التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:01:39 غرينتش


تاريخ الإضافة : 02.09.2013 15:15:36

المقاطعة والمشاركة في الانتخابات

المشاركة في الانتخابات جزء من الطموح الاستيراتيجي المشروع للأحزاب السياسية، والوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة في أدبيات الأحزاب الديمقراطية ،والمقاطعة تكتيك مرحلي وموقف تبرره معطيات سياسية في مرحلة تاريخية استثنائية، فهل تعني مشاركة أحزاب في منسقية المعارضة تغيرا استيراتيجيا في توجهاتها ومواقفها؟ أم أن المقاطعين-إن وجدوا- هم من يخرج عن مسار اللعبة ويسلك طريقا – مشبوها للوصول إلى السلطة؟

الديمقراطية ممارسة تؤسس الأحزاب على قاعدة المشاركة في الانتخاب؛ ولو بأقل شروط الشفافية والمصداقية للأسباب التالية:

- ممارسة حق الانتخاب الذي يمنحه الدستور لكل مواطن موريتاني و لا يحق لأحد أن يحرمه منه مهما كانت أجندته السياسية.
- الطموح الاستيراتيجي المشروع للأحزاب السياسية والذي يقودها إلى المشاركة في تسيير شؤون البلاد وتعزيز موقعها على الخريطة السياسية للبلاد بغض النظر عن التكتيكات الاستثنائية.
- المبادئ الأساسية للحزب التي تفرض عليه الانصياع لإرادة المنتسبين وتحقيق طموحاتهم السياسية وتمكينهم من أن ينالوا ما يستحقونه من مناصب انتخابية وهي حقوق مكفولة لكل منتسبي الحزب السياسي لا يمكن لأي توافق سياسي مرحلي أن يمنع الأحزاب من تحقيقها.
- الحيلولة دون انفراد النظام وأتباعه بشرعية انتخابية "مزورة" مهما شابها من نواقص وعراقيل واضحة للجميع.
- استغلال هامش الحركة والتواصل مع المواطنين الذي تتيحه الانتخابات من أجل نشر الوعي الديمقراطي وكشف أجندة النظام.

هناك بالطبع صيغ كثيرة أخرى لمشاركة الأحزاب الموريتانية في إدارة شؤون البلاد.. تبدأ بتأييد الانقلابات ولا تنتهي بموالاة من يوجد في السلطة مقابل امتيازات لأفراد الحزب. وقد سلكت بالفعل بعض الأحزاب تلك الطرق وشرعت لنفسها ذلك الأسلوب؛ رغم منافاته لمبادئها وأنظمتها الأساسية، فالحزب السياسي لا ينبغي له أن ينال امتيازا لا تبرره شرعية الانتخاب ولا موقعا سياسيا على الساحة الوطنية إلا من خلال حصاده الانتخابي. ومع ذلك توجد أحزاب يشرعها تأييدها للنظام دون سند من الشرعية الحقيقية التي يمنحها الشعب ويوجد طموح خاص لدى أحزاب أخرى لا تؤيد النظام ولكنها تحلم بتدخلات (عسكرية أو أجنبية) من أجل جر النظام إلى إشراكها في السلطة دون إجراء انتخابات وضمن إطار الصفقات المعروفة مع كل انقلاب يعصف بالممارسة الديمقراطية الناشئة والمتعثرة في بلادنا.

إن رفض المشاركة في الانتخابات ومقاطعتها يمكن أن يكون تكتيكا ناجحا لبعض الأحزاب في منسقية المعارضة الديمقراطية التي رفعت مطلب الرحيل بالطرق الثورية في ظل ربيع عربي لا يزال زاخرا بالتضحيات والنضال المتواصل والعنيف أحيانا، لكن مستوى النضال الثوري في الساحة الموريتانية لم يبرح مكانه ولم يسانده وعي شعبي كالذي نراه في تونس ومصر واليمن.

ومع ذلك لا يزال أسلوب التغيير الثوري محل تقدير ويمكن أن يعول عليه جيل الشباب الموريتاني لأنه معطى تاريخي وطبيعي للوصول إلى التغير الجذري والشامل.

إن ما لا يفهمه بعض الكتاب هو أن المشاركة ليست خطيئة سياسية مادامت منطلقات الحزب وثوابته ديمقراطية والمطالبة برحيل النظام ليست مانعا ديمقراطيا من المشاركة؛ بل إن المشاركة قد تمد الأحزاب المعارضة بالقوة الشعبية والشرعية الانتخابية التي يكون توظيفها لصالح النضال من أجل إسقاط النظام أكثر تأثيرا وإقناعا.

لكننا يجب أن لا ننسى أن الأحزاب التي ستقرر المقاطعة لن تفقد مواقعها في الخريطة السياسية الموريتانية بالضرورة، فقد جربنا من قبل أن مقاطعة الانتخابات التي تشرف عليها الأنظمة الانقلابية لا يشكل ضررا كبيرا على الأحزاب العريقة والمتأصلة في نضالها وقد يجلب لها مزيدا من الاحترام لدى الكثيرين.

إن الأمر يتعلق باختيار حزبي وتوجه تكتيكي يحسمه المناضلون والمناضلات في كل حزب سياسي على حدة ولا يمكن لأي ائتلاف سياسي أن يقرر فيه نيابة عن منسبي تلك الأحزاب، وعلي الجميع أن يحترم في النهاية ما تقرره هيئات هذا الحزب أو ذاك من مشاركة أو مقاطعة. والأهم أن يستمر العمل الجاد من أجل تغيير طبيعة النظام السياسي الموريتاني في اتجاه النظام المدني الديمقراطي الذي يجب أن يقود جميع أحزاب المعارضة الوطنية في مواقفها ونضالها واختياراتها.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!