التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:02:56 غرينتش


تاريخ الإضافة : 19.10.2013 15:18:12

لارفث ولا فسوق ولا جدال في الحج

زائد المسلمين بن ماء العينين محام لدى المحاكم الموريتانية، قاض سابق وعضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان سابقا

زائد المسلمين بن ماء العينين محام لدى المحاكم الموريتانية، قاض سابق وعضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان سابقا

لارفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، كما لا جدال في أن العالم كالمثقف مطالب بأن يكون له رأي، وأن يكون له رأي يناصر الحق والمظلوم؛ ومن العار أن يكون العالم أو الفقيه إمعة لارأي له في حق أو باطل؛ وقد أعجبني موقف شيخنا وابن المشايخ محمد الحسن بن الددو في تخلصه من براثن السلفية المحايدة في قضايا الأمة أو تلك المتطرفة المكفرة للأمة المستبيحة لدمائها وأموالها - إلي فضاء ينحاز للحرية والعدالة وإلي مقاصد الشرع وغاياته بدل الجمود علي النص، فوعي ضرورة جعل مفهوم الشوري واجبا لا يتحقق العدل إلا به ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وجعل بين الشوري ومفهوم الديمقراطية الحديثة تقاربا إن لم يكن تطابقا يصوغها في بوتقة "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها" وقوله عليه الصلاة والسلام "إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق".

إن مبدأ الحياد في قضايا الأمة الكبري مذموم، وهو ( تبرَّ ) التي طالما عابها مجتمعنا علي بعضه.
إن ماوقع في مصر هو انقلاب علي الشرعية، فعندما يقوم العسكر بتعطيل الدستور بمجرد بيان وإلقاء القبض علي الرئيس وسجنه وحل الهيئات الدستورية وإغلاق المؤسسات الاعلامية غير المناصرة، لا يمكننا أن نسمي الامر غير انقلاب، وكما قال السناتور الأمريكي مكين البطة هي البطة.
وأن يتم برصاص أفراد وزارة الداخلية قتل خمسة ءالاف حتي الآن وسجن عشرة ءالاف فهذه جريمة ضد الإنسانية بتعريف اتفاقية الامم المتحدة للجريمة ضد الإنسانية.
وأن تصبح صفة الأخونة جريمة في التعامل الجنائي المصري فهذا حرمان من الحق في التعبير والحرية الفكرية واجتثاث للفكر؛ وكما أسس الاحتلاليون في العراق ومن ناصرهم مبدأ اجتثاث البعث، أسس هؤلاء مبدأ اجتثاث الإخوان.
قد يختلف البعض أو يتفق مع الإخوان، لكن مالا ينبغي الاختلاف عليه هو أن من وصل الي السلطة بالانتخاب ينبغي أن لا يعزل إلا بالانتخاب، بغض النظر عمن وصل: إسلامي، يساري، ليبرالي.. فمن منا لم يتألم لانقلاب بينوشيه في الشيلي وقتله رئيسها اليساري العادل أليندي المنتخب ممن وعي ذلك يومها؛ أولم نتألم عندما نقرأ وقائع انقلاب الاستخبارات المركزية الأمريكية علي رئيس الوزراء الإيراني مصدق، أو انقلاب موبوتو علي الزعيم لومومبا وإذابة جسمه في الاسيد.
هناك مبادئ إنسانية تجمع الكل: المؤمن التام والناقص والملحد والشاك.. وهي ما لخصه القرآن في الآية الكريمة (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر).

أستغرب أن يعاب علي الشيخ الددو حفظه الله قوله إن الخلاف مع الشيعة والخوارج خلاف في مبدئه سياسي. إن من يستغرب ذلك لم يقرأ التاريخ ولم يستجْل أدبيات كتب التاريخ والسير منذ مقتل عثمان رضي الله عنه، إلي نكبة البرامكة مرورا بحوارات عمر بن عبد العزيز مع الخوارج الذي كاد أمرهم يختفي بها.
لقد بدأ النزاع بصحة بيعة علي رضي الله عنه لينتهي بصحة التحكيم من عدمه بالنسبة للخوارج، ثم ليرتقي التشيع لتوظيف مذهبه في الإطاحة بالحكم الأموي علي أيد النخبة الفارسية ممثلة في أبي مسلم الخراساني ثم بالتمدد في الدولة العباسية حتي إقناع المأمون بتسليم الخلافة لأهل البيت .
إن وعي الشيخ الددو بالبعد التاريخاني للخلافات العقدية وببعض النصوص أمر يشكر عليه، إذ لو وعي جل فقهائنا تاريخانية بعض النصوص وما حصل لها من إبراز وتوظيف في الموقف السياسي والفكري لانمحي الكثير مما نعتقده واجب الاعتقاد وهو واجب الانتقاد .
كم أنا معجب بقوله في الفرق وتقسيمها الذي لا يخفي ضعف تصنيفها وتناقضه، وكم أنا معجب بقوله في احتكار اسم أهل السنة والجماعة.
كيف لنا أن نخرج الزيدية الشيعة أو الاباضيين الخوارج من أهل السنة والجماعة وهم علي ماهم عليه من عناية بالسنة وما عليه محمد وأصحابه
وكما قال زروق رحمه الله (إما قبل ومع وبعد فإن في كل واد بني سعد من اطمأن اليهم أتلفوه ومن تعلق بهم نشفوه ومن استغاث أوقفوه).
إن موسم الحج ماكان إلا مناسبة لإبداء الرأي والدعوة إليه منذ التقاء النبي صل الله عليه وسلم بوفد أهل يثرب لدعوتهم للدين ثم مبايعتهم له قبل الهجرة حتي البراءة من المشركين. وكانت خطبة الوداع الجامعة والخلاصة لكل ذلك: من تأميم الربا حتي تساوي البشر والندية أمام القانون ووضع الدماء أو العفو العام.

إن العلماء الموريتانيين البارزين ما كانوا أبدا محايدين في الشأن الإسلامي العام، فمن عبد الله بن ياسين الفقيه السوسي الجزولي قائد المرابطين، إلي سيد عبد الله بن الحاج ابراهيم وتلميذه عبد الله ولد سيد محمود، والشيخ سيديا في لقاء تن دوجة ثم الشيخ سيدي الصغير ( بابه ) مؤسس مشروع الدولة الموريتانية الحديثة، ثم الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل وابنه العالم الشاعر الاديب السلطان محمد الهيبه سلطان العلماء وفقيه السلاطين؛ وأخيرا المرحوم بداه بن البوصيري في معارضته للقتال في الصحراء وأحداث السنغال ومقتل أهل السادس عشر من مارس.

إننا عندما نجد الفقيه الواعي بنسبة دلالة النص غير الوحيد الدلالة، وأن الأمور بمقاصدها وأنه لا ضرر ولا ضرار، وإن كل قول منه مقبول ومردود إلاماكان من صاحب هذ القبر؛ والواعي أيضا بأن التاريخ الاسلامي بوقائعه وأفكاره ليس حقا كله - فإننا نكون أمام بداية مراجعة حضارية قد تقودنا مع أمثال الشيخ الددو الخبير بالنص إلي تجديد ديني ودنيوي لا يلغي الماضي ولا يقدس الحاضر.

وليبارك الله الشيخ محمد الحسن وبارك في حجه ورأيه وموقفه وشعاره ودثاره ومقامه وسفره..

زها بالخصيب السيف والرمح في الوغي
وفي السلم يزهو منبر وسرير
إذا لم تزر أرض الخصيب ركابنا
فأي فتي بعد الخصيب تزور


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!