سيظل المرحوم محمد الحافظ ولد الخرشي اسما شامخا في سماء المواطنة الكريمة والفكر المستمد من كل العراقة و كل الإباء.. عاش كريما ومضى كريما..

ربطتني بالراحل علاقة من الخصوصية بمكان، كان مدير إعدادية أكجوجت ونحن في بداية الثمانينات مثالا للسهل الممتنع، كان مثالا للجدية والأخلاقية، ميالا إلى التأمل والنصح.. كان حضاريا وكان عطوفا..

أذكر أني عندما التحقت بإعدادية تيارت في بداية السنة الدراسية 1982 اكتشفت بحماس أن المدير أيضاً تم تحويله إلى نفس المؤسسة وكأن الأقدار أرادت وضعنا مرة أخرى في طريق..

كانت تلك الفترة كفيلة بارتباطي أكثر بالرجل الذي وجد نفسه مسيرا لإحدى المؤسسات التي باتت تعج بالحركيين.. كانت سنوات 1982 و 1983 بحق سنوات رصاص، وكانت إعدادية تيارت مسرحا مستمرا لعمليات لي أذرع بين نظام اقتنع بالمقاربة الأمنية سبيلا إلى تقوية أركانه وبين تيارات سياسية باتت تقض مضجعه و تنذر بأفول نجمه..

الناصريون و الإسلاميون صالوا و جالوا، و اعتُقل العشرات من الطلبة في سياق عمليات عهد بها إلى المفوض كراني الذي وجد في هياكل تهذيب الجماهير الناشئة آلية متطورة لابتزاز الطلاب الحركيين والزج بهم في السجون.. أذكر هنا أن التلميذ محمد جميل ولد منصور كان مع عديدين من الأرقام الصعبة إبان تلك الأحداث..

لم يكن الراحل محمد الحافظ يوما خصما في أي نزاع، ولم يتقمص يوما دور المدير المخبر ولا المدير "المتعاون" ولا المدير المتهافت.. كان ناصحا، وكان حريصا على الاستماع وإلى تقصي الحقائق من دون إفراط، لذلك احترمه الجميع و وثق به الجميع وركن إليه الجميع..

فيما بعد كنت حريصا على لقاء الرجل الذي بدا متأثرا بما يعيشه بلده وبما تعيشه أمته.. كان حين يسير تحس بمدى شعبيته وبتأثيره على من عايشوه.. كنت تحس أنه يعيش مع الناس الذين كان جزءا منهم، والذين أسدى لهم خدمات جليلة غير حريص على أثمانها.