التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:13:30 غرينتش


تاريخ الإضافة : 27.07.2013 14:07:09

ذروني أقتل "مرسي"

د. عبد الله محمد عبد المالك  - أستاذ اللغويات في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية - نواكشوط - Abdelmaleck1@gmail.com

د. عبد الله محمد عبد المالك - أستاذ اللغويات في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية - نواكشوط - [email protected]

قد يكون من غير اللافت للانتباه استدعاء قصة موسى عليه السلام وفرعون عند الحديث عن أية مواجهة بين الدعوة والإصلاح من جهة وبين الطغيان و الاستكبار من جهة أخرى، إلا أن ما يجري في مصر الآن بين "السيسي" وجنوده وبين الرئيس محمد مرسي وأنصاره يدعو إلى الربط بين القصتين من جوانب عدة اكتفي منها بما يلي:

ــــــ من التقنيات التي يتكأ عليها في الربط بين قصتين أو روايتين، تشابه أسماء شخوص العملين أو تقاربها بحيث يسهل على القارئ استحضار الشخصيات الأصلية، مما يحقق قدرا من الترابط والاندماج بين النصين، وتدخل هذه التقنية في ظاهرة أكبر تدعى في الدرس الأدبي والنقدي "التناص"، ولا يخفى هنا ما بين "موسى" و"مرسي" وبين "منفتاح بن رمسيس الثاني"ـ وهو كما ذكر الدكتور سيد طنطاوي في ستة مواضع من تفسيره "التفسير الوسيط"، اسم فرعون موسى ـ وبين "عبد الفتاح السيسي" من تناغم وتصاقب لا شك أنه ليس من صنع كاتب ولا من وحي خيال.

ــــــ المتأمل في خطاب السيسي يجد من الواضح فيه حرصه على الوطن والدين والاستقرار والسلم الاجتماعي، فإزاحته للرئيس المنتخب كانت ضرورة لتحقيق ذلك كله، وهذا نفسه ما سعى إليه فرعون (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد).

ـــــــ كانت دعوة موسى عليه السلام دعوة سلمية، لا يريد أهلها أكثر من السماح للناس باتباع ما رأوه حقا وعدم مصادرة آرائهم أو تعذيبهم (أن أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى) وكان منطق فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سواء السبيل) (ما علمت لكم من إله غيري). ومن جانب الرئيس مرسي وأنصاره فإن غاية مطالبهم أن تحترم إرادة المصريين ويتاح لمن ولوه أمرهم في انتخابات حرة ونزيهة أن يكمل مأموريته، ويمنح الشعب بعد ذلك ثقته لمن شاء، وهذا من وجهة نظر السيسي عبث لا طائل من ورائه، فهو من يعزل ويولّي وشعوره بالمسؤولية وحرصه على الأمة جعله يضع لهم خارطة طريق لا محيد لهم عنها ولا يرى لهم غيرها "ومن سولت له نفسه إمكان الرجوع عنها فهو واهم".

ــــــ دعا فرعون إلى حشد الناس وجمعهم ليروا لمن تكون الغلبة (وقيل للناس هل أنتم مجتمعون) فهذا كما يقول الطاهر بن عاشور "استحثاث للناس على الاجتماع، فالاستفهام مستعمل في طلب الإسراع بالاجتماع" وفي الآية الأخرى (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) (وابعث في المدائن حاشرين)، ولا يخفى اعتماد السيسي من أول أمره على حشد الحشود متعهدا أن يوفر لها الأمن والغذاء، وهو قبل ذلك يثني عليها أجمل الثناء، فهم المواطنون الشرفاء...، أما من سواهم فهم (شرذمة قليلون)، ولن نقابلهم إلا بالرصاص حتى ولو كانوا سجدا، أو صبية ونساء عزلا.

ـــ طلب فرعون تفويضه ليقتل موسى والذين آمنوا معه (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) ومتى كان يطلب فرعون تفويضا أو يستمع إلى أحد، وحسب رأي الشهيد سيد قطب "يبدو من قوله: {ذروني أقتل موسى} ...أن رأيه هذا كان يجد ممانعة ومعارضة من ناحية الرأي كأن يقال مثلاً: إن قتل موسى لا ينهي الإشكال. فقد يوحي هذا للجماهير بتقديسه واعتباره شهيداً، والحماسة الشعورية له وللدين الذي جاء به، وبخاصة بعد إيمان السحرة في مشهد شعبي جامع، وإعلانهم سبب إيمانهم، وهم الذين جيء بهم ليبطلوا عمله ويناوئوه".، كذلك طلب السيسي من الجماهير تفويضه لمحاربة ما أسماه العنف والإرهاب، ولا يخفى على أحد من يريد وما يريد، لكن متى كان السيسي يطلب تفويضا؟ وهل طلب تفويضا عندما عزل رئيسا منتخبا وعطّل العمل بالدستور و... و...؟ وهل تحتاج محاربة العنف والإرهاب إلى تفويض بعدما أجمع العالم كله على محاربته، ووضعت القوانين الكفيلة بذلك، إن السيسي كما يقول أحد المحللين يكون خائنا ومقصّرا إذا لم يحارب العنف والإرهاب، لكن أي عنف, أي إرهاب؟ لا شك أن السيسي وجنوده ومرتزقته هم اليوم في مصر مصدر العنف والإرهاب، فليكف عن الناس شره وليبدأ بنفسه.

إن شعور السيسي بضغط الشارع المتواصل الذي لا تزيده الأيام إلا اشتدادا، ولا العنف والإرهاب إلا صمودا وإصرارا، هو ما جعله يستنجد بملئه ويستغيث بغوغائه، وكأن لسان حاله يقول "ذروني أقتل مرسي" .


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!