التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:11:58 غرينتش


تاريخ الإضافة : 18.08.2013 14:46:11

العقليات القديمة لنخبنا السياسية و طموحات رئيسنا التنموية، أي جدلية؟!

بقلم: سيد الأمين ولد باب

بقلم: سيد الأمين ولد باب

يعتبر النقد الهادف والبناء، من أهم عوامل الارتقاء والنهوض بالأعمال والمجتمعات، خصوصا إذا ما قوبل بصدور تدل رحابتها علي مدي قابلية أصحابها للنظر ولإعادة النظر دون خجل، معتبرين أن الناقد هو مجرد خادم أمين، لا عدوٌ مبين، ونأمل أن يكون ما سنقدم من نقد بخصوص عدم مواكبة عقليات النخب السياسية لمستوي طموحات القيادة الوطنية، وانعكاسات ذلك السلبية علي السياسة الوطنية، هو من باب كشف النقاب عن مستوي جدلية التأثر والتأثير بينهما، خدمة للمجتمع الموريتاني، وليس من باب الموقف المناهض أو الرأي المعادي.

لا يختلف اثنان ـ اليوم ـ في المجتمع الموريتاني، علي أن الجهود التي يقوم بها السيد محمد ولد عبد العزيز منذ وصوله إلي السلطة في موريتانيا، أنها جهود تنموية بامتياز، لأنها أقيمت وفق نظرة غير آنية، أقيمت وفق نظرة إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار مستقبل البلاد البعيد والمتوسط، حسب طبيعة المشروعات المنفذة، وإذا أردنا أن نعدد مثل هذه الإنجازات سعيا منا لإبراز جهود الرجل الجبارة، سنطيل علي القارئ الكريم، لهذا سنقتصر علي ذكر بعضها علي سبيل المثال لا الحصر :

الإحصاء الإداري بكل ما يتميز به من ضبط، ودقة، وأمن ....، ثم القضاء علي أحياء الصفيح، وتأهيل الأحياء العشوائية، في مدن الواجهة الوطنية، بكل ما يتميز به ذلك العمل من فوائد جليلة علي جميع المستويات، ثم الإهتمام بالبنية التحتية خصوصا فيما يتعلق بالمعدات، واللوازم، والكادر البشري علي جميع المستويات : في الصحة ...، والتعليم ...، والمياه، والكهرباء ...،والطرق داخل كل المدن الكبيرة، وفك العزلة عن المدن النائية، والمطارات، والإهتمام بالزراعة، والمحافظة علي البيئة بالتشجير، ومنع المواد التي تلوثها . وحتي لا أطيل، أقول بأن كل هذه الإنجازات، وغيرها مما يعلمه الجميع، ولم أذكره الآن، كلها ذات أبعاد إستراتيجية، بمعني أنها إنجازات سيبقي البعض منها زمنا طويلا قبل أن يحتاج إلي الصيانة، وبعضها سيبقي منتجا ومعطيا ثماره الطيبة إلي الأبد، أي أن تفكير الرجل والعقلية التي يعمل علي أساسها ليست عقلية آنية، وإنما هي عقلية ذات امتداد بعيد نحو المستقبل، فالرجل لا يريد أن يبني موريتانيا محمد ولد عبد العزيز (الرئيس)، كما كان أسلافه يفعلون، ولا يهمهم ما بعد ذهابهم عن السلطة، بل إنه يريد أن يبني موريتانيا الأعماق في أعماق المستقبل . يريد أن يبني موريتانيا محمد ولد عبد العزيز (الرمز الوطني) الذي سيأتي بعده، ولو بعد زمن من ينحت له تمثال التقدير والاعتبار . هكذا يفكر الرجل وهكذا يطمح إلي المستقبل المنشود، لكن هل واكبت عقليات أطرنا ونخبنا السياسية، وسايرت الرجل في تفكيره أم أنها ظلت علي ما كانت عليه من آنية ومصلحة ضيقة ؟ وبعبارة أخري هل ستعين النخب السياسية قائد البلاد علي مشروعه السياسي البين النفع والجدوائية، أم أن هذا المبتلي لابد أن يتحمل جهدا مضاعفا، لتجاوز تلك العقبة، كما تجاوز بحول الله وقوته غيرها من العقبات ؟

الواقع أن سيادة الرئيس لابد أن يصبر ويتحمل وأن يضاعف الجهود من أن أجل أن يتجاوز عقبة العقليات المريضة التي لا تزال تطالعنا من النخبة السياسية . هذه العقليات تتمثل في الأنانية (حب المنفعة للذات فقط)، وتتمثل في الأسلوب المبتذل المعتمد لتحقيق المصلحة الشخصية المكشوف، والذي يأباه كل ذي ضمير حي.

ففي كل تجمع : (مقاطعة أو بلدية) مثلا جماعة تأخذ أكثر مما تستحق، وجماعات لا تجد ما تستحق، من المناصب السياسية والانتخابية، وفي كل تجمع أطر: منهم من يتقلد منصبا انتخابيا أو سياسيا، ومنهم من سبق أن كان كذلك، ومنهم من ينتظر، فإن سارت نخبتنا السياسية سير قيادتنا وحذت حذوها في التفكير والتأمل حصل الإنصاف، واستوت الأطياف والجماعات في الفوائد والغلات السياسية، ولم تتكلف القيادة جهدا كبيرا في التركيز علي لم شمل الأفراد ببعضهم، والجماعات ببعضها، حيث سيسود الود والرضا تلقائيا، ويثمر التآخي بين الجميع جوا من التنافس الايجابي الذي يهدف إلي الانتقاء من بين الفضلاء الأفضل، وحين ذاك تستطيع القيادة استثمار جهودها وتركيزها في مجالات أخري، أو علي الأقل لا ينسب إليها غبن ولا تمييز بين المحليين يولد اشمئزازا أو عدم رضي.

وإن بقيت النخبة علي سابق عهدها ... ظل الحال علي ما كان عليه، ولم تنهض البلاد إلا فيما يمكن أن تَتخذ فيه القيادة مرسوما، وهذا يعني أن الكثير من الأمور الضرورية في التنمية العامة للبلد سيظل بعيدا عصيا علي التغيير، اللهم إذا بذلت القيادة الوطنية جهدا مضاعفا ـ كما أسلفنا ـ لتحقيق العدالة من خلال الاطلاع عنوة علي ما يراد له أن يظل خافيا من غبن وتحييد متعمد لبعض الجماعات، وبعض الأشخاص هنا وهناك.

إنها الظاهرة العامة الموجودة في كل التجمعات الصغيرة والكبيرة، وليست مقاطعة تمبدغة بدعا من هذه التجمعات، حيث تنشط فيها هذه العقليات المريضة بشكل ملفت، ففي هذه المقاطعة، نجد أن مشظوف تأخذ كل المناصب السياسية والانتخابية علي حساب الجماعات الأخري ذات الحضور المميز في المقاطعة، فمشظوف مثلا إذا أريد الإعلاء من شأنها الانتخابي يقال إنها قبيلة، وبالتالي فهي أكبر قبيلة في المقاطعة، وعند توزيع الفوائد والغلات السياسية هي تجمع قبلي تحتاج كل قبيلة منه إلي نصيب، وقد ينتظمون في الطابور إذا لم يكفيهم من المناصب السياسية: وزير أو إثنين، وحفنة من المدراء، وقدر ذلك من السفراء!!،أما المناصب الإنتخابية فهي لهم وحدهم حيث تلعب فيها الجهود الشخصية المحلية (المال) دورا كبيرا، ولكسر الروتين السياسي يتحول الحق عند ذات الشخص منهم، أو الأسرة، أوالعائلة من المنصب السياسي إلي المنصب الإنتخابي، والعكس صحيح، وكل ذلك علي حساب المجموعات الكبيرة الأخري، ودون أدني شعور بضرورة الإنصاف وإشراك الآخرين، المنظور إليهم :إما علي أنهم لاحق لهم، أو لأن حقهم لابد أن يفرض من طرف ثالث يتنازل له الجميع عن جميع قيم الإنسانية.ونفس الشيء ينطبق علي حال الأفراد داخل الجماعة الواحدة، حيث يسيطر أصحاب النفوذ وميسوري الحال، ويحتكرون دون أدني خجل كل نصيب للجماعة!!.
وبخصوص الأفراد، ففي زيارة الرئيس الحالية ـ مثلا ـ نري في مجتمعنا هناك، نموذجا لتلك العقليات الضعيفة : الأنانية المتجذرة، فصاحب المنصب الكبير الحالي يريد الترقية فقط لنفسه دون أبيه وأمه وصاحبته وبنيه ودون كل من هو قريب إليه، والموظف السابق يريد إعادة الاعتبار إليه . والمنتخب يريد إعادة انتخابه، بعضهما يخدم بعضا، وكل منهما يدفع بمن يليه بما أسر إليه وأخفي، حتي لا يضطر إلي القول علنا: أنا ولا غيري.

هذا في الوقت الذي يحتاج المجتمع الكنتي فيه هناك بشكل أساسي إلي تأكيد أحقيته في منصب انتخابي دائم نظرا لعمقه الإنتخابي في المقاطعة، فمثل هذا الهدف هو الأكثر إلحاحا والأكثر نفعا حاليا لمجتمعنا من توزير عمر أو زيد، حتي ولو كان سيكون مثل :الشيخ أحمد ولد أحمدات، في العفة السياسية، والترفع عن تصفية الحسابات والأخلاق السياسية الرفيعة التي تجعل المرء خصما لا خصم له.

فلو أنهم أقصروا مطالبهم علي مطلب واحد، لكان ذلك أخف علي القيادة ولقدرته وثمنته عاليا، لأن فيه تخفيف من الالتزامات التي غالبا يسعي الرئيس إلي الوفاء بها كثيرها وقليلها، ولو أن ذلك المطلب الواحد كان : طلب أحد نواب المقاطعة مثلا : لأحد الأشخاص التالية : شيخنا ولد عابدين، أو سيدي محمد ولد دمانه، أو أنً ولد أعبيدي، أو إسلموا ولد أحمد منين، لكان ذلك أكثر قيمة للمجتمع كله، وأكثر أهمية له، من تعيين شخص أو إثنين، لأن له بعد استراتيجي مستقبلي مفيد للجماعة، بينما تعيين شخص ما رغم أهميته إلا أنه يظل مصلحة آنية لا تتجاوز أبعد من فترة التعيين.

وعلي العكس من ذلك الهدف العام أو المطلب المحترم، يؤكد من لقي الرئيس بأننا ممثلون في المقاطعة بمناصب انتخابية : عمدة مساعد، وشيخ المقاطعة، والواقع أن الجميع يعلم كيف حصلنا علي ذلك، بمعني أنه لم يكن باعتراف وقبول من الأطياف السياسية في المقاطعة، بل حصل بمشيئة الله وجهد بسيط (من بعضنا) لكنه كان مدعوما بتفكير سليم تميز في أول الأمر بالعزم والإصرار علي الخروج من التبعية والتغطية السياسية، لاستنشاق نسيم الحرية في فضاء النسبية، وتميز بعد ذلك بالوفاء والالتزام والثبات، وعدم الانجراف وراء المغريات البينة النفع الشخصي، لأن النفع العام أولي وأكثر قيمة، والصبر عليه لابد أن يؤتي أكله ولو طال به العهد.

أما الذي ينتظر وذاك الإطار السامي الذي لا يريد أن ينزل لهذه المستويات المكشوفة من الأنانية، فإنهما يريدان لأنفسهما الخير والمصلحة فعلا، لكن بأسلوب آخر أكثر مصداقية، ليس فيه غبن ولا تحييد، يكون الآخر فيه أحرص لهما عليهما منه لهما علي نفسيهما، حرصا من نفسه علي مصلحتها ومصلحة الجميع.

ومتي ما حصل هذا المستوي الأخلاقي من التعاطي السياسي، تسارعت وتيرة التنمية وخف الحمل علي القيادة الوطنية، وإن استمرت نخبنا السياسية تفكر علي الطريقة القديمة :أنانية بينة لم يسمح استخدام النفوذ فيها بإخفائها، وجشع كبير لا يكتفي فيه صاحب النفوذ بنفوذه، بل يريد المزيد، وفي أحسن الأحوال يكون لصالح الأخ أو الأخت. فإن من لا نفوذ له، ولا يلعق أيادي المتنفذين، ولايسير أمامهم وخلفهم، فمهما كان سيظل بعيدا لاحظ له ولا نصيب !!وستبقي جهود التنمية المحلية ناقصة، اللهم إذا تدخلت عناية الله، ممثلة في إرادة الإصلاح الباحثة عن كل الجهود المغيبة والحقوق المهضومة والتي لم يقدر أصحابها علي الحصول عليها ولا علي إظهارها، وقد رأينا مثالا علي ذلك، في اهتمام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بقبيلة وافرة وكثيرة الإنتشار في الحوضين وذات عمق انتخابي لا يستهان به، وهي رغم ذلك لم تنل أي منصب سياسي رغم حضورها الكبير في كل انتخابات ورغم قدرتها علي تغيير الموازين في مقاطعة تمبدغة بالخصوص، فإلي عهد قريب لم تنل هذه القبيلة أي تمثيل، إلي أن جاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بإرادة إنصاف المهمش، فأعطي لهذه القبيلة الكبيرة مديرا عاما لشركة صونادير، ورئيس مجلس إدارة، وبدأت القبيلة في ظل هذا النظام تشق طريقها نحو التقدير الذي تستحق.

وعلي كل حال فإن لم أكن أخش إجهاض المشروع السياسي الكبير الذي تنهض به القيادة الوطنية عامة، فإني أخشي بطء قطف ثماره، وتأخر التمتع بأطيب نتائجه . بسبب التمترس وراء الأطماع الشخصية واستخدام النفوذ بشتي صوره لتحقيقها، وفي الأخير فإنني أنبه الجميع علي أن العفة السياسية لا تقل شأنا عن العفة الدينية، فهي مطلوبة كذلك في مقاطعة تمبدغة خصوصا، وفي غيرها من المدن والتجمعات بصفة عامة، وإنها إن لم تكن السبيل الأمثل لبلوغ الشأن الكبير في عالم السياسة، فلن تكون الأنانية خير سبيل موصل إلي ذلك الهدف .وفي الختام فإنني أذكر الفاعلين السياسيين في البلاد عموما، بأخلاق عنترة ابن شداد، وأدعوهم أن يستحضروا منها ما ورد في البيت التالي:

فأري مغانما لو أشاء حويتها **** فيصدني عنها الحياء والتكرم


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!