التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:01:38 غرينتش


تاريخ الإضافة : 30.09.2013 18:26:43

الحراك الشبابي: حزب تضعه الانتخابات في الواجهة من جديد

د.سيدي المختار أحمد طالب

د.سيدي المختار أحمد طالب

اشتعلت نار الاحتجاجات في الوطن العربي مع نهاية 2010 وتطورت في ظرف قياسي إلى فوضى خلقت بوادر نهاية حلم العربي في وحدة وطنه والمسلم في إقامة خلافته أو حتى بناء دولة مسلمة تؤمن بالديمقراطية وتسعى للمعايشة السلمية وإلى التفاعل الإيجابي مع باقي دول العالم في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب.

ومع مطلع 2011 أرادت طائفة من الناس أن يكون لموريتانيا الحبيبة حظ من ربيع قطف الأعداء أزهاره وتركوا أشجارا مليئة بأشواك ستصيب لا محالة من صدقوا الأكذوبة وعمت بصيرتهم فرحة غياب رموز للفساد تركوا خلفهم جيلا يؤتمن على الثأر ويقدر على متابعة المسيرة التقليدية دون تردد ولا خجل. ومن أبرز مكونات الطائفة المذكورة "حركة شباب 25 فبراير" و"حراك عمدة أوجفت" و"حركة لا تلمس جنسيتي" بالإضافة إلى من مدهم بمختلف أنواع العون والتأطير وحاول مع الوقت دفعهم إلى عمل فوضوي متصاعد يؤدي في النهاية إلى رحيل ولد عبد العزيز وإلى القضاء على الأساس الذي شرع في وضعه لنظامه (محاولة استنساخ الربيع العربي في موريتانيا).

وإثر التجاذبات السياسية التي عرفتها الساحة الوطنية بين هذه المجموعة والمعارضة من جهة وبين النظام وموالاته من جهة أخرى ظهرت مستجدات عديدة من بينها حزب الحراك الشبابي من أجل الوطن الذي وجد لشفط المعتدلين في الطرح والمغرور بهم في اليسار يقول النظام أما المعارضة فتصف من استطاع النظام امتصاص نقمتهم وتدجينهم داخل قفص الحراك بالخونة الطامعين في سراب قد لا يجده الظمآن ماء. وفي وقت لاحق من عمله عرف هذا الحزب هزات يقال أنها ميزت الخبيث من الطيب أي أبرزت فسطاط المتعجلين في الحصول على المكافأة وقطف ثمار ما بذروه وبين فسطاط من صبروا إيمانا بنبل الأهداف أو إدراكا منهم لأهمية مولودهم الجديد لدى رئيس الدولة وقناعتهم بأن سيادته سيواكبه ويمده بالدعم المطلوب آجلا أم عاجلا. وفي خضم عراك الفسطاطين استبشر أولوا العزم من الحراكيين خيرا بعيد الترقية الأولى لرئيسة حزبهم وسرعان ما تمت الفرحة لديهم وزالت كل الشكوك حول دور حزبهم عندما عينت السيدة الرئيسة وزيرة للشباب وللرياضة ولشيء آخر ينقض الكثير من سياسيي البلد. وقد اعتبر بعض المراقبين أن ذلك الإجراء سيكون له مفعول فيتامين k في إيقاف نزيف الاستقالات وتجميد العضوية التي تعرض لها الحزب في تلك الآونة وأنه سيزيد الثقة بين مناضليه وإصرارهم على مواصلة المشوار معا كما سيشجع الشباب عموما إلى الانضمام إلى إطارهم السياسي.

واليوم والحال هذه وبعد حوالي سنتين من رفع لافتاته في أماكن كثيرة من البلاد لا يزال الكثيرون يتساءلون عن الأهداف الحقيقية الكامنة وراء إنشاء حزب الحراك‘ فمن الموريتانيين من اعتبر أن هذا الحزب جاء بأمر من عزيز واستجابة لشعار تغيير الطبقة السياسية الذي رفعه في حملته الرئاسية وهو الشعار الذي كان من أبرز محاور تلك الحملة بالنسبة للذين عانوا من سياسة التغييب التي كانت تمارس ضدهم في الأحكام السابقة نتيجة تنفذ الأعيان التقليديين وأصحاب المال والمناصب السامية في الدولة وغيرهم من السماسرة.

وهناك من السياسيين من يزعم بأن ولد عبد العزيز لا يعول كثيرا على حزب الدولة في المحافظة على شعبيته ولا في زيادتها فضلا عن غيره من الأحزاب وبأن دعائم سياسة الرجل خمسة وسادسهم كلبهم: (1) العناية بالقوات المسلحة وقوات الأمن (2) الوفاء بتعهداته اتجاه الطبقات التي همشتها الأحكام السابقة وحرمتها من الكثير من حقوقها (3) تنويع الجهات التي يتعامل معها أي الحد من التعامل مع وسطاء الماضي وتجار أصوات الشعب البسيط وفرز شركاء جدد ثم التمهيد لخلق وتطوير طبقة سياسية جديدة (4) التعامل المرن مع الحركات الإسلامية الموريتانية والعمل على خدمة الإسلام وأخيرا (5) محاربة الفساد والمفسدين مع اعترافه بان النظام هو الذي يفسد المصلح ويصلح المفسد والله يعلم المصلح من المفسد (كم صالح بفساد آخر يفسد والعكس صحيح). والجنود المجهولون (عسكريون ومدنيون) هم كلب أصحاب الكهف أي هم الدعامة السادسة لسياسة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الحفاظ على الكرسي حتى تتجسد معالم موريتانيا الجديدة وتترسخ مفاهيمها وتمارس قيمها فعليا على أرض الواقع.

وفي إطار النقطة (3) المذكورة أعلاه يأتي تشجيع عزيز لتعدد الأحزاب والمبادرات الفردية والجماعية الداعمة له ولبرنامجه السياسي ونهجه في تسيير أمور الدولة بغض النظر عن مستوى قدرة الجميع على العمل الفعال في الساحة لصالحه وعن خلفية الشخصيات التي تنشط على رأس تلك الهيئات أو ضمن صفوفها. ولا غرابة في أن يكون حزب الحراك ظهر ضمن هذا السياق.

والرأي الثالث يقول إن الحراك الشبابي أنشئ ليقارع منسقية شباب المعارضة وليكون في الوقت ذاته ملجأ لمن اشتد عليهم الصراع داخل الاتحاد من أجل الجمهورية وضاقت عليهم الأرض بجيل أكل في الماضي حصته ويستميت من أجل سلب جيل عزيز حظه في الشهرة والتوظيف والمال‘ وأصحاب هذا الرأي لا يستبعدون أن يحل حزب الحراك الشبابي مستقبلا محل الاتحاد من أجل الجمهورية إذا ما نجح في تقديم نموذج مخالف لما عهدناه من تنظيم وتسيير للأحزاب السياسية في بلادنا. ولكن هذه الآراء كلها لا تبعد عن أذهان بعض الموريتانيين فرضية أن ينقلب السحر على الساحر وتعود الخريطة السياسية إلى مربع الصفر وتبدأ في التشكل من جديد على أسس قد لا تختلف كثيرا مع الأسف عن تلك التي اعتاد عليها المواطنون بعد كل تغيير لرأس هرم السلطة.

وننأى هنا بأنفسنا عن مجادلة القائلين بأن حزب الحراك الشبابي أنشئ من أجل أن يكون أداة لتغيير الطبقة السياسية في البلاد وإطارا سياسيا سيتدرب فيه جيل جديد ويتكون آخر ليتمكن الجميع من المساهمة الفعالة في بناء الوطن حاضرا وحمل الأمانة مستقبلا ولو لم تعرض عليهم. ولكن القبول بهذا الرأي يفرض من وجهة نظرنا توفر بيئة مناسبة مرتبطة بجملة من الإجراءات من أبرزها :

أ‌) تقديم الدعم المعنوي لهذا الحزب من طرف رئيس الجمهورية مثل حضوره شخصيا لنشاطاته الكبرى وتطبيق سياسة التمييز الإيجابي اتجاهه (تعيين أفراده مع إعطاء الأولوية للمنحدرين من أسر فقيرة والتركيز من بين هؤلاء على طبقات أو فئات اجتماعية عانت تاريخيا أكثر من غيرها دون أن يكون ذلك التمييز على حساب القدرات السياسية والمؤهلات العلمية والفنية (المواءمة بين مختلف هذه العوامل)‘
ب‌) تزويد الحزب بمجموعة من الأطر لها خبرة كافية وصاحبة تجربة في العمل السياسي بغية دعمه في مجالي التنظير والتأطير‘
ت‌) تشجيع رجال الأعمال وأصحاب العمل الخيري على تقديم العون المالي للحزب الذي لا يملك من رأس مال سوى فتية أمنوا بربهم واستعدوا لبذل طاقاتهم ووقتهم في سبيل أهداف أتمنوا عليها من لدن مراقب عينه ساهرة وفاحصة‘
ث‌) إقفال الباب أمام فئات عمرية معينة وأمام أصحاب السوابق المعروفين لدى عامة الموريتانيين من خلال نتائج تسييرهم الإداري والمالي سواء كان ذلك إبان الأحكام السابقة أو في ظل الحكم الحالي‘
ج‌) تبديد العدالة ونشرها داخل عمل الحزب وفي التعامل معه‘ فعلى الجهاز الحاكم في الحزب أن يعدل خاصة في ما يتعلق بتوزيع المسؤوليات الحزبية وفي الترشيح للانتخابات وفي تولى المناصب في الدولة عبر مشورته.
ح‌) إحداث الحراك لنموذج جديد لممارسة السلطة داخله كإنشاء مجلس أعلى يتكون من 5 أشخاص يتناوبون دوريا على الرئاسة لمدة قد تكون شهرين وقد تطول سنة كاملة‘ ومن تحصيل الحاصل ضرورة دمقرطة حياة الحزب عامة وأساليب اتخاذ القرار فيه خاصة.

وتبقى الانتخابات البلدية والتشريعية المرتقبة مناسبة لوضع هذا الحزب الشبابي في واجهة الأحداث من جديد ولتسليط الضوء على جوانب من حياته لم يتناولها المقال أو لم يعمق البحث فيها مثل الطبقات الاجتماعية لقيادييه والمعايير التي اختير في السابق على أساسها أولئك القياديون إلى غير ذلك من المواضيع. وكلنا أمل في أن تصدر عن هذا الحزب وثيقة تجيب أولا على التساؤلات التي طرحها المقال عبر جملة من الفرضيات وتنير ثانيا الرأي العام حول ماضي الحزب وحاضره وتطلعاته في أفق الانتخابات الرئاسية القادمة.

ويا من ستعيب علينا الخوض في مثل هذه القضايا فاعلم أن تناول إشكالية ما وطرحها للنقاش علنا يسهل إظهار الحق وإحباط ضده وأن تقدم البلاد مرهون بالشفافية في تناول قضاياه بالبحث والتحليل كما أن سوء الظن من حسن الفطن ولو تعلق الأمر برئيس الجمهورية الذي تحميه الأخلاق والقوانين من طيش الجميع وزيغهم. وعلاوة على هذا وذاك ألا يقال ب "أن تموت واقفا خير لك من أن تعيش مضجعا".


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!