التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:01:35 غرينتش


تاريخ الإضافة : 31.08.2013 06:57:55

القرارات الارتجالية ما لها وما عليها

د.محمدٌ ولد محمد غلام

د.محمدٌ ولد محمد غلام

يحسب للحاكم – أيا كان – مضاؤه في عزمه وحسمه في قراراته وبعده عن التردد والمماطلة. غير أنه يحسب عليه - في المقابل - أي تسرع في اتخاذ هذه القرارات أو خفّة في التعاطي مع شئون الحكم ومصائر الشعوب؛ استباقا لإنضاج رؤية متكاملة يقدمها أهل الاختصاص، أو تدجينا وقتلا معنويا للبطانة من المستشارين و"المكلفين بالمهام" وقديما قيل إن الشيء إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضده.

لنأخذ مثالين بارزين لهذا النوع من القرارات الارتجالية ذات العلاقة المباشرة بحياة المواطنين: فهنالك القرار البيئي "الشجاع" الذي اتخذته السلطات الحالية بمنع تداول وبيع واستخدام البلاستيك الخفيف (زازو) لما له من تأثيرات سلبية على البيئة. وعلى غرار هذا القرار، يأتي قرار حظر تحرك الشاحنات التجارية والباصات الكبيرة والصهاريج... خلال النهار في شوارع العاصمة.

لنأخذ القرار الأول (قرار زازو) لنؤكد أنه قرار شجاع بالفعل، أماط اللثام عن جانب مهم من الجوانب السلبية التي تهدد البيئة وتسيء الناظر وتهلك الحرث والنسل.. وهي كثيرة بالمناسبة.

وهو إلى ذلك، قرار حاسم وموقف جازم يحسب للحكومة الذي اتخذته، لكن يحسب عليها في المقابل، ما تعرض له السكان – باعة ومتسوقين - من مضايقات وحرج في تطبيق هذا القرار؛ وذلك من عدة نواح، أهمها عدم وجود أو إيجاد البدائل المعقولة للتعليب والحفظ وحتى لتمييز المكيلات والموزونات، وهي إحراجات تتحدث عن نفسها؛ أعتقد أن إنكارها مكابرة في محسوس.

أما ثاني هذه النواحي فهو عدم التمييز بين أنواع مادة البلاستيك؛ بين البلاستيك المصنفة كصديقة للبيئة وبين تلك الضارة... مع ما يضيفه هذا التمييز الفني - لو تم – من إمكانية تقديم بديل من البلاستيك غير الضارة بالبيئة كبديل معقول لنوعها الضار. وهو أمر (عدم التمييز بين النوعين) يمكن للسذج من أمثالي أن يتصوروا أنه راجع إلى ارتجالية في القرار، وإلى استبعاد (أو تدجين) الاستشارة الفنية المسؤولة!

أما القرار الثاني؛ المتعلق بحظر تحرك الشاحنات التجارية والباصات الكبيرة والصهاريج، وشبهها خلال النهار في شوارع نواكشوط، فهو إلى جانب إيجابياته المتعلقة بالحدّ من زحمة السير في شوارع العاصمة، وإسهامه في كبح جماح فوضوية السير (لا يتحمل سائقو المركبات الكبيرة المسؤولية لوحدهم عنها) فإن أمارات الارتجال وعلامات التسرع تلوح من خلاله؛ إذا أخذنا في الاعتبار التأثيرات السلبية لقرار كهذا على النشاط التجاري والاقتصادي عموما – بما فيه الأنشطة المتعلقة بضرورات الحياة مثل نقل المواد الغذائية والمحروقات الأساسية – إضافة إلى تأثيراته الاجتماعية السلبية والمتعلقة بإرغام آلاف الأسر على التكيف مع وضع جديد يفرض غياب معيليهم في ساعات الليل التي أمست (حتى لا أقول أصبحت) تشكل أوقات دوامهم الإجبارية! مع ما يترتب على ذلك من تعريض حياة هؤلاء وأعراضهم وأموالهم للمخاطر الناجمة عن الوضعية الأمنية التي تعيشها العاصمة باعتراف الحكومة.

خلاصة القول: أن مزية مضاء العزيمة والحسم في القرار دون تردد أو مماطلة، لا بدّ أن تقابل بخصلة التؤودة والمشاورة والبعد عن الخفة والنزق في التعاطي مع تسيير الشأن العام؛ حتى ننعم بغنم فضيلة السرعة في اتخاذ القرار والحسم في تنفيذه، دون نتحمل من غرم سلبيات الاعتداد بالرأي (غير المتخصص دائما) والمغامرة في اتخاذ وتنفيذ القرارات الارتجالية.

نقلا عن صحيفة "الأخبار ـ إنفو"


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!