التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:07:30 غرينتش


تاريخ الإضافة : 14.09.2013 10:55:25

عن الجزيرة

خطري بن عبد الرحمن- كاتب موريتاني

خطري بن عبد الرحمن- كاتب موريتاني

عندما تتقاطع مصالح الأنظمة الشمولية والنخب العلمانية الفاشلة مع بقايا الأنظمة الظلامية المقبورة في استهداف الجزيرة!
تحاول بعض الأفواه والمنابر المأجورة منذ بعض الوقت التشكيك في مصداقية قناة الجزيرة الفضائية من خلال تنظيم حملة تشويه واسعة تتقاطع فيها مصالح النخب القومجية والليبرالية المهزومة في المسارات الديمقراطية المختلفة مع هواجس الأنظمة الشمولية المذعورة من إغراءات التغيير.
وبديهي القول بأن لهذه القناة من الأقلام الصحفية وقادة الفكر والرأي ما يجعلها في منعة من الثلب والتشكيك حول نبل رسالتها وصدق ونزاهة ووطنية القائمين عليها؛ فضلا عن قدرتها الفائقة على مواجهة كل تلك الحملات والإدعاءات الفارغة بكل جرأة وجسارة.
لقد قدمت قناة الجزيرة للأمة العربية والإسلامية خلال أقل من عقدين من الزمن أكثر مما قدمته كل الثورات العربية في القرن الماضي؛ فقد كان مكتبها الهدف الأول لقصف الطائرات الأمريكية في أفغانستان؛ ولوحق مراسلها تيسير علوني إلى أن اعتقل في اسبانيا؛ بينما تم تغييب مصورها سامي الحاج في غياهب سجن غوانتانامو (سيء الصيت) خمس سنوات؛ وتحولت لعقد من الزمن إلى منبر لعرض ونقل أنشطة الشيخين أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهما من قيادات القاعدة.
وكان مراسلوها في مقدمة الجبهات القتالية في حرب العراق؛ حيث قدمت شهيدي الحرية طارق أيوب وأطوار بهجت؛ وتميزت تغطيتها للأحداث بالانحياز إلى موقف الشارع العربي الذي كان رافضا لتلك الحرب، خلافا لموقف الحكومة القطرية المشاركة فيها لأسبابها ودواعيها الخاصة.
وقد استطاعت قناة الجزيرة أن تعري الوجه العفن للدولة اليهودية وتفضح بشاعة وقساوة الآلة الصهيونية الحربية في حروب الكيان الإسرائيلي الغاصب على لبنان وغزة؛ وكان مراسلوها يتقدمون جبهات القتال ويستبسلون في نقل صور الجريمة الإسرائيلية في جنوب لبنان إلى جانب حزب الله قبل أن يحول هذا الأخير رصاص بنادقه إلى صدور الثوار السوريين.
وقد لعبت القناة دورا رياديا في إعادة بناء الوعي العربي وزيادة نسبة الإحساس بالمسؤولية تجاه قضايا الأمة، وأوقدت مشاعر الانتماء للأمة وأذكت الحماس وحركت المياه الآسنة في الشارع العربي؛ فكان لها إسهامها الفاعل في تحرير طاقات الإنسان العربي وانتفاضه على الأنظمة الشمولية المستبدة التي جثمت على صدوره عقودا من الزمن؛ فقد كانت حاضرة في سيدي بوزيد رغم تعتيم النظام التونسي على الأحداث وصورت كاميراتها أحداث الثورة التونسية حتى آخر لحظة في عهد بن علي ونقلت عفوية التونسيين في التعبير عن فرحهم "هرمنا" و "بن علي اهرب، بن علي اهرب".
وجاءت الثورة المصرية؛ فلم تتأخر الجزيرة في نقل الحدث على خلاف رغبة النظام وأجهزة استخباراته؛ حتى نقلت أول زغردة فرح بالخلاص من ذلك الطاغية الذي أجهز على الحلم العربي وحارب الضمير الوطني وذبح المنظومة الأخلاقية والدينية وكان حارسا أمينا للبوابة الإسرائيلية وحاصر الأهل في غزة حتى في حبة الآسبيرين.
وخلال تلك الأحداث؛ عملت الجزيرة على محاولات نفض الغبار وتكسير أغلال وقيود الاستبداد وتحطيم حاجز الخوف لدى أبناء الشعب العربي؛ فانطلقت المظاهرات والمسيرات في مختلف الدول العربية؛ واختلفت ردات فعل الأنظمة في التعامل مع هذا الحراك الشعبي. وردا على ذلك الأسلوب القمعي والوحشي؛ الذي واجهت به أنظمة ليبيا واليمن وسوريا الثوار؛ بدأت الثورة في هذه البلدان سلمية قبل أن تحولها الأنظمة الحاكمة إلى حرب طاحنة على رغبة شعوبها في الحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية؛ وكان قادة الكلمة وفرسان الصحافة من مراسلي الجزيرة في مقدمة قوافل الثوار؛ حيث ضحوا بأرواحهم بل ودفعوا دماءهم الغالية رخيصة في سبيل نقل الحقيقة إلى المشاهد.
وقبل هذا وذاك؛ تعرضت مكاتب الجزيرة للتضييق والإغلاق في معظم البلدان العربية إن لم يكن جميعها؛ بدءا بالعراق والكويت مرورا بالأردن واليمن ومصر والمغرب والجزائر وليبيا وتونس؛ فيما اكتفت دول البحرين والسعودية وسوريا بالتضييق على مراسليها وإخضاع أنشطتهم الصحفية للرقيب الأمني.
وتتخذ الأبواق المذكورة من وجود القاعدة الأمريكية في السيلية والتدخل الأجنبي المساند "ظاهرا" للثوار يافطة لاستخدامها دليلا على ضلوع القناة في مخطط قطري غربي للإجهاز على الوطن العربي؛ وهو ما تفنده ملاحقة البنتاغون لمراسلي ومصوري القناة؛ فضلا عن أن هؤلاء "المتباكون على الأوطان" يضعون رؤوسهم في التراب ويتجاهلون حقيقة واضحة وجلية وهي أن هذه الأنظمة الشمولية لم تقدم لنا دليلا على محبة الأوطان غير تلك الأناشيد والأغاني المبتورة من سياقها الديني والتاريخي؛ ولم تحقق من مؤشرات التنمية الاقتصادية لبلدانها أكثر من تكديس مليارات الدولارات في بنوك الغرب لتغطية نفقات إجازة وعلاج تلك الرؤوس الفاسدة.
ألم يسحل هذا الوطن بفعل القمع والتنكيل الذي تمارسه تلك الديكتاتوريات التي باضت فيه وفرخت على بعد فراسخ من العصابات العبرية المغتصبة للأرض والعرض ولم تطلق تجاهها رصاصة واحدة؟
إذا كان هؤلاء يتساءلون حول دلالة اصطفاف الغرب والجزيرة مع الثورة الليبية والسورية؛ فكيف يفسرون تحالف العسكر في مصر مع التيارات الليبرالية والقومية وفلول الدولة العميقة والأنظمة الشمولية المعادية تقليديا للصحوة العربية والإسلامية؟ وكيف يفسرون تحالف إيران الفارسية – التي حاربت البعث في العراق وقتلت أهل السنة – وحزب الله الشيعي مع النظام النصيري "البعثي" الطائفي المقيت في سوريا؟
تلك أسئلة ينبغي لنا جميعا أن نتأمل في دلالاتها.
خطري بن عبد الرحمن
كاتب موريتاني


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!