شحٍ عند العرب إذا كان المنتقِر ذا مال وهيئة ومكانة.

عندنا اليوم لا يمضي رمضانٌ دون أن تستقبل مائدة رئيس الفقراء - الممولة من ضرائب الفقراء - حاشيةَ فخامته من ساسة وفقهاء وأتباع وحشم وخدم وغيرهم من المنتقَرين، وهي عادة "انتقار" لا يخلّ بها رئيس العمل الإسلامي كما يدعونه، وحامل لواء تطبيق الشريعة كما يدّعي.

في ثاني أيام رمضان أقام فخامته "إفطارا فاخرا" كان أظهر الغائبين هم الفقراء الذين تركوا مكدسين في أكواخ أحياء الصفيح بين "الكبّات" و"الكزرات". إنه رئيس الفقراء، لكنه ليس أكيلهم ولا شريبهم ولا جليسهم؛ فتلك صفات لا تلبس في غير أزمنة الحملات الانتخابية والدعايات التضخيمية، ولطالما ذكرتني رئاسة الجنرال للفقراء برئاسة أحد الوجهاء التقليديين لاتحاد الجمعيات النسوية في مقاطعته.

نظريا، الرئيس الموريتاني ومثله من "الأغنياء الجدد" يمكنهم أن يقيموا "إفطارا فاخرا" متى ما غفل رقيب الشح أو حضر رقيب المقاصد السياسية، ويمكنهم أن يجمعوا على موائدهم أصناف الناس من ذوي الهيئات وأرباب العثرات؛ فموائد الرؤساء مغرية.

وعمليا، يمكن الرئيس ومثله من "الأغنياء الجدد" أن يعيشوا رمضان بلا امتحان وأن يخرجوا منه بلا نتيجة، إنهم راسبون على كل حال بعدما تولوا أمر شعب ثم غفلوا عنه وانصرفوا إلى جمع المال وكنز الذهب والفضة وتدبير الشأن الخاص.


هل يعرف رئيس "الإفطار الفاخر" وأكلةُ مائدته كم أسرة في البلاد يغشاها أذان المغرب هذه الأيام وقُدورها منكفئة لم ترفع على نار وصحونها شاحبة لم تُجلَ وجوهها لاستقبال رمضان؟ هل يعرف الرئيس كم في موريتانيا من مواطن يظل صائما ثم لا يجد ما يستقبل به ليله إلا حسوات من الماء؟

هل يعرف كم أمّاً موريتانية تعلّل – وهي ساغبة - أبناءها هذه الأيام بـ"أنفاس من الشبم القراح" لا تملك قوت يوم؟ وهل أتاه نبأ أمهات لم يطعمن صغارهن مذ ولدوا بعد السادس من أغسطس إلا طعام القمامة.. لا يستطعن حيلة ولا يهتدين سبيلا ؟

هل يعرف الرئيس كم قولوناً في هذه البلاد لم يجد طعاما ليمتص بقاياه فبات صاحبه كمن لا قولون له؟ ماذا سيقول رئيس الفقراء يوم يسأله رب الفقراء والأغنياء عن فقير وليَ أمره فلم يعصمه من ذل السؤال وهوان الحاجة، وعن غني مالأه فزاده غنى على غنى؟ ماذا سيقول – وهو الحاكم منذ خمس سنوات – لفقراء آدوابه الصائمين، و للعائدين في "الكصور" البائسة؟


لقد كان الأسبوع الماضي أسبوع الامتحانات بامتياز في موريتانيا؛ ففيه امتُحنت الوحدة الوطنية في كيهيدي امتحانا عسيرا، وفيه طفحت شكوك في نزاهة نتائج امتحانات الثانوية العامة (الباكولوريا) وختم الدروس الإعدادية، وفيه امتحن الشعب الفقير بمصروفات رمضان التي تزيد عاما بعد عام مقابل دخل مالي يتناقص ورواتب يضعها أصحابها كل بداية شهر في طيّات دفتر الديون.


نقلا عن صحيفة "الأخبار إنفو"


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!