التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:05:48 غرينتش


تاريخ الإضافة : 30.09.2013 12:25:03

فرصة لتخلص الإسلاميين من تجربة السودان

المختار بن نافع

المختار بن نافع

أخيرا –وبعد هدوء في حركية الربيع العربي- تصل موجة الثورات الشعبية إلى السودان في حراك بدايته اقتصادية ولكنه سرعان ما اتخذ طابعا سياسيا، ولأن النظام السوداني "عربي قح" لم يختلف شيئا في ردة فعله عن ردات فعل الأنظمة السابقة: القمع والقتل والاعتقال، والتشويه والحملات الإعلامية، والإصرار على عدم الاستجابة للمطالب خوفا من أن يكون ذلك إقرارا بقوة الشعب يغريه بطلب المزيد.

هذه البدايات التي يعرفها السودان الآن تطورت في بلدان أخرى إلى نهايات أسقطت أنظمة، وتطورت في أخرى إلى مسارات لا تزال مفتوحة لا يعلم هل تكون نهايتها للشعب أو للحاكم، أما مسار السودان فلم يتضح حتى الآن، وإن كان من المستبعد أن يسلك طريقا خاصا يبتكره هذا النظام الذي يدعي انه يختلف عن بقية الأنظمة بلبوس العباءة الإسلامية، وذلك بأن يستجيب طواعية لرغبة الشعب في التغيير.


أدران الحكم


وإذا كان هذا الخيار شبه مستحيل؛ لأن النظام -وإن ادعى الاختلاف عن بقية الأنظمة- ما هو في حقيقته إلا "من غزية"، فإن ذلك لا يمنع من تمني أن يحدث هذا "المستحيل" حتى يتجنب السودان ويلات مواجهة النظام لشعبه، وحتى تسنح من ثَم فرصة للتخلص من هذا النظام الذي أساء إلى الصورة الناصعة للحكم الإسلامي، وأساء إلى تجربة حركة إسلامية أبدعت كثيرا في التنظير والإصلاح العام وحتى في إدارة الدولة في بعض مراحلها، قبل أن يعصف بكل ذلك الفشل في الحكم الشوروي الديمقراطي وما سببه من بروز أدواء حب السلطة والتنافس عليها وعلى غنائمها.

لقد كانت الحركة الإسلامية السودانية يوما ملء السمع والبصر واختطت تاريخا من الإصلاح ومن مقارعة الظلم أبدعت فيه كثيرا: من الدستور الإسلامي الذي وضعه منظرو الحركة، إلى مصالحة الفكر الإسلامي مع منظومة الحقوق المعاصرة، إلى أسلمة القوانين بعد اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا للقوانين في السودان.

ومن هذه الإنجازات العمل الجبهوي الذي ابتدعوه واستوعبوا به طاقات أطياف وطنية مختلفة في "الجبهة القومية الإسلامية"، ومنها التحالف مع الأنظمة لتخفيف شرها وتجنيب السودان خطر السقوط المفاجئ للأنظمة وهو البلد الذي لا يتحمل أي هزات او فراغ بسبب هلهلة نسيجه الطائفي والعرقي، و قد حدثت هذه التحالفات في زمن كانت أطياف من الإسلاميين متوجسة جدا من أي طرف لا يرفع لافتة الإسلام الحركي.

هذا المسار من الإصلاح السياسي ختمته الحركة بالوصول للسلطة في عملية انقلابية رغم الملاحظات على طريقتها لكنها تفهم في سياقها الزماني والمكاني، ولم يتوقف هذا الإبداع بمجرد الوصول للسلطة وإنما سلكت الحكومة التي أقاموها طريقا معقولا في إدارة البلاد كما يقول العارفون بالسودان في ذلك الوقت (يمكن الاطلاع على تقويم الأستاذ راشد الغنوشي للسنوات الأولى من حكم الحركة الإسلامية في السودان في كتابه: الحريات العامة في الدولة الإسلامية)

لكن الحركة الإسلامية السودانية فشلت في سد الثغرة التي يدخل منها الفساد دائما: السلطة والحكم، فلم تضع آليات تمكن من إقامة سلطة تعتمد على الرضى الشعبي وتمكن الشعب من محاسبة حكامه، وتحقق التناوب على السلطة، وحين طال أمد هذا الفشل برزت داخل المجموعة القيادية في الحركة الإسلامية نفسها أدواء حب السلطة والتنافس عليها وتحول اهتمام بعضهم إلى ذلك، وقد حدث ذلك بعد أن حُلت الحركة واستعيض عنها بالدولة و(الحزب لاحقا)

لذلك حين اشتد هذا التنافس: لم توجد في آليات حكم الدولة ما يخفف من غلواء هذا الصراع، ولم تعد الحركة قائمة حتى يكون لأطرها وأدبياتها وأخلاقها قدرة على تجنيب مساوئ التنازع التي انطلقت منذ ذلك الوقت فشلا وغياب فاعلية على مصداق الآية الكريمة "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"

هذا الواقع المؤلم أدركه كثير من التيار العام للحركة الإسلامية في السودان ممن لم ينغمسوا في صراع السلطة وجرت محاولات للتدارك وكتب كُتَّاب من إسلاميي السودان عن حيثيات فشل التجربة لنقل الوعي بهذه الحقيقة وأسبابها لإسلاميي السودان وغيرهم لتجنب أخطائها، ومن ذلك كتاب " الترابي والإنقاذ...صراع الهوية والهوى" بعنوانه الفرعي الصريح: "صراع الإسلاميين على السلطة... من مذكرة العشرة إلى مذكرة التفاهم مع كرنك" للدكتور عبد الرحيم عمر الذي سجل فيه بالتفصيل والوقائع وشهادات المعنيين كيف ومتى عصف "حب الرياسة" بتجربة كانت محط آمال الأمة.

ومن ما يسجله هذا الكتاب –مما له صلة مباشرة بفكرة هذا المقال" أن محاولة جرت للم شمل الحركة الإسلامية والخروج بها من صراع مجموعة البشير ومجموعة الترابي، لكن النظام والمجموعة المرتبطة به استطاعت أن تستغل ههذ الجهود لصالحها فانتهت هذه المحاولة بخلق كيان تابع لحزب المؤتمر الحاكم بنص أنظمته وانتخاب رجال النظام قادة لهذا الكيان.


العاقل من اتعظ بغيره


الغرض من هذا العرض هو البرهنة على أن سقوط نظام البشير وزملائه من العسكر ومشايعيهم من المدنيين قد يتيح فرصة للإسلاميين في السودان ليفتحوا صفحة جديدة في تاريخ الإصلاح الإسلامي بعد الاعتذار للشعب السوداني عن أخطائهم والبناء على إيجابيات تجربتهم تنظيرا وتطبيقا، واستدراك بعض نواقصها التي منها: عدم التوازن بين التوغل السياسي والتأسيس التربوي، كما يرى بعض المنظرين الإسلاميين (محمد أحمد الراشد مثلا)

هذه الفرصة ستكون أكثر إمكانية إن تعقل البشير والمحيطين به من الإسلاميين وخرجوا من السلطة بطريقة سلمية واختيارية وبأيديهم، قبل أن ترمي بهم "يد قصير" بعيدا... "وأنى لهم التناوش من مكان بعيد"

وكما يمنح خروج كهذا لإسلاميي السودان فرصة للتدارك: فإنه يمنح لكل الإسلاميين فرصة للتخلص من تجربة حكم شوهت الأنموذج الذي وعدوا الناس به؛ فإذا انتهت هذه التجربة و امتلك الإسلاميون الشجاعة والإنصاف ليقولوا إنها كانت تجربة خاطئة و أنهم أدركوا أسباب أخطائها و أدركوا أنهم غير معصومين من الوقوع مستقبلا في مثلها، ولكنهم سيبذلون الجهد لتفاديها فسيكون ذلك مفيدا في تنقية نموذج الحكم الإسلامي ومزيلا للبس عند الناس.

أما إذا أدركت الإسلاميين "حمية العصبية الأيديولوجية" وكرروا ما فعله القوميون مع أنظمتهم التي حاولت كبت أشواق الحرية، فاتخذوا من شعار الإسلام الذي يتدثر به عسكر السودان ذريعة مثل ذريعة شعار الممانعة الذي تبرقعت به أنظمة القوميين...فلا ينتظرو أن يوصلهم تشابه المقدمات إلا إلى تشابه النتائج.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!