التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:05:26 غرينتش


تاريخ الإضافة : 24.09.2013 16:50:07

هل استطاع مسعود الوطني أن يتجاوز مسعود الحرطاني؟

الأستاذ: الحسن ولد محمد

الأستاذ: الحسن ولد محمد

وأخيرا تجسد الحلم حلم كان بعيد المنال، حلم شريحة لطالما تمنت أن تخرج من أغلال عبودية الدونية قبل الجسدية، إلى فضاء الإنسانية الرحب، ذلك أنه ليس من العدل أن يبقى الإنسان محكوم بهوية لقيطة، وضنك عيش يكابد إثره ذلك الجزء المجهول من الهوية، نعم كنا بلا هوية، وكنا بلا منزلة اجتماعية، وحتى كنا محكوم علينا بأن نكون لا شيء.

تجاوزنا كل هذه العقبات شيئا فشيئا مع الزمن وما زال ينقصنا الكثير، لكن هنالك حقيقة يجب أن نستغلها أحسن استغلال وهي أننا أن أنجبنا مناضل ورمز ألا وهو الزعيم مسعود ولد بلخير، وهو المشهد الذي كان ينقص من أن تكتمل فصول القصة يتعلق الأمر بشخصية كاريزمية قيادية إذ كانت بمثابة ميلاد حقبة كنا فيها نكتفي بذلك الدور الدفاعي المكتفي بالتحرر من نير العبودية والبحث عن مكانة لشريحة الحراطين.

فكان أن حبانا الله بشخصية بتلك الصفات القيادية تحاور الآخر وتقنعه بنفسها، فكان أن ارتقينا إلى هذا المقام العالي بعد جهد جهيد ونضال مستميت فكانت قصة العم سامي وكاريزمية الزعيم مسعود ولد بلخير الذي سرق قلوب الموريتانيين بفضل نضال ووطنية قل نظيرها.

إن حديثنا هنا لا يعدو أن يكون كتابة لسطور مفعمة بالأحداث، إنها قصة رومانسية لرجل قادم من رحم معاناة تفوق الخيال، بدأت بفرع الكتان ولم تزل تمتد كسلسلة متصلة الحلقات حتى انبثقت عن رمز الرموز، أجل إنها ثنائية مسعود والمعاناة، إنها مأساة لكنها أيضا هي الإرادة، هي العزيمة، هي الصمود، ولكنها أيضا مع ذلك مسيرة لقافلة لا تعرف التوقف إلا عندما تنال فجر حريتها في زمن السادة وسدنتهم والاستعباديون والمتعصبون لهم، فمن موطن الأهل والديار ذاق هذا الرجل الأمرين، وشهد على عصر موغل في أبشع أصناف العبودية التي طالت أقرب أهل بيته، وربما هنالك حقيقة لا يدركها كثير من الناس أن الزعيم مسعود لم يتعلم النضال لا من مارتن لوثر كينغ، ولا من روزا باركيس التي صرخت في وجه المتسلط الجبار (لن أترك مقعدي، لقد سئمت كل هذا).

ولكنه استعار النضال من والدته التي مثلت رمزا للتحدي والنضال في وجه سادة لا يرحمون فهزمت سياطهم وقسوتهم وهوان الناس عليهم وصرعت جبروتهم وهي المرأة الضعيفة القوية بإرادتها ليس لها من عصب ولا قبيل تأوي إليه سوى ثقافة من جامبور، لا تعرف الخوف ولا الرضوخ للظلم والحيف، إنها امرأة كانت وراء ميلاد عظيم وهو الذي سمعناه أكثر من مرة يقول (أنا عبد امجمبر).

وجامبور لمن لا يعرف مصطلح جامبور: هي جماعة من أهل النار على حسب تعريف الاستعباديون ذلك أن العبد إذا أغضب سيده فإنه يائس من رحمة الله، إذن هم ثوار العبودية.

دار الزمان دورته وتململت الأحداث وكان البعض يظن أن الزعيم مسعود ولد بلخير بحكم تاريخه القاتم الجهنمي مع السادة سيحمل ضغينة وحقدا على هؤلاء السادة وأنه لم يعيش بسلام على أديم أرض أذاقه سادتها مرارة الزمن الحزين، ولكن في صميم هذه الثورة مناضل أبى إلا أن يستخرج من أغلال العبودية عشق في أنصع وأنقى الإخلاص الروحي للإنسانية في أبهى براءتها ومثاليتها، فكانت بصمة التسامح هي السمة البارزة في مواقف الرجل الوطنية متجاوزا ذلك العبد المغلوب على أمره الذي تجاوز ماضي أسياده الذين كانوا يريدونه عبدا ذليلا حتى لا يخلد في النار التي كانوا يحرقون بها كل من قال لا متوكئين على نصوص دينية مقدسة هم من يحق له أن يفسرها على مقاسه إن هذه الثورة التي بلغت ذروة القمة في وجدان هذا الزعيم ما فتئت تسامح وتعانق وتنسى عبثية العبودية القاتمة حتى امتلكت قلب سيدها وناولته غصن الزيتون إذ بات مفتونا بها فكان درب الزعيم يستقي قيمه من الصدق والأمانة والتسامح، بدل الحقد والانتقام والتشفي، انسجاما مع مقولته المشهورة: (أنا أنسى كل من ظلمني، ولا أنسى من أنصفني أو أسدى لي معروفا).

فمن خلال هذه الرحلة المقتضبة يمكن تقسيم مراحل النضال عند الرجل بثلاثة مراحل:

1. مسعود العبد؛
2. مسعود الحرطاني؛
3. مسعود الوطني، وهو مسعود في قلوب كل الموريتانيين، خاصة أولئك الذين يماهون بين بياض العين وسوادها في الاستئناس بخلق فضاء الوحدة الوطنية الجامعة المانعة لكل الموريتانيين الذين هم حريصون على الانسجام والتواصل الأخلاقي، الذين يدركون أن هذا الوطن هو الخيط الذي يربط بين الكل، فعلينا جميعا أن نوطده، ونقوي أركانه حتى لا تغرق بنا سفينة التشرذم والخلافات وروح الانتقام يقول الرئيس مسعود: (ليس لي من وطن سوى موريتانيا، إن موريتانيا غالية علي).

ويبقى الإشكال الكبير الذي يطرح نفسه أنه ما دام مسعود قرر أن يكون مسعود الوطني وما دامت أمهات العبيد استطعن أن ينجبن هكذا زعماء، هل من حق شريحة الحراطين أن تحتكر مثل هذا النوع من الوطنيين المخلصين لنفسها، وأن تغلق على نضاله في مساحة فئوية؟ أليس من حق كل الموريتانيين أن يحظوا بهذه الروح المثالية التي تجاوزت كل الشخصيات في هذا البلد وبشهادة من قبل كل الموريتانيين والشواهد لا تحصى ولا تعد، إذ أن مواقف هذه الشخصية الوطنية لم يعد البلد قادر على أن يمضي بسلام بدون آراء ومواقف ونصائح وحكم الزعيم مسعود ولد بلخير.

فلأولئك الذين يكتفون بمسعود الحرطاني ولا يقبلون منه سوى أن يكون مسعود الشريحة أقول إننا معشر الحراطين لن نصل إلى العلى حتى نقتنع بأن لحظة التسامي قد حانت وأننا صرنا جاهزون أن نقود الآخر وأنه إثر ذلك، علينا أن نتعامل مع موضوع العبيد والحراطين كجزء من الكل حتى نصل إلى قلب الحدث والأحداث في محورية الوجود، فالقوقعة على الذات معناه أننا نقر بأننا لسنا أهلا لقيادة الآخر، ذلك الآخر الذي نشترك معه في التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك.

إن الارتقاء الممدوح هو ذلك الذي تتجاوز فيه الذات ذاتها إلى الآخر لتقنعه بأنها جديرة بأن تتواصل معه بإيجابية، إن الخطاب الفئوي بإمكانه أن يتطور بنمط حضاري حتى يتجاوز ذاته كما تجاوز مسعود الحرطاني إلى مسعود الوطني، ليتمكن هذا الخطاب من أن يلامس وجدان اللاشعور للفئات الأخرى، فليس من العدل ولا من الإنصاف أن نقود من نتوعدهم ونحاسبهم عبر تاريخ مفعم بالمآسي فالخطاب هنا والسلوك هنا يجب أن يكون مليء بمعاني سامية ملؤها التسامح والتسامي والتعاطي والحوار مع ذلك الآخر الذي بحاجة إلى الاطمئنان اتجاهنا لأن ذلك الآخر ما زال متسيدا ومتحكما في كل تلك المقاليد التي تعتبر وسائل للتحكم من الناحية الكيفية، فالسؤال الذي يجب أن يطرحه الحراطين على أنفسهم هل يودوا أن يكونوا قادة البلد أم يودون أن يكونوا زعماء لشريحة الحراطين وحدها؟ وهل يبحثون عن دولة اسمها دولة الحراطين تعد برمي الآخر في البحر؟

إن علينا أن نتأمل هذا الواقع الذي نعيشه بكل عقلانية بعيدا عن الاحتكام إلى العواطف وأن نخرج من هذه الزاوية الضيقة برمز الأمة الموريتانية (فجهل الأعيان مجرحة).

إن مسعود صار علما من الصنف العالي وبقدر ما يطمح المرء ينال مراده.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!