التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:03:39 غرينتش


تاريخ الإضافة : 12.08.2013 17:53:06

لقاء الشعب أم لقاء الحشد..!

الحاج ولد المصطفى     hajmoustapha@gmail.com

الحاج ولد المصطفى [email protected]

فرق بين أن يَحتشِد الشعب للقاء رئيسه بإرادته واختياره، وبين أن يُحشَد باستخدام الوسائل الموروثة منذ نشأة السلطة في البلاد، وآلياته الحديثة والمبتكرة. وسكان الحوض الشرقي كبقية سكان الولايات والعاصمة يتعرضون لكل الضغوط الممكنة ويجدون أنفسهم رهائن لدى المنتفعين من الأنظمة والحالمين بالترشيح في الانتخابات التي يروج لها، وبشتى وسائل الترغيب والترهيب؛ ومع ذلك كله وجدت أصوات تعلن رفضها للحشد ولقائه ووعوده وضغوطه بكل شجاعة ووعي ومسؤولية. فما هو الفرق إذًا بين لقاء الشعب ولقاء الحشد؟

مفاهيم غير محددة تستخدم ضمن حملة إعلامية رسمية لقلب الحقائق وتزييفها، ما يدعي أنصار نظام ولد عبد العزيز أنه لقاء للرئيس مع الشعب لا يبدو كذلك إذا فحصنا الأمر بموضوعية وتجرد تام من أي تحيز له أو ضده..

إن الأمر يتعلق بمفهوم سياسي دعائي، إعلامي يرتبط بصناعة الأمجاد والترويج للزعماء.

كان عمر بن الخطاب يمشي بالليل في المدينة؛ قاصدا الفقراء والمحرومين من عامة الشعب متنكرا في مظهره، مبتعدا عن كل صور النفوذ والقوة التي تقهر الفقراء وتجعلهم يرتبكون ويتلعثمون خوفا وطمعا. وكان عمر بن عبد العزيز يفعل الشيء نفسه، يتحسس أخبار الناس وأحوالها ويعالج بنفسه كروبها ويداوي جراحها بتواضع وصدق وهو يفعل ذلك طلبا للأجر من عند الله وخوفا من الحساب.

وفي الثقافة الديمقراطية الحديثة، شاهدنا رئيس جمهورية مصر المنتخب (والمعتقل حاليا إثر انقلاب عسكري) يسكن في شقة مؤجرة في حي شعبي بالقاهرة، ويفتح أبواب القصر الرئاسي لجميع أطياف الشعب الراغبين في لقائه ويظهر بين الجماهير في الساحات وبين المصلين في المساجد كل يوم جمعة.

وفي العالم "المتمدن" تشرع الأبواب أمام المواطنين من خلال وسائل الاتصال المباشر برؤسائهم في: فيسبوك ، اتويتر ، الإميل، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت أكثر جدوائية ودقة وسرعة في الاطلاع على أحوال المواطنين.. ناهيك عن الإعلام الحر، المهني و الشفاف.

وقد أصبحت الزيارات الدعائية واللقاءات الحاشدة جزءا من التراث السلطوي القديم و مظهرا من مظاهر الأمية الحضارية والتخلف السياسي والفكري والمدني. وسمة بارزة وعلامة مميزة للحكم العسكري وسنة سيئة لقادة الانقلاب في الدول المتخلفة يجدون فيها طريقة ناجحة لإظهار التأييد والمساندة الشعبية الضرورية لشرعية استيلائهم علي السلطة وعجزهم عن ممارسة الديمقراطية الحقيقية.

لقد كان الإعلان عن تنظيم انتخابات برلمانية وبلدية في 12 من أكتوبر القادم طعما ألقى في أفواه الفاسدين في الولاية المزورة، لينتفضوا طمعا في الحفاظ على امتيازاتهم الموروثة وتجارتهم الرابحة منذ عقود، ويسوقوا الأبرياء والفقراء وسائر البائسين وذوي الحاجة والأهل والأقرباء لذلك الحشد الكبير.

ما لم يفهمه بعد المغرر بهم من الطامعين في المناصب الانتخابية هو أنه لا قدرة لهذا النظام على تنظيم انتخابات أحادية لا تشارك فيها المعارضة المحاورة وغير المحاورة. ثم إن هاجس ولد عبد العزيز الحقيقي وطموحه الأساس (بحسب المراقبين) هو الانتخابات الرئاسية التي ستضمن له الاستمرار في السلطة لفترة ثالثة، أو رابعة. والأهم من ذلك كله أن الأصوات في الديمقراطية يمنحها الشعب وليس الرئيس، ويعرف سكان ولاية الحوض الشرقي وبقية ولايات الوطن كيف وجه الشعب الموريتاني في الانتخابات البلدية والبرلمانية صفعة قوية لرجال ونساء الاستقبالات الحاشدة وأذناب الأنظمة المتعاقبة الذين ظلوا يستحوذون على كل البلديات والبرلمان والشيوخ؟

يعرف سكان النعمة وباسكنو وآمرج و..و.. أن رؤوسا كبيرة قد قطعت وأن عروشا وهمية سقطت.. وبطانة كانت متماسكة تفرغت في تلك الانتخابات..

يعرف المستقبلون ذلك ومن بينهم من جاء بأصوات المناهضين للتملق ولتلك الحشود ولكنهم لا يدركون أن الذين أسقطوا كانوا أقوي منهم بكثير وأن الشعب لن يغفر لهم ذلك التودد للنظام والتنكر للمواطنين الشرفاء.

صحيح أن الذين نصبوا في الانتخابات الماضية فجعوا بالانقلاب الثاني علي الشرعية.. وصدموا بأن بارقة الأمل التي جاءت بهم ربما تلاشت أو ولت في عهد الانقلابي الجديد، لذلك سارعوا إلى مسايرة الحشد ومنافسة الخصوم "العائدين إلى الوجاهة" بتفويض من سياسة الحشد وساستها.
إن رسائلنا إلي الحشد متعددة:

الرسالة الأولى:
تحية إكبار وإجلال إلى الشعب العظيم الصابر في الولاية كلها الذي لا يعنيه الحشد في شيء ، ألئك الشرفاء من أبناء الحوض الشرقي الذين أعلنوا رفضهم للزيارة واللقاء ورفوا الأصوات منددة بالحشد وقادته وتبرؤوا منهم.

الرسالة الثانية :
إلى المنتخبين المحلين الذين فاتتهم الفرصة التي منحها لهم الشعب حين انتزع لهم مقاعد انتخابية من أيدي فاسدة وتوقع منهم عطاء سياسيا مختلفا، لكنهم خيبوا آمال السكان وكانوا أضعف من أن يتحملوا المسؤولية والقيادة وهاهم يسقطون في ذات المستنقع الذي عاش فيه خصومهم "الساقطون" ردحا من الزمن.

الرسالة الثالثة:
إلى الصحافة المنتقاة بعناية لمخاطبة الرئيس وتمثيل دور السلطة الرابعة في الديمقراطية الحديثة، نقول لهم أنتم علي المحك؛ فإما أن تكونوا جزءا من الصورة التجميلية للمشهد الدعائي وتقوموا بدور مسرحي كتب لكم السيناريو فيه، وتقبضون الثمن الذي يجب أن يكون كبيرا بحجم الصفة التي تباع فيها إرادة شعب وقيم الحرية فيه.

وإما أنا تستعدوا لتحمل المسؤولية المهنية وتسترشدوا بما تمليه عليكم ضمائركم الحرة وأنتم إعلام الشعب كله (معارضة وموالاة) وعندها لابد أنكم ستخسرون الدعوة للقاء قادم أو امتياز زائل أو حتى تضييقا تعودتموه، فلا تخشوا في الله شيئا... واسألوا بجد عن أهمية وفائدة مثل تلك اللقاءات علي الشعب؟ أليس من الأهون عليه (إن كان جادا) أن يفتح مواقع على شبكات التواصل الاجتماعي؟ أو أن يطالع المواقع الإلكترونية التي تزخر بجميع أحوال و أخبار الناس؟ أو الجرائد والإذاعات الحرة والقنوات التلفزيونية؟ وأسالوه عن ما تحقق من اللقاءات المشابهة السابقة؟ ماذا حصد الناس من تلك اللقاءات (سوى ما أهدر من المال العام على اللقاء)؟

وأخيرا أطلبوا منه أن يقول لكم لماذا لا يتهم النائب الفرنسي "مامير" من الرؤساء العرب بالاتجار في المخدرات إلا هو؟ وذلك السؤال المحير لكل الموريتانيين ألا وهو: من أطلق النار على الرئيس؟ وما هي حقيقة تطورات الملف الصحي للرئيس؟


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!