التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:13:27 غرينتش


تاريخ الإضافة : 26.07.2013 15:26:17

للإصلاح: كلمة تتعلق بالإنفاق

الأستاذ / محمدو ولد البار

الأستاذ / محمدو ولد البار

كلمة الإصلاح هذه المرة ستنطلق من وسط شهر رمضان المبارك لتنقل في هذا الظرف بالذات أبناء المسلمين في الدنيا الحاضرة اليوم إلى الآخرة القادمة غدا.

تنقلهم إلى مكان يبشرهم فيه ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم.

هذا المكان وهذا النعيم المقيم لا بد للمسلم أن يبحث عن الدلالات التي يطمئن إليها قلبه هو شخصيا من وجوده غدا في هذا النعيم المقيم ولا أظن أن أي إنسان مسلم عاقل آمن بأنه واصل لا محالة إلى تلك الدار الآخرة إلا وهو يعرف أن لا أحدا كائنا من كان يعلم مصير حياته في تلك الدار الآخرة إلا إذا قرأ عن فهم وتدبر ما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات التي تتلى على المسلمين آناء الليل وأطراف النهار ولا سيما في شهر رمضان.

ومن قرأ تلك الآيات وفهمها وتدبرها فسيخرج بنتيجة تقول له بصريح العبارة أن لا فكرة ولا عمل ولا تحرك أنجى وأحفظ وأكثر اطمئنانا للمسلم في حياة سعيدة في تلك الدار الآخرة من إعطاء شيء من ماله الحلال قل أو كثر لمن أمره الله بإعطائه له سخية نفسه بذلك العطاء محتسبا الأجر عند الله.

فمن تتبع ما جاء في تلك الآيات القرآنية من أنواع الحث على الإنفاق بجميع أنواعه واجبا أو تطوعا قليلا كان أو كثيرا وقرأ كذلك تفصيل أنواع ذلك العطاء.

وفي نفس الوقت ميز من يعطي لهم ذلك العطاء تمييزا لا لبس فيه ولا غموض لظن أن تلك الدار الآخرة لا يسعد فيها ولا يجد الجزاء الأوفى إلا من قام بنية واحتساب بتنفيذ كل ما جاء في ذلك الآيات البينات من الحث على الإنفاق في سبيل الله بجميع أشكاله وأوصافه وطبقا لتوجيهات المولى عز وجل للمسلم بكيفية هذا الإنفاق.

فالإنفاق في سبيل الله أورد فيه القرآن عبارات لم ترد في أي طاعة أخرى والآن سوف أستعرض بعض هذه العبارات التي لا يمكن حصرها.

أولا: فالقرآن جاء فيه أن هناك عقبات دون دخول الجنة وذكر أن لا بد من اقتحام تلك العقبات وتلك العقبات هي إطعام يتيم ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة وبعد ذكر هذا الاقتحام جاء ذكر الإيمان الذي لا بد منه في دخول الجنة.

ثانيا: ذكر القرآن كثيرا من التأنيب للإنسان يوم القيامة بمجرد أنه لم يحث على إطعام المساكين وعلى المسلمين أن ينتبهوا إلى ذلك فمن لم يحض على طعام المساكين فعليه أن يعد الجواب عند التقريع عليه ولا جواب هناك.

يقول تعالى: {كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين}.

ثالثا: معلوم أن الكفر والإشراك كافيان لإدخال صاحبهما في النار ولكن عدم الإنفاق هو الذنب الوحيد الذي يذكر معهما، يقول تعالى: {فويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم في الآخرة هم كافرون}.

رابعا: الطاعة الوحيدة التي تولى الله عدّ أجرها، واسمع ذلك لأهل الدنيا هي طاعة الإنفاق في سبيل الله.

يقول تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة...}.

هذا العدد يقع بصفة عامة تلقائية: أما بخصوص حسن النية من المنفق واحتياج وقرب المنفق عليه فإن الله هنا يضاعف لمن يشاء ولا مجال لعد الأجر إذن لأن أهل الدنيا لا يدركون ذلك.

ومن هنا أود من أي شخص متخصص في الرياضيات أن يأخذ قلمه ويستحضر ذهنه ليعمل حسابا مبنيا على ما جاء في أول الآية من تقريب عدد ذلك الأجر الذي أعده الله للمنفق.

فلنفرض أن الحبة تساوي مجرد أوقية وأن السنابل تغطي هكتارا واحدا فكم يحصل عليه المنفق من أوقية سيصله أجر إنفاقها حسب عدد ما جاء في الآية من حبات السنابل.

خامسا: ذكرت السنة في الصلاة عدد الفرق بين صلاة الجماعة والصلاة الفذ وحددته بسبع وعشرين درجة.

أما أنواع الصدقات فإن القرآن ذكر فيها عبارة من الترغيب تهز المشاعر ولا يمكنها أن تصدر إلا من لدن حكيم خبير.

يقول تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} ومعلوم أن نعم هي أمدح عبارة نطق بها العرب في لغتهم ولذا مدح الله بها عمل أنبيائه يقول تعالى: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب}.

وقمة المدح هذه وهي نعم قالها الله لمن أعطى صدقته للفقير علانية فلم تبقى عبارة يمكن قولها لمن يعطي صدقته سرا وخفية وهنا يقول الله أن من أعطى صدقته خفية فهو ممدوح عند الله بأكثر من المدح بنعم يقول تعالى: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} أي خير من الأجر الذي قيل فيه نعما هي.

وأنا هنا أتصور شيئا وهو أن يأخذ المسلم صدقة بحسب قدرته ويذهب بها في جوف الليل وأرجوا أن يكون في رمضان ولا سيما الليالي الأخيرة منه ويعطيها للفقير بدون أن يشعر به وأحسن في هذه الحالة أن يكون الفقير قريبا للمتصدق - فأنا أتصور أن ساعة هذا المتصدق وهو يمشي ذاهبا لإعطاء الصدقة أنه يمشي في الحين في عرصات الآخرة بين رياض الجنة فلينوي ما شاء عندئذ وليطلب ما شاء من غير إثم ولا قطع رحم وليحتسب والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

والآن أصل إلى خصائص تختص بها طاعة الإنفاق عن غيرها من الطاعات.

من هذه الخصائص أن الصدقة لا حد لأقلها كما قال صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة، وفيها أن أجرها يتضاعف كل ما كان المتصدق في أشد الاحتياج لها وأكثر لها محبة يقول تعالى مادحاً لفعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.

ويقول تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم}.

وعلينا أن نستمع هنا لجرس تتابع هذه الأفعال وما يتخللها من معان لا يفسرها إلا سماعها مباشرة يقول تعالى: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}.

وأنا هنا أنبه على قضية في المال قل من يتنبه لها إلا بعد الموت وهي أن الله لا يعطي المال لأي شخص عطاء بتا؛ بمعنى أنه لا يمكله له تمليكا تاما ولذا يقول لأهل الأموال {وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} {وآتي ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل}.

وحتى الزراعة التي لا بد لها من جهد جهيد للحصول على ثمرتها فالله يقول فيها {وآتوا حقه يوم حصاده} فملك الأموال ليس بمكل تام ولذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو تصدقت فأبقيت... إلخ.

وهناك آية تفجر أكباد أهل الأموال عندما يقرؤونها غير مؤدين لمضمونها.

يقول تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسهم فذوقوا ما كنتم تكنزون}.

ومن المعلوم أن الذهب والفضة في الآية يساويان الآن ملك مئات الملايين والملايير من الأوقية فمن لم ينفقها في سبيل الله فستحول إلى حجارة ويفعل بها ما يفعل بالذهب والفضة.

ومن خصائص النفقة أن ربا أجرها محمود.

فمن المعلوم أن الربا المحرم هو أن تدفع شيئا تريد أن تنال به أكثر منه وهذا حرام في غير الصدقة.

يقول تعالى: {وما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}. أي يضاعف له الأجر.

هذه نبذة عن فضل الإنفاق في سبيل الله أكثرها ورد في القرآن وعندما تضاف إليه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وترغيبه في الصدقات فسيكون ذلك كتابا ضخما يصعب الإطلاع عليه بسرعة، ولكن على المسلم أن يراجع ما جاء في الأحاديث الصحيحة من الترغيب في الإنفاق، وكذلك فعلى المسلم أن يراجع مضاعفة الإنفاق في شهر رمضان كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم من مضاعفة الإنفاق في رمضان عندما يراجعه جبريل القرآن وكان يراجعه في كل ليلة من رمضان عندئذ فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة. كما جاء في الحديث.

ومن هنا أصل إلى تنبيه المسلم على نواقض هذا الإنفاق التي تجعله حسرة على صاحبه يوم القيامة.

فمن المعلوم أن الله أذن للشيطان أن يعمل ما في وسعه لإبطال كل عمل خير يراد به وجه الله وهذا الإذن داخل في قوله تعالى مخاطبا للشيطان: {اجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد...} الآية.

فهناك شيطان خاص بإفساد الصلاة، والصوم، وصلة الرحم، والزكاة. فلكل طاعة شيطان يفسدها ولذا قال تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} والفحشاء هنا في هذه الآية هو عدم إعطاء الزكاة ويدخل في ذلك إعطاء المال لمن لا يستحقه يعني إعطاؤه لمن لم يبين له في القرآن إعطاءه له.

فالله قد حصر بلفظ إنما التي هي للحصر في اللغة العربية الأصناف التي تعطى لها الزكاة يقول تعالى: {إنما الصدقات للقراء والمساكين... إلخ} الآية والأصناف التي تعطي لها الزكاة بعضها أصبح غير موجود أمام المنفق.

ومن المعلوم عندنا نحن الموريتانيون أن بعضنا يقوم بكثير من الإنفاق وبأموال طائلة ويعطيها لمن لا يأمره الله بالإعطاء له وهو في هذه الحالة يحسب أنه يحسن صنعا.

فالله تبارك وتعالى يقول في شأن الإنفاق {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} فالمسلم يعرف كلمة الفقير ماذا تعني.

ومن الغريب عند المسلم أن صاحب هذا الإنفاق يعطي هذه العطايا عند التي يسميها تارة بالهدايا ويعطيها لمن لم يأمره الله بإعطائها له ومع ذلك يريد أجرها عند الله.

إن الأموال التي تعطى من أجل الدين، فقد سماها الله سحتا يقول تعالى: {سمّاعون للكذب أكالون للسحت} يعني أحبار اليهود والنصارى {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم.. إلخ} الآية، والشيخ الأخضري عد من المحرمات الأكل بالشفاعة أو بالدين.

فجميع دعوات الأنبياء متفقة على عدم أخذ الأجر على هذه الدعوة فنوح يقول {لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله}، وهود يقول {لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني} والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}، والمودة هنا هي ما يكون عادة بين القرباء من التعاطف والتراحم والمعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا ما يكون بيني وبينكم من مودة القرابة فتتركوني أبلغ رسالة ربي، ومن مظاهر هذا الإعطاء المبني على الدين الذي لم يأذن به الله إلا إذا كان صاحبه مؤلف القلب.

فهذا العطاء يكون دائما بالأموال الطائلة من المئات والملايين أو السيارات الفاخرة أو قطع الأرض الغالية بحيث لو قسم هذا العطاء على فقراء جيران المعطى وفيهم كثير من الأكباد الجائعة لوسعت كثيرا ممن أمره الله بالعطاء له ووعد عليه خيرا كثيرا يقول تعالى: {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم}.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!