التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:14:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 05.08.2013 01:40:07

الحزب "الحاكم" وعقدة التعاطي مع الانقلابات العسكرية!

د.محمدٌ ولد محمد غلام

د.محمدٌ ولد محمد غلام

أُكبِر في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية – من بين ما أكبر – ما يبدو أنه إحساس بالمسؤولية الأخلاقية (بل والقانونية والشرعية ربما) عن وأد التجربة الديموقراطية في موريتانيا، والعودة بها من مصافّ الدول السائرة على طريق التمدّن والتحضر، إلى مستنقع الأحكام العسكرية الأحادية، يوم قررت مجموعة النواب التي اصطلح الإعلام الموريتاني على تسميتها "كتيبة النواب" أو قُرر لها، أن تكون أداة طيعة للإجهاز على التجربة الموريتانية الواعدة حينها، وذلك بدعم الانقلاب العسكري الذي استهدف الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، غداة يوم غادر، والتي كانت النواة الصلبة للدفاع المستميت و"المحرج" عن ذلك الانقلاب الأهوج، بقلب الحقائق ولي أعناق النصوص القانونية والدستورية والحقائق والمصطلحات المتعارف عليها في العلوم السياسية؛ مثل تسمية الانقلاب "تصحيحا" وتسمية العساكر الناكثين بعهودهم الشرعية والحانثين بأيمانهم الدستورية، منقذين مصلحين!

تبادرت إلى ذهني فكرة إحساس الحزب "الحاكم" بهذه المسؤولية وعقدته من الحديث عن أي شأن يتعلق بالحركات "التصحيحية" (الانقلابات العسكرية) التي أصبحت تشكل مركب نقص بالنسبة لقادته ومنظّريه... تبادرت إلى ذهني، وأنا أتابع ذلك الانزواء في الزوايا المعتمة واللوذ بالصمت الخجِل، إزاء الأحداث الجارية في الشقيقة الكبرى جمهورية مصر العربية!

لا يمكن أن أفهم الصمت المطبق الذي تمترس حوله الحزب ودسّ الرأس في الرمل الذي لجأ إليه حيال الوضع في مصر (وهو الذي عرف بكثرة التصريحات الإعلامية ووفرة التعليقات الصحفية والسياسية على الشؤون المحلية والإقليمية والدولية، بألسنته الذربة وأقلامه الجارحة أحيانا) لا يمكن أن أفهم ذلك إلا من خلال استصحاب عقدة الحديث عن الانقلابات العسكرية والإحساس بمركب النقص من تلك الخطيئة السياسية والمنكر الحضاري الذي سبق أن تلطخت به النواة الصلبة للحزب، واستصحاب الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية، من طرف فريق في قيادة الحزب لا يزال يقتني من الحياء ويستبقي من الخلاق ما يسمح له بوخز الضمير الممض، وهو يرى غبّ دعم الانقلاب العسكري وشؤم التنكّر للحياة المدنية السياسية على مكانة وطنه وأوضاع مواطنيه.

أجل! لقد وجد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية "الحاكم" نفسه في وضع لا يحسد عليه وهو يتابع سيل البيانات والمواقف السياسية الصادرة من الأحزاب الموريتانية – موالاة ومعارضة - المنددة في معظمها (هنالك أحزاب داعمة للانقلاب المصري عبرت عن ذاتها، مقدّرة على ذلك) والمعبّرة عن حضور هذه الأحزاب على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية، خاصة أن الشأن المصري لم يعد شأنا مصريا فحسب، بل هو شأن إسلامي عربي أفريقي إنساني..

غير أن الحزب "الحاكم" لدينا – فيما يبدو - وبعد أن فكر وقدّر، لاحظ أن الأمر يتعلق بانقلاب عسكري فجّ، نفذه عسكري غرّ ناكث لعهده حانث بيمينه، ضارب بمصلحة وطنه وسمعة بلاده ومستقبل مجتمعه عرض الحائط! فأصبح بين ثلاثة خيارات أحلاها مرّ؛ فإما أن يساند الانقلاب الأحمق الذي اغتال – أويحاول - الحلم المصري (بل العربي) في الديموقراطية والتقدم، وما نشأ عنه من سفك للدماء الطاهرة واعتداء على الوجوه المتوضئة.. وعندها سيقول المعلقون: إنها "شنشنة أعرفها من أخزم" وإما أن يعلن تنديده بهذا الانقلاب، وعندها سيكون لأنصار الانقلاب المصري – هنا وهناك – أن يتهامسوا: "مابال بائك تجرّ وبائي لا تجر؟!" وما الفرق بين هذا "الإنقاذ" وذلك "التصحيح"؟ (كلاهما اغتال حلم أمة وشكّل سوقا لنخاسة الضمائر) أما الخيار الثالث - الذي "وفق" له منظروا الحزب ومفكروه الحكماء - فهو أن يلوذ الحزب بالصمت، وإن عبّر عن مركّب النقص مما يعتبره خصوم الحزب خطيئة التآمر على اغتيال التجربة الديموقراطية الموريتانية، ووشى بهوس الحزب في استصحاب شبح عقدة التعاطي مع الانقلابات العسكرية!


نقلا عن صحيفة "الأخبار ـ إنفو"


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!