التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:04:14 غرينتش


تاريخ الإضافة : 13.08.2013 12:56:20

الذهنية الانقلابية والرهان على تغييب إرادة الشعوب

د.محمدٌ ولد محمد غلام

د.محمدٌ ولد محمد غلام

أقدّر "رجاحة" عقول العساكر المنقلبين على الحياة المدنية والمسارات الديموقراطية في بلدانهم، وأحترم إدراكهم لخطورة المجازفة بالشفافية في عرض برامجهم الموصوفة من طرف خصومهم بالسطحية، وتقديم شخوصهم بمؤهلاتها العلمية والمهنية الحقيقية (يتندر المتندرون حول مصداقية حصول المتعلمين منهم على شهادة الباكلوريا!)

نعم.. يحسب لمغتصبي إرادة الشعوب - من العساكر وسندهم من "كتائب" المدنيين – حصافتهم وحسن تقديرهم للموقف، وإدراكهم بأن أية ذرة من الوعي تتسلل إلى عقول الشعوب، أو خربصيصة من الحرية في التفكير أو التصرف تتاح لها، سوف تكون على حساب مشاريعهم الشخصية؛ من اختطاف الدولة وتأميم منافعها لصالح جيوبهم ومقربيهم وأتباعهم!

إن العمل - والمبالغة في العمل - على تغييب الشعوب عن إدارة حاضرها وتحييدها عن رسم معالم مستقبلها؛ تزويرا للواقع وتضليلا لمعطيات استشراف المستقبل.. بقدر ماهو عمل جبان وتصرف منحط (في نظر أصحاب الفطر النقية والذوق السليم) فإنه يبقى في نظر المنقلبين على خيارات الشعوب المغتصبين لمقدراتها أفضل الحلول المتاحة!

أجل.. إنه أفضل الحلول المتاحة؛ ما دام البديل عنه هو إتاحة الفرصة للشعوب لاكتشاف ذواتها، ثم التعرف على السير الذاتية "الدقيقة" لحكامها القادمين إلى مكاتب الحكم على ظهور الدبابات؛ بمؤهلاتهم العلمية المتواضعة وخبراتهم الإدارية المحدودة، قبل إعطائها فرصة اختيار من يمثلها بحرية وشفافية.

لقد حصلت تجارب من هذا القبيل، على خلفية ثورات الربيع العربي، في كل من مصر وتونس والمغرب وليبيا – وقبلها في فلسطين المحتلة - غير أن مخرجات هذه التجارب لم تكن مشجعة للمراهنة على غباء الشعوب أو تغييبها، حيث برهنت الشعوب – في أول فرصة جدية تتاح لها – عن نقاء معدنها وقوة حدسها واعتدال نظرتها للواقع، وهو أمر يدرك مغتصبو إرادة هذه الشعوب أنه لن يكون في صالحهم على الإطلاق.

من هنا.. يبقى الرهان الأقرب لتحقيق المصالح الذاتية والمطامح الشخصية للمنقلبين ومسانديهم، هو التظاهر بادعاء التصرف نيابة عن الشعوب في تقرير مصيرها، حتى ولو استبطن (هذا التظاهر) عدم الاطمئنان إلى خيارات الشعوب عندما تكون الظروف مواتية لاختيارها الحرّ!

في موريتانيا.. تُعطل الانتخابات التشريعية والبلدية لحوالي السنتين دون مسوغ مقبول أو سبب مفهوم، ثم فجأة ودون سابق إنذار! يستفيق الموريتانيون على الدعوة إليها في غضون مدة زمنية لا تكفي لإعداد لائحة انتخابية موثوق بها أو استكمال التسجيل في السجل السكاني حتى، ودون أدنى نوع من التشاور أو التنسيق! إضافة إلى صدور الدعوة الانتخابية في أجواء مشحونة بالانسداد السياسي والقطيعة بين أبرز أطراف الساحة السياسية الفاعلة.

"الحركة التصحيحية" في مصر، تنقلب على مسار ديموقراطي لا لبس فيه؛ كرّس وجود رئيس ومجلس شورى منتخبيْن فضلا عن دستور صوّت عليه الشعب المصري... قبل أن تتظاهر بالتصرف نيابة عن الشعب المصري "القاصر" وتدعو إلى خارطة طريق تقضي بإجراء انتخابات قبل نهاية العام الحالي، وتشكيل لجنة معينة لتعديل الدستور الذي تم وضعه من خلال لجنة تأسيسية منتخبة ثم صوت عليه الشعب المصري في استفتاء نزيه وشفاف.

المسار السياسي في كلٍّ من موريتانيا ومصر (بعد انقلابين عسكريين على حاكمين مدنيين منتخبين) دليل جلي وبرهان واضح، على براعة الذهنية الانقلابية العربية وعبقريتها في تقدير خطورة وعي المواطن العربي وحريته، على مشاريعها الشخصانية الأحادية. ومن ثم رهانها على حل وحيد؛ هو العمل على تغييب إرادة هذه الشعوب "تعددت الأسباب و(الحلّ) واحد"


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!