التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:07:16 غرينتش


تاريخ الإضافة : 21.09.2013 12:48:11

موريتانيا.. "الهروب الكبير"

محمد سعدنا ولد الطالب

محمد سعدنا ولد الطالب

تغرق نواكشوط في مستنقعاتها، وتستحيل السيارات إلى زوارق تتقاذفها الأمواج، ويهرب سكان أحياء بكاملها إلى الأطراف، تغرق سوق "بريمير"، تتحول "سينكيم" و"سيزيم" إلى مكب نفايات عائم، يحاصر ساكنة بعض أحياء تفرغ زينه ولكصر، وبشكل مثير ترتفع بورصة المنازل واالقطع الأرضية في الأطراف وتصبح "تنويش" مثلا مقصدا للهاربين من المناطق الغارقة.

وفجأة وفي سياق مختلف تماما يعلن الرئيس "عزيز" عجز النظام عن توفير صرف صحي لعاصمة البلاد، متعللا كالعادة بأن الأنظمة السابقة لم تستطع فعل ذلك، وكأن سيادته جاء ليستكمل دورة العجز وليواصل مشوار "اللافعل"، ولم يستطع حاملوا المباخر وملمعوا أحذية السلطان أن ينبسوا ببنت شفة حول هذا الأمر، فكل كلام السيد الرئيس "منطقي"، رغم أنه لا منطق إطلاقا في أن يعلن رئيس دولة عجز نظامه عن حماية عاصمة بلده من الغرق.

وواصلت الحياة دورتها، فصهاريج الشفط تكفي، والموريتانيون بطبعهم ينسون بسرعة، وبعد أسابيع قليلة، ستبقى مشاهد نواكشوط الغارقة في العفن مجرد ذكرى، فلماذا الاكثراث، تلك هي فلسفة نظام عزيز كماهي فلسفة كل سابقيه، ولتذهب أحلامنا في عاصمة "ناشفة" إلى الجحيم..

"الهروب الكبير"
عمرت وزارة" ولد محمد لغظف" أكثر مما يجب، بين كل حين وآخر كانت تظهر شائعات وتوقعات عن تغيير وزاري مرتقب، وفي كل مرة كان "الحاكم بأمر نفسه" يخالف التوقعات ويبقي على وزراءه في مقاعدهم، يكتفي بتوبيخهم وتقريعهم، وأحيانا ربما تكون قرصة أذن كافية، ليعلم هذا الوزير أو ذاك أن حدود التحرك مرسومة وأن دوره أن يبصم فقط على ما يقرره الزعيم، ولكن يوم السابع عشر من سبتمبر كان يوما مختلفا، بدون سابق إنذار أعاد العزيز تشكيل طاقمه الحكومي، بعد استشارة الوزير الأول (اضحكوا يرحمكم الله).

ورغم التفاصيل المتعلقة بالتشكيل الحكومي الجديد، إلا أن مربط الفرس والتغيير الأبرز كان إسناد وزارة الخارجية "مطبخ السياسة الخارجية"، إلى سفير سابق في إسرائيل، وإسناد لأمانة العامة للحكومة (سكرتاريا تنسيق العمل الحكومي" إلى محاسب سابق في السفارة الموريتانية في الكيان الإسرائيلي..

مرت التعيينات على قلوب "الطيبين" مرور الكرام، لم يقرؤوا في الأمر أبعد من تغيير حكومي عادي، وذهبوا كالعادة يستفسرون عن الانتماءات القبلية والجهودية للوزراء الجدد، بينما رأى فيها قارئو ما بين السطر رسالة ليست إطلاقا "بريئة" بأن ثمة "هروبا كبيرا" من استحقاقات داخلية محرجة فئوية وعرقية وسياسية، و"تحصينا" لقرارت صادمة ربما يتم اتخاذها في المستقبل، لتضمن ألا تخرج السلطة من يد "ملاكها الجدد" مهما عظمت التحديات، ولعل السعي للتهدئة مع المعارضة ربما يندرج ضمن إطار تسوية تعطي للطامعين بعض الفتات، وتبقي "الوجبة الدسمة" في يد المجموعة الحاكمة بتفرعاتها العسكر- قبلية..

"إني أتوجس"
قبل سنوات، تعالت الزغاريد والتصفيقات حينما كانت الجرافات تزيل مبنى سفارة الكيان الإسرائيلي في نواكشوط، اليوم وبعد قراءة التغيير الحكومي الأخير وبعض المؤشرات الأخرى، أضع يدي على قلبي، خوفا من أن يعود "طلع الشياطين" إلى النبات مجددا في عاصمة بلدي..


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!