التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:03:51 غرينتش


تاريخ الإضافة : 10.08.2013 08:38:26

الانتخابات ورهاناتها لدى فرقاء المشهد السياسي

محمد يحيى ولد الشاه ـ أستاذ بجامعة العلوم والتكنولوجيا والطب

محمد يحيى ولد الشاه ـ أستاذ بجامعة العلوم والتكنولوجيا والطب

يعتمد النظام الديمقراطي عموما على مبادئ أساسية من أهمها بالتأكيد الآلية الوحيدة للتناوب السلمي أو قل الدستوري والتي هي الاستحقاقات وانتظامها في دورات تماماً كأية عجلة دوارة في الزمان و المكان. و الحقيقة أن مبدأ الدوران نفسه يشكل في حد ذاته عامل استباق و ترقب من شأنه على الأقل إحداث رهبة من "يوم الامتحان" و الحساب و حافزا على الاستعداد لتقييم مرحلة سيعطي الكل الحق لأنفسهم وبأريحية لتقييمها، كل علي معاييره وانطلاقا من زاوية تموقعه.

وإذا كانت بعض مكونات المعارضة عندنا راهنت أساسا على آليات غير انتخابية، وربما "أقل انتظاما" زمنيا من أجل التخلص من نظام شككت مرارا في شرعيته فإن طبيعة تعاطيها مع الاستحقاقات المزمعة في أكتوبر المقبل لا يمكن إلا أن تشكل مرحلة مفصلية ستلقي بظلالها لسنوات على المشهد السياسي الموريتاني. و على عكس ما قد يتصوره البعض فإنه إذا ما قررت منسقية المعارضة مقاطعة العملية برمتها في مقاربة تكتيكية فإن تداعيات مثل هذا الفعل ستشكل ضربة في الصميم للاستقطاب السياسي الذي ظلت جذوته متقدة بما يكفي لإذكاء الجدل السياسي المتناقض، ناهيك عن حزمة التفاهمات التي خرج بها حوار 2011 الذي تم على الأقل مع جزء من المعارضة بدا حريصا على احترام تلك التفاهمات كمرجعية ولو إلى حين.

و بالعودة بالتحليل إلى محتوى خطاب المنسقية عموما فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو الابتعاد في السابق عن كل ما من شأنه إعطاء الانطباع بأن تحكيم صناديق الاقتراع قد يكون أمرا جيدا بغض النظر عن بعض التحفظات على تشكلة اللجنة المستقلة للانتخابات أو حتى على آلية وضع اللائحة الانتخابية المبنية على وثائق مؤمنة و التي ظهر أنها تحتاج وقتا أكثر من المتوقع.

و في الحقيقة فإن المتتبع لخطاب المنسقية سيجد أنه تطور من النقد اللاذع للحكومة "لتأخرها في استيفاء الشروط" لإجراء الانتخابات في مواقيتها الدستورية مما خلق وضعا غير طبيعي بل و غير دستوري - تقول المنسقية- بات من شأنه إحداث فراغ تشريعي، المنسقية براء منه، بل إن بعض النواب اقترحوا العزوف عن حضور الدورات الأخيرة للجمعية الوطنية تعبيرا عن ولائهم للترتيبات الدستورية أو على الأقل للسلوك الذي يجب أن يمليه عليهم استنباط بعض "الأحكام" في ظل الاجتهاد الدستوري الذي بدا جليا أن بابه مفتوح على مصراعيه. غير أن بعض المتابعين للشأن التشريعي افترض في نفس السياق تنازل النواب إياهم عن رواتبهم المسددة عن الأشهر موضوع الجدل كممارسة أخلاقية من باب سلامة الذمة.

فيما بعد عبر بعض قادة المنسقية عن نيتهم إفشال الانتخابات "بالطرق الديمقراطية". إن حصول هذا التحول هو في الحقيقة نتيجة لما أدى إليه ما عرف سابقا بالربيع العربي وما كان من المفترض لدى البعض من تحويله إلى بلدان أخرى على طريقة قطع الدومينو. غير أن الربيع سرعان ما ذبلت أزهاره ربما تحت تأثير التغيرات المناخية الإقليمية والهزات الارتدادية مما أدى إلى أوضاع دراماتيكية شبه مزمنة في البلدان التي فشلت قطعا في كبح جماح الثورات التي أفرزتها شوارعها و ظهر أن مفهوم "الفوضى الخلاقة" قد يبقى إلى الأبد مفهوما مجردا..

لقد صاحب هذه الإرهاصات ما اعتبره الكثيرون نجاحا لنظام الرئيس عزيز من بين أمور أخرى في تأمين حدود البلد وإظهاره كلاعب شبه إقليمي يحسب له حسابه بما في ذالك تحييد الجماعات المسلحة الحالمة بإمارة إسلامية في الساحل.. و لقد انضافت هذه العوامل إلى ما ظهر في النهاية أنه نجاح لعملية الإحصاء الإداري وحصر سجل السكان الذي لطالما صلى البعض من أجل فشله وعمل علي محاربته تماماً كأي خطر يهدد النسيج المجتمعي و السلم الأهلي كلما تذكرنا الضجيج الذي صاحب "لا تلمس جنسيتي" و أحداث مقامة على سبيل المثال..

وبالفعل فإن الأعداد المعتبرة و المتزايدة للمسجلين و الحاصلين على وثائق مؤمنة أعطت مؤشرات إيجابىة حول سيناريوهات المرحلة المقبلة بما يجعل منها فرصة جدية لإجراء انتخابات بلدية و نيابية لطالما انتظرها الموريتانيون، ليس بالضرورة لأسباب سياسية بل لأسباب تنموية بحتة أحيانا. إن العديدين مثلي يدركون أن أغلب المجالس البلدية لم يعد لها أداء يذكر منذ شهور على الأقل و أنه على بعض المشرعين -أعز هم الله- الاستفادة من وقتهم و شغل وظائف انتخابية أخرى وذالك بعد أن أبلوا بلاءا حسنا للسنة الثامنة على التوالي..

وهكذا فإن الأسباب التي سيقت هنا تتعلق كلها بالاحتفاظ بفرصة حقيقية من أجل ضمان انتظام دوران العجلة ومن ثم الاستفادة من فضائل الحراك الانتخابي وما يفرزه من مستجدات وانعكاسات سيكون لها الأثر الإيجابي على طبيعة الحكامة وآلياتها بل وعلي مصداقية الحالة الديمقراطية في موريتانيا التي يجب أن تظل مكسبا للأمة.

وبالنسبة للأغلبية فإن الذهاب إلى الانتخابات أصبح مسألة مصداقية لا يجب التفاوض حولها فهي إذا استحقاق يجب الإحرام إليه من بعيد أو هي فرض كفاية يتم انعقاده "بمن حضر" تماماً كما قال أمير قطر المنصرف عن قمة غزة التي دعا لها قبل سنوات.

إنه من الطبيعي أيضاً أن تنظرالأغلبية إلى أكتوبر بعين الترقب والاختبار خصوصا وأن التنافس داخل الحزب الواحد وبين الأحزاب المشاركة سيكون قويا في أكثر من دائرة انتخابية و سيعمل الجميع على الظهور بمظهر القوة الانتخابية الأسطورية والتي لن تفرز فقط نتائج التغيير الحكومي المتوقع قبل نهاية السنة الحالية وإنما ستمتد بركاتها إلى سنة 2014 وهي بطبيعة الحال سنة انتخابية بامتياز.

كذالك فإنه سيكون مثيرا توقع نتائج تطبيق الإجراءات المنبثقة عن الحوار ولاسيما ما يتعلق بمنع الانتجاع بين التشكيلات السياسية وعن مستوى انضباط العديد من المترشحين للترشح لدى الأحزاب المشاركة في الاستحقاقات وكذالك عن قدرة بعض الأحزاب على التعاطي بموضوعية مع المترشحين للترشح ومع قواعدهم الانتخابية واستغلال تقارير مهامها الموفدة إلى الداخل.

وعلى مستوى الأحزاب الشبابية سيكون الأمر مشوقا، حيث سيكون من الضروري البرهان على الأهلية للعب مع الكبار و هو ما يستدعي عادة الاستيقاظ مبكرا!

ويبقى أن تفويت المعارضة لفرصة المشاركة سيتطلب منها تبريرا قد لا يكون من السهل تمريره دون إقناع. فلو افترضنا أن المنسقية اعتبرت أن أعداد الناخبين قليلة فسيكون من البديهي القول بأن للمعارضة الحق في إقناع تللك الأعداد ومن ثم استدراجها للتصويت لمترشحيها سبيلا إلي "ترحيل" نظام الرئيس عزيز..

إن منظري المنسقية و صانعي قرارها يجب أن يبذلوا جهدا إضافيا لتبرير قرار من نوع تفويت المشاركة والإحصاء ذي الطابع الانتخابي في بدايته بما في ذالك العمل على إجراء كافة الفحوص و الاختبارات الكيميائية لمنع حدوث مفاجآت من نوع "الباء الطائرة" و التي رغم تسجيلها شكاية ضد مجهول قبل أربع سنوات إلا أنها ظلت "لغزا" محيرا بالضبط كما هي الأطباق الطائرة..


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!