التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:03:56 غرينتش


تاريخ الإضافة : 27.07.2013 16:09:38

الفقهاء والثورة.. تاريخ العلاقة!

أ.محمد محمود بن الجودة

أ.محمد محمود بن الجودة

فالعلاقة بين السلطة الدينية والسلطة السياسية علاقة قديمة قدم الإنسان إلا أنها تارة تكون علاقة تصادمية ومرة تكون ودية أو تبريرية؛ لأن كلا من السلطتين لا غنى لها عن الأخرى. ومن النادر أن تجتمعا تحت يد واحدة وإن كان عرف تاريخيا الحاكم الرسول والملك الإله. ومع التباعد الواقع بين الإيديولوجيتين فقد تمثل في كل واحدة منهما وجود السلطتين، ولأن لكل واحدة منهما أهدافها الخاصة بها فغالبا ما يتصادمان. وقد اختلفت أساليب الملك الإله في التعامل مع الأنبياء ما بين القتل والتشريد والاضطهاد، بينما تُبنى طرق الأنبياء علي العدل والمساواة .


ـ الفقهاء والسلطة:

منذ الأيام الأولى بعد رسول لله صلي لله عليه وسلم تميز المجتمع المدني الراشدي وتبين أنه يقوم علي ركيزتين أساسيتين؛ كل منهما تحتاج إلي الأخرى ولا تستغني عنها ـ العلماء والسلطان. (…إن مجتمع الدعوة المحمدية زمن الخلفاء الراشدين كان يتألف من منزلتين فقط؛ كان الأمراء والعلماء فريقا والجند والرعية فريقا آخر، ولا شيء غير هذين الفريقين يستحق أن يوضع في منزلة خاصة ) (الجابري: العقل السياسي العربي 330/331).

وهذا هو سبب صلاح ذلك المجتمع وبعده عن الاستبداد السياسي والفساد المالي؛ إلا ان تلك المرحلة لم تطل حتى صار الأمراء فريقا والعلماء فريقا آخر (…وعندما قامت دولة السياسة مع معاوية أصبح الأمراء فريقا والعلماء فريقا آخر في القمة وأصبح الجند فريقا والرعية فريقا آخر في القاعدة ) ـ المرجع السابق ـ
ولم تطل هذه المدة بعد معاوية حتى تغير هرم المجتمع وأصبح الأمراء والجند أي ـ الدولة ـ فريقا والعلماء والرعية فريقا آخر معارضا، ومن هنا يتبين لنا متى بدأ العلماء يخرجون أو يخرجون عن دفة الحكم وأماكن التأثير.

ـ من علامة صلاح الحاكم مشاورة العلماء

أبعد العلماء عن الحكم والمشاركة فيه من بداية الدولة الأموية ووقع الحكام الأمويون في كثير من الأخطاء بسبب إبعادهم للعلماء، فلما جاء الخليفة الخامس الراشد عمر بن عبد العزيز رد لأهل العلم قيمتهم واتخذ من العلماء مجلسا برلمانيا لا يقطع أمرا دونه؛ وهم : عروة بن الزبير وعبيد لله بن عبد لله بن عتبة وأبوبكر بن عبد الرحمن وأبوبكر بن سليمان بن خيثمة وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد لله بن عمر بن الخطاب وعبدلله بن عمرو بن العاص وعبد لله بن عامر بن ربيعة وخارجة بن زيد بن ثابت، فقال لهم بعد أن جمعهم: "ما أريد أن اقطع أمرا إلا برأيكم، فإن رأيتم أحدا يتعدي أو يظلم فأبلغوني". (الطبري 2/ 672 )

ويكفي لمعرفة ذلك أن تطالع ابن كثير أو ابن جرير؛ فلم يوصف حاكم عبر التاريخ بالعدل إلا ووصف بأنه محب للعلماء.

ـ الفقهاء والمعارضة:

دخل الفقهاء في صفوف المعارضة في اللحظات الأولى من انحراف الأمة عن المنهج الصحيح في الحياة السياسية، وكان بداية ذلك حين رأى معاوية رضي لله عنه وأرضاه أن يورث الخلافة لابنه يزيد فوقف في وجه ذلك فقهاء الصحابة رضي لله عنهم: عبد لله بن عمر وحبر الأمة عبد لله بن عباس وعبد لله بن الزبير والحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر. (بن كثير 8/153)

وقد حاول معاوية رضي لله عنه بكل الوسائل مع ابن عمر ليقبل بالأمر، لكنه امتنع وعد القبول خيانة ساسية للأمة ونقصا في الدين؛ فقد أرسل له معاوية مائة ألف دينار ليقبل ببيعة يزيد فقال: هذا أراد، إن ديني عندي إذًا لرخيص، وامتنع أن يأخذها. (بن الأثير 3/250)

وقد أقر الكل اعتراض عبد الرحمن بن أبي بكر على مروان بن الحكم في بيعة يزيد لما قال: سنة أبي بكر وعمر الراشدة المهدية، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر: ليست بسنة أبي بكر، فقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة وعدل إلى رجل من بني عدي أن رأى أنه لذلك أهل ولكنها هرقلية. (الذهبي 148)، حتى عُد هذا الإقرار إجماعا كما ذكر ذلك بن رجب في فتح الباري (5/279).


وقد ورث فقهاء التابعين هذه الأخلاق في معارضة الحكام ومحاربة السنن الكسروية والهرقلية؛ فهاهو فقيه التابعين وسيدهم سعيد بن المسيب يعتبر الخيانة السياسية تلاعبا بالدين وذلك حينما عرض عليه عبد الملك أن يبايع لولديه فقال: لا أبايع لاثنين ما تعاقب الليل والنهار، فعرض عليه أن يخرج من المدينة إلى العمرة حتي يبايع الناس فقال لا أجهد بدني وأنفق مالي في شيء ليس لي فيه نية، فقالوا الزم دارك حتى ينقضي الأمر قال وأنا أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح، فقال: ما أنا بفاعل، قالوا: فإذا قرء الوالي عليك الكتاب فلا تقل لا ولا نعم، قال: فيقول الناس بايع سعيد ما أنا بفاعل، فقيل له ادخل من الباب واخرج من الباب الآخر فقال والله لا يقتدي بي أحد من الناس فأمر بضربه والطواف به وسجنه وعرضه على السيف، فلم يرجع عن رأيه (تاريخ خليفة 289بن كثير 9/64)، وقد دخل عليه جماعة وهو في السجن فقالوا: اتق لله فإنا نخاف على دمك، فقال لهم: ارجعوا عني أترونني ألعب بديني كما لعبتم بدينكم.

وأثر هذا الموقف كثيرا في عمر بن عبد العزيز بعد ذلك فصار يقول ما أغبط رجلا لم يصبه في هذا الأمر أذى (المعرفة والتاريخ 1/ 474).
وقد تأثر تابعو التابعين بهذا الأمر وكان دافعا لهم في معارضة الأمراء ومواجهتم؛ فهاهو مالك رحمه لله تعالى يضرب ويسجن ويطاف به بسبب فتواه، ومع ذلك يسلي نفسه و يقول: ضربت فيما ضرب فيه سعيد بن المسيب ومحمد بن المنكدر وربيعة ولا خير فيمن لم يؤذَ في هذا الأمر (السير 9/331)

وممن سار على هذا الطريق وأوذي وكان من الفقهاء المعارضين للأمراء في تلك الفترة محمد بن أبي ذئب القرشي المدني، فقد عرف بقول الحق والصدع به أمام الطغاة؛ ولهذا السبب فضله الإمام أحمد على مالك لشجاعته وأمره بالمعروف وكونه لا تاخذه في لله لومة لائم (تاريخ بغداد 13/328) وكان رحمه لله تخافه الأمراء وتخشاه، ومما يثبت ذلك قصته مع المهدي؛ فقد حج المهدي بن المنصور ودخل المسجد النبوي فقام له الناس ولم يقم بن أبي ذئب، فقيل له: قم هذا أمير المؤمنين. فردعليهم إنما يقوم الناس لرب العالمين. فقال المهدي دعوه فلقد قامت كل شعرة في رأسي (تاريخ بغداد 2/298 )

ـ الفقهاء والثورة:

في النصف الثاني من القرن الأول وفي المرحلة الثانية من تاريخ هذه الأمة علي تعبير مالك بن نبي وفي الوقت الذي بدأت الأمة تحكم فيه بالخطاب السياسي المؤول بدل المنزل على تعبير المطيري وقعت ثورات متعددة في أطراف الدولة الإسلامية وكان الفقهاء هم قادة هذه الثورات وهم وقودها؛ وكانت أول هذه الثورات ثورة عبد اهلم بن حنظلة الغسيل وكان شريفا فاضلا سيدا عابدا فلما قدم على يزيد ورأى حاله رجع إلى المدينة وخلعه وبايعه أهل المدينة (الذهبي 24)
وكان عبد لله من صغار الصحابة وقتل يوم الحرة وقتل معه من الصحابة عبد لله بن زيد بن عاصم الأنصاري وعبد لله بن السائب المكي القارئ ومعقل بن سنان الأشجعي (الذهبي 144ـ 145)

ويدل على وجود العلماء والفقهاء في شهداء الحرة ما قاله مالك رحمه لله تعالى: قتل يوم الحرة من حملة القرآن سبع مائة (بن كثير 8/ 228).

ثم تمضي بعد ذلك سنوات قليلة ليفتح التاريخ صفحة جديدة من تاريخ الفقهاء ستكون حجة على من يأتي بعدهم ممن حمل اسمهم واتصف بصفتهم وذلك في سنة: 81هـ حين خرج الفقهاء والقراء مع بن الأشعث وبايعوه على الكتاب والسنة وخلع أئمة الصلال (بن جرير 3/ 622)

وقد كان من أصحاب هذه الثورة:أنس بن مالك وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وأبو إسحاق السبيعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو البختري الطائي وعبد لله بن شداد بن الهادي والحسن البصري ومسلم بن يسار والنضر بن أنس بن مالك وأبو عبيدة بن عبد لله بن مسعود وطلحة بن مصر اليمامي وزيد بن الحارث اليمامي ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وغيرهم من علماء المصرين (خليفة : 286 /287 ). وخطب هؤلاء الفقهاء في الناس وحرضوهم علي محاربة الظالم والخروج عليه. (تقرؤ خطبهم في تاريخ خليفة 286/287).

وكان من الفقهاء الذين يلعنون الظالم ولا يحبونه إبراهيم النخعي فقيه التابعين وكان يقول كفى عمى أن يعمى الرجل عن أمر الحجاج وكان يرى لعن الحجاج وسبه وقد عاش كثيرا من الزمن وهو مطارد من قبل الحجاج (بن كثير 9/207 ).
ويستمر الفقهاء في تنوير الشعوب وردهم إلى الصواب كلما ظهر بطل أو قائد فهم الفقهاء منه القدرة على الصلاح والإصلاح.

وقد تمثل ذلك حينما ظهر محمد ذو النفس الزكية في ثورته ضد العباسيين فأفتى الفقهاء وعلى رأسهم مالك بجواز الخروج معه، وقد ضرب مالك في ذلك وأوذي ليعلن مالك قناعته ويرسل رسالة إلى اتباعه من بعده ـ ينبغي أن يفهموها ـ لا خير فيمن لا يؤذى في هذا الأمر (السير 9 /393).

ويخرج إبراهيم أخو ذي النفس الزكية في الكوفة فما كان من فقهاء الكوفة أبوحنيفة وسفيان الثوري إلا ان أفتو بجواز الخروج مع إبراهيم فسارع أهل الكوفة فيها (تاريخ بغداد 13/397 )
وقد خرج مع ذي النفس الزكية في ثورته ركب من فقهاء المدينة وهم: عبد العزيز الداوردي وأبوبكر بن أبي سبرة وعبد الحميد بن جعفر وعبد لله بن هرمز ومحمد بن عجلان (بن جرير 4/448)
كما خرج مع إبراهيم من فقهاء العراق: عيسي بن يونس ومعاذ بن معاذ وإ سحاق بن الأزرق ومعاذ بن هشام وغيرهم (بن كثير 10 /98)؛ ليبقي هؤلاء الفقهاء شامة في جبين التاريخ وحجة علي غيرهم ممن أحب البلاط وقربه والسلطان وحبه .

ـ الفقهاء والربيع العربي:

في التاريخ الإسلامي جثى الاستبداد السياسي وانتشر الفساد المالي والإداري في المشرق كثيرا من الزمن بينما المغرب العربي قامت فيه دول لم تتأثر بالفقه السياسي الذي انتشر في المشرق منذ ظهور كتاب الأحكام السلطانية للماوردي
وهذا يتضح في كلام كثير من فقهاء المالكية في الشورى؛ فنري ابن عطية الأندلسي المفسر يقول: الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب (القرطبي 4/143).

وهذا الكلام قيل في زمن فقهاء المشرق فيه شغلهم الشاغل هل الشورى واجبة أم لا؟ وهل هي ملزمة أم معلمة؟
ولعل أن يكون هذا هو السر الذي جعل التغيير الجديد تكون بدايته من المغرب لا من المشرق .

فمنذ بداية الربيع العربي المبارك وفقهاء الأمة الإسلامية الذين عاشوا لهذا الدين وأوذوا في سبيله هم قادته وهم موجهوه وعلى رأسهم الشيخ العلامة أبو الصحوة الإسلامية الد كتور يوسف القرضاوي الذي يستحق أن يقال فيه: رجل كأن الملائكة أدبته وكأن الأنبياء ربته؛ إن أمر بشيء كان ألزم الناس له، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له. ما رأيت ظاهراأشبه بباطن منه ولا باطنا أشبه بظاهر منه (الحسن البصري في وصف عمرو بن عبيد ).

وشيخنا العلامة الدكتور نابغة المغرب الأقصي محمد الحسن الددو الذي يصدق فيه أنه ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه أوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إثراء ولا يستمليه إغراء، وأو لئك قليل (كلام لعلي : بتصرف ).

والعلامة الدكتور احمد الريسوني والمفكر الدكتور محمد محمد المختار الشنقيطي.

فقد سجل تاريخ الربيع العربي وتحول الشعوب من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الحرية لهؤلاء الفقهاء مواقف ستذكرها الأجيال فيما بعد كما نذكر الآن مواقف السلف في مواجهة الطغيان، وللأسف الشديد فقد امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالرد على هؤلاء العلماء تارة وبذمهم تارة أخرى ووصفهم بدعاة الفتنة وكل ذلك سببه الجهل بتاريخ الفقهاء والعلماء مع الطغاة أو بسبب الطمع نسأل لله السلامة والعافية.

فلقد وقف هؤلاء الفقهاء موقفا مع الشعوب المظلومة لو كان مالك حيا لوقفه لأنه أوذي في هذا الطريق وقال: (لا خير فيمن لا يؤذي في هذا الأمر)، ولو كان سيد التابعين سعيد بن المسيب حيا لوقفه لأنه قال لمن دعاه أن يكون في جنب السلطان وأن يطيعه فيما يريد لأنه يخشى عليه منه: (اخرج عني: أترونني ألعب بديني كما تلعبون بدينكم).

ولو كان فقيه التابعين إبراهيم النخعي حيا لوقفه لأنه قال: (كفى بالرجل عمى أن يعمى عن أمر الحجاج). وعاش وهو مطارد.

فالذي يمكن أن يقال إن هؤلاء العلماء الذين ساروا مع الشعوب المظلومة وابتعدوا عن السلطان وحاشيته ولم يقبلوا الجلوس معه على بلاطه أنهم ليسوا من علماء السوء الذين يزينون للسلاطين ما يريدون والذين وصفهم الكواكبي بقوله: ومن أخطر دسائس المتعممين أنهم ينفثون في صدور الأمراء لزوم الاستمرار على الاستقلال بالرأي وإن كان مضرا ومعاداة الشورى وإن كانت سنة والمحافظة على الحالة الجارية وإن كانت سيئة ضل المتعممون وصاروا أضر على الدين من الشياطين (أم القري 46)

والذين دعا عليهم الذهبي عندما علق على موقف للأوزاعي مع احد طغاة الأمة فقال: كان عبد لله بن علي ملكا جبارا سفاكا للدماء صعب المراس ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق كما ترى لا كخلق من علماء السوء الذين يحسنون للأمراء ما يقومون به من الظلم والعسف ويقلبون لهم الباطل حقا ـ قاتلهم لله ـ أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق (السير 7/125).

وتأمل كلمته قاتلهم الله ولو كان الإمام أحمد حيا وسئل عن هؤلاء العلماء الذين دعموالثورات ووقفوا مع أهلها وقالوا كلمة الحق لفضلهم على أهل عصرهم لأنه رحمه لله تعالى فضل بن أبي ذئب على مالك بهذا السبب فقد سئل عن مالك وابن ابي ذئب فقال: ابن أبي ذئب أصلح في دينه وأورع ورعا وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين وقد دخل بن أبي ذئب على جعفر فلم يهب أن قال له الحق قال: الظلم فاش ببابك وأبو جعفر أبو جعفر (تاريخ بغداد 2/ 302 )

ـ الأزهر والثورة

في الأشهر الأولى من الثورات التي عاشها المسلمون في البلدان العربية كان أصحابها يترقبون الدعم الشرعي لها وخصوصا من المؤسسات الدينية المعروفة؛ فأصدر الأزهر وثيقة حول الأحداث الجارية آنذاك وكانت داعمة لتلك الثورات ومؤصلة لها حتى قال الريسوني في حقها أنها ينبغي أن تسمى فتوى العصر (فقه الثورة : برنامج الشريعة والحياة ).

وفي لحظة من لحظات الضعف الإنساني والتخطيط الصهيوني يلقي أحمد الطيب ـ لا طيبه لله ـ بثقله على اختيار ملايين من المسلمين ويشارك باسمه رئيسا للأزهر في انقلاب على شرعية شهد الجميع بنزاهتها ليثبت بذلك قولة الريسوني: العلم لا يكون رسميا ولا خير في العالم إذا كان رسميا (فقه الثورة : برنامج الشريعة والحياة ) .

فما فعله الطيب يعد نشازا على الأزهر ومشيخته وتاريخه وهو ما ثبت بعد ذلك بأيام حين خرج علماء الأزهر واصدروا بيانهم دعما للحق ووقوفا مع المظلوم ضد الظالم، لكن هذا وحده لا يكفي. فالذي تنتظره الأمة من مشيخة الأزهر هو أن تكون هذه المشيخة خير خلف لخير سلف وتفعل ما فعله علماء الأزهر سنة 1209 هـ 1794م حين قادوا ثورة جماهيرية ضد المماليك اشترك فيها العامة الذين توافدوا من أطراف القاهرة بعد ان أغلقوا الأزهر وأمروا العامة بإغلاق أسواقهم ومحلاتهم؛ وذلك بسبب ظلم المماليك وعسفهم بالرعية. فلم يجد المماليك بدا من النزول على رغبة الجماهير؛ فاشترط عليهم العلماء شروطا كتبوها ووقع عليها الممالك وهي وثيقة تقر إقامة العدل ورفع الظلم والضرائب عن جميع الناس في مصر وكان من قادة هذه الثورة :

ـ شيخ الأزهر الشقراوي
ـ مفتي الحنفية العرايشي
ـ الشيخ البكري، وغيرهم (تاريخ الجبرتي 2/ 258)

فهذا العصيان المدني الذي سيدعو له علماء الأزهر هو الذي سيحل المشكلة كما حلها من قبل، وهو أضعف الإيمان بالنسبة للمشيخة.

ـ رسالة إلى الفقهاء:

على فقهائنا أن يعلموا أنه على مر التاريخ ما ظلم ظالم ولا استبد مستبد إلا وكان علي بلاطه من الفقهاء من يزين له أعماله أو يشاركه في الإثم بالسكوت عنه وكل ذلك بسبب الطمع .

(... فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين لأنهم اتكلوا على الله تعالى أن يحرسهم ورضوا بحكم لله تعالى أن يرزقهم الشهادة، وهم يعلمون أن فساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأرذال فكيف على الملوك والأكابر. (الإحياء 2 / 357 )

فالحذر الحذر


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!