التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:07:29 غرينتش


تاريخ الإضافة : 19.09.2013 20:44:18

الانتخابات القادمة وإشكالية من نحن ومن نرشح؟

د.سيدي المختار أحمد طالب

د.سيدي المختار أحمد طالب

ظهر الفساد في البر والبحر في عالمنا وأوجد المفكرون مفهوم التحزب وطوروه حتى أوصلوه إلى الديمقراطية وجعلوا التعددية السياسية أفضل وسيلة للحكم وأنجع أداة للتنمية ولمحاربة مختلف أمراض المجتمع. فرغم معظم الدول على السماح بإنشاء الأحزاب وأصبح كل حزب يعبر عن وجهة نظر معينة عبر مشروع مجتمع غالبا ما يشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ليمكن تطبيق ذلك المشروع من خلق تنمية شاملة هدفها الانسان ووسيلتها شحذ همته وتوظيف طاقاته الذهنية والبدنية.

ومن هنا صار من البدهي أن الحزب ليس غاية في حد ذاته وإنما هو وسيلة للوصول إلى الحكم وتنفيذ برنامج يصلح المجتمع ويحصنه ويقوي لحمة مكوناته ويجلب له السعادة والرفاهية وهي أمور لا تنال إلا بسلطان العلم والتكنولوجيا وهما مفتاح التنمية بأبعادها المختلفة ومفتاح القضاء على الجهل والفقر والمرض وأنواع التمييز بين فئات المجتمع وبين أفراد كل فئة على حده.

وفي دولتنا العصرية تم إنشاء ما يزيد على ثمانين حزبا سياسيا يسعى قادتها إلى الوصول إلى رأس هرم السلطة والتصدي لظاهرة الفساد والتي عمت وهانت منذ 1978 داخل حدودنا البرية والبحرية، ويبقى الأمل هنا معقودا على محمد ولد عبد العزيز ليحد من الفساد حتى يخص أثره ويلين. وقد لا يرى الكثيرون هذه الأيام تقلب وجه السيد رئيس الجمهورية في السماء يرجو التوفيق لفريق الاتحاد من أجل الجمهورية في اختيار المرشح الأكثر حظا في النجاح وليس الأكثر علاقة داخل الحزب أو مالا يؤثر به في اتخاذ القرار مثلما عهدنا سابقا‘ فلا يستغرب أحد أن هذه الإشكالية تعرق فخامته أكثر من غيرها كمن سيشارك ومن سيقاطع الانتخابات المبرمجة والتي لا نرى في الساحة من يصدق تنظيمها في الآجال المحددة لها حتى الآن.

نعم إن أي حزب قرر المشاركة في الانتخابات القادمة لا بد أنه منشغل هذه الأيام بإعادة النظر في سوسيولوجيا المجتمع الموريتاني وسيكولوجيته وفي معضلة اختيار مرشحيه بحيث يراعي فرصة النجاح ويوائم بينها ومرضاة كل الطامعين في الغنيمة‘ ولا أحد يحسد الاتحاد من أجل الجمهورية على وضعيته وهو الذي يواجه متنفذينن من داخل صفوفه والدولة ووجهاء تقليديين (شيوخ وأشياخ) وأصحاب مال وعلاقات‘ وتبقى الصعوبة الكبرى مطروحة بالنسبة للحزب الحاكم على مستوى المدن والقرى الصغيرة حيث تغلب على كل منطق آخر الصراعات بين المجموعات القبلية والأثنية والحساسيات السياسية.

ومما يزيد المهمة صعوبة على أعضاء اللجان الخاصة بموضوع الانتخابات عموما ضعف قيمة الفرد المرشح (استقامته الدينية والأخلاقية ومؤهلاته العلمية ونزاهته في التسيير) بالنسبة للناخبين مقارنة بدور المال والقبيلة والانتماء العقدي وكذلك دور الجهوية والتحالفات القبلية التقليدية ثم الأحقاد التاريخية المبنية أساسا على حروب وصراعات جرت في الماضي البعيد أو ممارسات تتعلق بالظلم الاجتماعي الذي مورس تاريخيا على بعض الطبقات الاجتماعية.

المــــــــــال:

وبخصوص المال فلا يختلف اثنان على أنه يتحكم في العملية السياسية برمتها بدءا باختيار المرشحين و توزيع المناصب في المجالس البلدية وهيئات البرلمان ومرورا بتنظيم الحملات الانتخابية وانتهاء باصطفاء بعض المنتخبين للمشاركة في التشكيلة الحكومية أو احتلال مناصب أخرى لا تقل أهمية ماديا ومعنويا. وفي هذا المجال يستحيل على أي حزب راغب في تحقيق أغلبية في الانتخابات المرتقبة أن يتجاهل الذين جمعوا ثروة هائلة في العقود الماضية سواء منهم من أسر التوبة أو جهر بها ومن جحد أو أعلن كفره بحرب عزيز على الفساد والمفسدين. وقد يكون هذا التوجه بمثابة العدول عن شعار تغيير الطبقة السياسية الذي استحال تحقيقه حتى الآن اللهم إذا كان الوزراء ورؤساء الشركات والوكالات الذين تركوا في مناصبهم مدة طويلة قد يشكلون نواة لطبقة جديدة ستمتهن السياسة في المراحل اللاحقة‘ كان ذلك أو لم يكن نرى من الضروري أن يرفع في الحملة الرئاسية القادمة شعار تغيير طبقة المسيرين للشأن العام أو إعادة الاعتبار للكفاءة الفنية.

القبيــــــلة:

إن علاقة التقطيع الإداري بتوزيع القبائل كما وكيفا قد وظفت في الماضي عندما جعلت التركبة السكانية مبررا وأساسا في تقاسم الوظائف الانتخابية وأداة فعالة لمراقبة نتيجة الصناديق في كل الدوائر الانتخابية إذ سهلت تلك العلاقة على حاكم الدولة إرجاء المسؤلية في النتائج إلى إطار في الدولة يحتل منصبا ساميا أو إلى وجيه محلى يتمتع في المقابل بمزايا مادية ومعنوية من لدن القيادة العليا للدولة والسلطات المحلية. وأرجو هنا أن لا يغيب عن زملائي في الاتحاد من أجل الجمهورية أولا أنه يمكن لقبيلة ما أن تكون أكثرية على مستوى قرية معينة أو مدينة دون أن تكون أكثرية في الانتماء للحزب الذي يعطيها هذا الامتياز وثانيا أن الاعتراف الدائم بأسرة معينة على مستوى ما وإعطائها كل أنواع التفضيل قد يدفع بالأقليات المساكنة لها إلى التوحد ومعاقبة الحزب بتصويتها لحزب آخر قد لا يكون حزب الحراك الذي يراد له ـ بعيد استحالة الترشيح الحرـ أن يكون بديلا لمن اغتاظ على لاتحاد من أجل الجمهورية وملجأ له ظرفيا.

فمن المعلوم أن تلك الأسر التي تمكنت بفضل دور تاريخي لعبته أن تكسب ثقة الشعب والدولة لفترة ما أصبحت تواجه منافسة قوية من أسر وشخصيات جدد اكتسبوا مالا وبنوا مجدا جديدا وعلاقة ثقة مع الدولة بحيث أصبحوا في بعض الأحيان أصحاب الحل والعقد في مناطقهم‘ والمجموعتان لا تزالان تمارسان سياسة التغييب في مناطق نفوذهما ضد أبناء عمومتهما وغيرهم تجنبا لخلق البديل عنهما لدى كل نظام يقوم في البلاد ولا تزالان أيضا تعملان باستمرار على سد الباب أمام ترشيح وتعيين من أراد الخروج عن السيطرة حتى لا يجد فرصة قد تغير أوضاعه المادية والمعنوية وتزيد من عصيانه.

وهناك أمر آخر له علاقة مباشرة بالقبيلة وتداعياته قد تؤثر سلبا في صفوف الاتحاد من أجل الجمهورية ألا وهو وضع معايير لاختيار المرشحين لمنصب العمدة والنائب والشيخ وتطبيقها مركزيا وذلك في الوقت الذي اعتمد فيه الحزب مقاربة جديدة تمثلت في استقبال لوائح متعددة عن المكان الواحد وللمنصب الواحد وهي المقاربة التي يؤخذ عليها من بين أمور أخرى إعطاء أمل لمن لا يملك في الواقع أي مقومات تؤهله للمنصب الذي حلم بتوليه ضمن لائحة الله وحده أعلم بالمنطق التي أسست عليه وبحظوظها في النجاح. فخطر إقصاء لوائح أو دمج كل اللوائح صمن لائحة موحدة قائم وقد لا تحمد عقباه.

الانتماء العقدي والمبدئي:

لقد أدرك الجميع في أيامنا تراجع الأحزاب الإيديولوجية أو دورها بعد انهيار الدول المرجعية والداعمة لها وصعود الإسلام واليمين المتطرف الذي يؤمن بالمفهوم الضيق للدولة أو للقومية أو للجنس وحتى للدين أحيانا. ولدولتنا نصيبها من هذا التوجه الجديد وعليها أن تأخذه في الحسبان في سياساتها عموما وعند وضع استراتيجيتها الرامية خاصة إلى تغيير الحكومة وتنظيم الاستحقاقات المرتقبة. فتعدد القوميات ووجود فطرة سليمة دينية وفوارق اجتماعية وتفاوت في المال والثقافة تشكل إما تربة صالحة لمن استعمل بذورا محسنة ومنتقاة وإما ماء عكرا قد يصطاد فيه بعض منا ومن والاه من أعداء الأمة كل تفريط أو إفراط يحصل من طرف القائمين على الشأن العام أو ممن فوضوه.

ومن المهم أن نذكر هنا أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في بلادنا لها جمهور حقيقي شبه ثابت منه من يؤمن بمبادئ يضحي بنفسه وماله ووقته أكثر من قادته في سبيل تحقيقها ومنه من يتأثر بعوامل متعددة أهمها الفطرة والجهة والقبيلة والمنفعة أحيانا.

أما أحزاب النخبة وأحزاب النظرة الضيقة مثل اليمين المتطرف في الغرب وفي الكثير من الدول النامية فهي عبارة عن مجموعات تنشط كنواد تشجع أفرادها على العمل الجماعي ثقة بنوها أيام العز ويسهل توظيفها في سبيل المصالح المشتركة‘ وكل من هذه الأحزاب تدرك ضآلة فرصها في الوصول إلى السلطة في الظروف الحالية ولذا نرى عملها يتلخص أساسا إما في توعية الناس حول قضايا بعينها وضمن رؤى خاصة أوفي مناورات سياسية مع كل نظام حكم بغية الحصول على بعض المكاسب.

وهناك حزب الدولة أي الحزب الذي يتبناه الحاكم وهو كشكول يتشكل عادة من صنفين من الناس أولهما ـ وهو الغالبية العظمىـ تربط بينه وبين الحاكم علاقة مصالح مشتركة. فالحاكم يدرك عدم قدرتهم على مساعدته في الوصول إلى سدة الرئاسة ولكن يستغل ـوبطيب خاطرـ خبرتهم في إبقاء من احتل الكرسي في مكانه ما دامت صناديق الاقتراع هي الفيصل‘ والصنف الآخر من الكشكول يمثله من اقتنع بشخصية الحاكم أو بمصداقيته من خلال بعض أفكاره أو أجزاء من برنامجه أو من اعتبره الأفضل بين الخيارات المطروحة إبان الاستحقاقات‘ وولاء هؤلاء مرهون في الظروف العادية بالإنجازات وباق ما لم يظهر من يستشف فيه خيرا أكثر‘ ولا غرابة في أن يمثل المواطنون البسطاء الغالبية العظمى لهذا الصنف الأخير وهو الذي أعطى أصواته 2009 لمحمد ولد عبد العزيز عندما ما وفق في الحد من دور الوسطاء التقليديين وفي رفع شعار محاربة الفساد والمفسدين وكذا العمل لصالح الفئات المحرومة من الشعب والتي همشتها الأحكام السابقة منذ الاستقلال.

والمجموعة الأكثر عددا من الأحزاب تعتبر أوصال تراخيصها بطاقات تعريف لأصحابها ووسيلة ولوج إلى البحر لمن لا يحسن العوم‘ وبما أن في الحركة بركة كما يقال فإننا نرى دائما هذه الأحزاب تدور في فلك الأقطاب الرئيسة وتعقد تحالفات هنا وهناك كلما سخنت الساحة السياسية وعز الحلفاء ولو كانوا رمزيين.

وأخيرا هناك في ساحتنا السياسية مجموعة أحزاب قليلة العدد نجد فيها كل الأوصاف والنعوت التي تشتمل عليها أنواع الأحزاب السابقة وقد يعرفها القارئ من خلال صراعها على المرتبة الثانية بعد الاتحاد من أجل الجمهورية مع حزب الإسلاميين الأكثر انتشارا في الساحة الموريتانية. وحسب بعض المراقبين فإن هذا الصراع حول من يحقق أكبر نتيجة يرجى من ورائه تولي قيادة هيئة المعارضة الديمقراطية أو رئاسة البرلمان أو منصب الوزير الأول.

وإذا كان ما قيل من تحصيل حاصل قد يعطي لمحة ولو بسيطة عن "من نحن" فإن الجواب على "من نرشح" ليس بالأمر الهين وأتمنى على من يهمه الأمر أن يغوص في عمق واقع موريتانيا من حيث تعدد القوميات وطبقية المجتمع وفوارق مستوياته المادية والثقافية وأن يدخل سياسة التمييز الإيجابي في مقاربته وعليه أيضا ـ إن أراد الإصلاح والإصلاح فقط ـ أن يردد دائما وهو يفكر ويعمل <وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب> صدق الله العظيم.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!