التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:09:46 غرينتش


تاريخ الإضافة : 25.08.2013 09:53:22

تجديد الطبقة السياسية في موريتانيا ... بين إكراهات الواقع و متطلبات المرحلة !

عبدي ولد البشير ولد امحيحم

عبدي ولد البشير ولد امحيحم

تعيش البلاد هذه الأيام على وقع خريف سياسي حار جدا، في ظل التحضير لانتخابات نيابية وبلدية تعدت آجالها العادية بسنتين (وهو ما يحتم تنظيمها رغم كل المعوقات)، و توازيا مع ذلك هناك سباق محموم تشهده الدوائر الانتخابية لحشد القوة و كسب ود الناخب المسكين الذي لا علاقة له بالمنتخب إلا في هذا الموسم القصير.

الصعوبات الحقيقية و التحديات الجمة التي تواجه البلد اليوم تكمن في كيفيات تجديد الطبقة السياسية لإفراز جمعية وطنية من الشباب الناضج والنقى القادر على القيام بمهامه بكل جدارة ومهنية و شفافية، و مجالس بلدية شابة ذات سواعد قوية و مؤهلات علمية واستعداد يناسب حجم تحديات التنمية المحلية و آمال سكان الريف الضعفاء.

فخامة رئيس الجمهورية دعى في خطاباته الرسمية الى تجديد الطبقة السياسية و إدماج الشباب في الحياة السياسية و هذا النداء جزء من مخطط استراتيجي عريض يسعى من خلاله الرئيس الى الولوج بالبلد الى ركب الدول المتقدمة سياسيا توازيا مع الاصلاحات المحورية لفخامة الرئيس في مجال محاربة الفساد و تقريب خدمات الدولة من المواطن ورفع مستوى الدخل للمواطن البسيط و تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات في جو من الحرية و الأمن تنعم به البلاد و الله الحمد في عالم مشحون بالفوضى و الانفلات الأمني.

دعوة رئيس الجمهورية الى تجديد الطبقة السياسية من خلال اشراك الشباب في الحياة السياسية يبدو انها تواجه تحديات جسيمة حيث اصطدمت بواقع لا يعرف التعامل مع هذا النوع من المستجدات، واقع الطبقة السياسية (الهرمة) التي تتربع على العروش الانتخابية منذ فجر استقلال البلاد و حتى يومنا هذا، و ما زالت طموحاتها ممتدة صوب التمسك بالمناصب السياسية مستعينة في ذلك بمعادلات معقدة اساسها النفوذ القبلي، و عامل الثراء و الخبرة في مجال فرض الذات و نكران الغير مستغلين ضعف الامكانيات المادية للشباب و حداثة تجربتهم السياسية، فهؤلاء (الساسة المتقاعدون) مستعدون لبذل الغالي والنفيس لكي يبقى المواطن المسكين حبيس تجربة (متقاعدة) ملها و لم يعد يطيق التعامل معها، مستبشرا بما يلوح في الأفق من ملامح خارطة سياسية جديدة،

أثناء تحريري لهذا المقال ينتابني استغراب شديد في الدوافع التي تجعل (الساسة القدماء) يسرون على ممارستهم للحياة السياسية والتمسك بالمناصب القيادية (برلمان ـ بلديات ... الخ) و امتناعهم عن الانصياع للمستجدات الرافضة لذلك كدعوة رئيس الجمهورية لتجديد الطبقة السياسية و تطورات المرحلة التي لم تعد تسمح بالركود السياسي.

استغرابي لم يتوقف عند ذلك الحد بل ادعوكم جميعا الى امعان النظر في مسألة خطيرة يجب أن نسعى جميعا الى التفكير الجدي فيها ألا و هي كون المناصب السياسية محدودة جدا و التنافس عليها شديد فإذا كانت ثلة من المجتمع تصر رغم (شيخوختها و هرم تجربتها على انتزاع القيادة و فرض ذاتها و التمادي في ذلك متجاهلة محيطها و رامية عبر الحائط كل الأواصر التي تربطها بشركائها في المجال الترابي فإن هذا بالنسبة لي يعني مسألتين:

• إما أنه لا يوجد من هو مؤهل للقيام بهذه المهمة غير تلك المجموعة (المتقاعدة سياسيا) و هذا غير منطقي لأن المجتمع و الحمد لله يتوفر على قدرات بشرية هائلة و قادرة على تحمل المسؤوليات.
• إما ان تلك المجموعة (المتقاعدة سياسيا) مسكونة بحب القيادة بدرجة الاحتكار و الأنانية مما جعلها تتنكر الغير و لا تسمح لأي أحد مهما كان أن يشاركها في تسيير الهم العام للمواطنين بقدر ما تتمسك به لنفسها. و في هذه الحالة يبقى الأمر خارجا عن قواعد اللياقة و التشاركية و الذوق السليم.
تجديد الطبقة السياسية احد مشاغل الرأي العام في موريتانيا و يتقاطع مع عدة أمور اخرى شائكة ما زالت عالقة و نظرية و إن كانت متطلبات المرحلة تفرضها و الارادة السياسية للبلد تسعى الى تحقيقها إلا أن تطبيقها على أرض الواقع محفوف بالكثير من المصاعب.

واقع الساحة السياسية الموريتانية اليوم يطرح تساؤلين أساسيين هما:

هل ستنجح الارادة السياسية للبلد في تجديد الطبقة السياسية متحدية واقع المجتمع؟ و ما هي الآليات المتخذة ميدانيا لتجسيد دعوة رئيس الجمهورية الى إشراك الشباب في (التسيير) السياسي للبلد؟

مع أني لست محللا سياسيا بقدر ما أهتم بقضايا التنمية المحلية أرى أن القيادة الوطنية ممثلة بشخص فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز (و حسب التجربة) نجحت في إنجاز أكثر من (85%) من برنامجها الانتخابي الذي التزمت امام الشعب الموريتاني بتحقيقه في ظرف عالمي محفوف بالمخاطر الجسام، و هذا بالنسبة لي شخصيا مؤشر جيد على أن التزام القيادة الوطنية بتجديد الطبقة السياسية سيتحقق رغم كل المعوقات، فهذه القضية ليست أكثر تعقيدا من قضايا أخرى محورية استطاع البلد تجاوزها بنجاح (كمحاربة الفساد، و القضاء على العبودية، و تسوية ملف الارث الانساني ... الخ) فهذه قضايا اكثر سخونة و تعقيدا من هذه القضية، لهذه الاعتبارات لا أرى أن تجديد الطبقة السياسية سيشكل حجر عثرة أمام إرادة الرئيس.

رئيس الجمهورية وجه دعوة صريحة الى الشباب في خطابه امام اهالي انواذيبو (2012) لكي يستعدوا للمشاركة في تسيير البلد من خلال الولوج الى المناصب القيادية في البرلمان و في المجالس المحلية، و هذه الدعوة تعني بكل جلاء رغبة رئيس الدولة في اقامة تنمية مستديمة و متكاملة مبنية بسواعد قادرة على العمل و التفاني في خدمة الوطن والمواطن.
و من وجهة نظري المتواضعة أرى أن تجديد الطبقة السياسية في بلادنا رغم صعوبته إلا أن إرادة الشباب كافية لكسر الحواجز المحيطة بالقضية خصوصا ان الظرف الحالي (دوليا و محليا) يسمح بذلك و يبشر بإمكانيته.

• فعلى الصعيد الدولي هناك ثورات عارمة مطالبة بالتغيير و قد نجحت فعلا في تغيير الانظمة الضاربة في اعماق الدكتاتورية، و لا احد اليوم يتجاهل مصير رموز الظلم في العالم حيث رحلوا غير مبكي عليهم و نالوا نصيبهم وافرا من جزاء التاريخ و احتقار الشعوب مع أنهم ضيعوا الفرص الذهبية لصيانة مياه وجوههم (إن كانت لهم وجوه).

• و على الصعيد المحلي فالكل يعلم أن البلاد تعيش مرحلة من المع مراحلها حيث تنعم بجو الحرية و المساواة و الامن في ظل ما تحقق من انجازات لامست هموم المواطن البسيط و جعلته يحس بوجود دولة لها كيان و تربطه به صلة قوية. و إذا كانت الدولة في الفترة الأخيرة قد وفرت للمواطنين المساواة في الحقوق و الواجبات فمن هذا المنطلق فإن الجميع اصبح يطالب بحقوقه كاملة و من ضمن تلك الحقوق الحق في الولوج الى مناصب القيادة لتولي تسيير امور الشعب تأدية للواجب و مشاركة في المسيرة المظفرة التي يقودها فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لبناء موريتانيا الجديدة.
و من هذا المنبر اوجه دعوة الى الشباب في عموم التراب الوطني لتحمل مسؤولياتهم في المشاركة بفعالية في الانتخابات المقبلة و الترشح للمناصب البرلمانية و المجالس البلدية تلبية لنداء فخامة رئيس الجمهورية و مشاركة في بناء الوطن.
كما أوجه رسالة خاصة الى رئيس الجمهورية للوقوف الى جانب الشباب للولوج بقوة الى المناصب القيادية في تسيير البلد، و أن يشرف بنفسه على هذه المسألة لضمان الشفافية حتى لا يصل الى مراكز القيادة إلا من هو حق لها بإرادة الشعب و بحكم صناديق الاقتراع.
اما رسالتي (لقدماء الساسة) فأقول لهم أيها الآباء و الأمهات الأفاضل لم تعد المرحلة مناسبة لقيادتكم، فقد خدمتم البلد و تعبتم كثيرا و عانيتم المرارة و اليوم كبر ابنائكم و اكتسبوا المعارف و الخبرات و آن الأوان لتتركوا لهم القيادة.
و أذكرهم بأن الأمر لا يخلو من أن يكون (تشريفا أو تكليفا) فإذا كانت الأولى فالشباب أحق بها و كفاكم ما مضى و اتركوا الفرصة لغيركم ليتشرف معكم، و إذا كانت الأخيرة فالشباب أيضا أقدر عليها فأقبلوا أن يتحملوا عنكم التكاليف كفاكم منها فقد انهكتكم.
لقد اصبحتم على مشارف (التقاعد السياسي) إن صح التعبير و لا تفتكم الفرصة لتغرسوا في ذاكرتنا حبكم و الامتنان لكم بالجميل، أرحلوا مبجلين مكرمين فالرحيل مطلب عالمي و محلي لا بديل له، أما إذا تعنتم فهذا لا يليق بكم كأسوة حسنة لنا جميعا و لا يخدم تجربتكم السياسية و في النهاية لن يغير من حتمية تنحيكم عن الحياة السياسية لآن الواقع لم يعد يتحملكم.

في بقية العالم عندما يصل السياسي الى مرحلة (الشيخوخة السياسية) يترك مكانه للشباب لكنه يشرف على تكوينهم و تأطيرهم و يأخذ مكانه المناسب بالقرب منهم حتى يكون سندا لهم و مصححا لأخطائهم، أما في بلادنا و للأسف الشديد فالأمر عكس ذلك تمام فالقضية هناك شائكة جدا و صعبة (فالشيوخ) لا يتركون اماكنهم إلا بشق الأنفس.

و في نهاية هذا المقال (المتواضع جدا) أرجو أن يكون مجرد إثارة لحفيظة الكتاب وخاصة الشباب للاهتمام بهذا الموضوع الذي هو حديث الساحة السياسية اليوم إسهاما في تنوير الرأي العام حول ضرورة تجديد الطبقة السياسية في موريتانيا.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!