التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:02:49 غرينتش


تاريخ الإضافة : 20.10.2013 11:05:53

رحيل الشيخ احمد ولد العباس أخر أعمدة الشناقطة السودانيين

لعل الحلقة التي بثها التلفزيون القومي خريف العام 2011 والتي إستضاف فيها الأسرة الموريتانية السودانية أسرة الشيخ أحمد ولد عباس الملقب ب (أبوي العباس)
وجدت مشاهده واسعة و تناولتها مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية بكثير من التفاصيل حول العلاقات السودانية الموريتانية ، يعتبر الشيخ أحمد ولد عباس أحد أعمدة وسدنة هذه العلاقات
.فقد غيبه الموت خلال الأسابيع الماضية عن عمر ناهز المائة عام ، عرفت الشيخ الراحل عن قرب خلال عملي بسفارة جمهورية السودان بنواكشوط التي عملت بها فى الفترة من( 2007 _ 2011) وقد كنت أحرص على مجالسته رغم تقدمة في العمر،
كان الراحل حريصا كذلك على زيارتنا باستمرار فى السفارة بغرض مطالعة الصحف السودانية التي يعشقها و التي كانت تمثل إحدى إهتماماته بجانب مشاركته فى مناسباتنا الوطنية كافة .
كان ابوى عباس حريصا على تتبع أخبار السودان وعلى سماع نشرة الأخبار الرئيسة التي تصادف الساعة السابعة مساء بتوقيت قرنيتش العاشرة مساء بتوقيع السودان ،
فهو رجل ذو طباع سودانية بامتياز وملمح سودانى كامل الدسم إذ لا تجده إلا متعمما بالعمامة السودانية وليس حاسر الرأس كعادة أهل تلك البلاد ،
منضبط يحرص على الزمن ويحدد دوما المواعيد التي يلتقيك فيها ، كذلك ملتزم بحميه غذائية قاسية يركز على الخضروات وخل التفاح الذي يعتبره إكسير الصحة الأمر الذي انعكس على حالته الصحية
فرغم بلوغه ذاك العمر فإنه يتمتع بنظر جيد وذاكرة ممتازة لا ينفك الكتاب من بين يديه حتى وهو يتسامر معك لاسيما كتب التراث وفى مقدمتها كتاب الاغانى لأبى فرج الاصفهانى وديوان سلطان الشعر العربى أبى الطيب المتنبى ،
فهو أيضا أديب وشاعر مجيد اهدنى فى آخر ايامى قصيدة يمجد فيها أهل السودان طلب منى نشرها وذلك بمناسبة سفر ابنته الصغرى محاسن إلى الخرطوم يقول فى مطلعها :
شغلت ابنتي عما بها من فراقيا بما معها أرسله من سلاميا
إلى امة السودان طرا لما لها على من الحق الذي لست ناسيا
ولا اقدر ألا بذكر جزائه من آن إلى آن لاهل ادكار يا
إن رحلوا عنى ليورث منهم فأرجو قبول الوارثين جزائيا
الى ان يقول فى نهاية القصيدة الطويلة :
فيا امة منى استحقت تذكرا بهذا إن كان انفصال عزائيا
غادر الشيخ احمد ولد عباس بلاده موريتانيا فى منتصف الثلاثنيات من القرن الماضى ، كان يدفعه سببان وهو فى ريعان الشباب الاول انه كان يبغض الاستعمار الفرنسى الذى حكم تلك الاصقاع وجثم على ترابها ردحا من الزمان
الامر الذى حدا به لاتخاذ قرار الهجرة نحو المشرق اما الثانى هو ماجبل علية الشناقطة خصوصا والموريتانيون عموما من هجرة بحثا عن العلم واداء فريضة الحج ،
فقد اجتاز الشاب احمد عباس حينها غرب افريقيا ووسطها والتقى ببطل المقاومة والجهاد الشيخ الصالح حماه الله فى بلاد السودان الغربى مالى حاليا وبهره بجازبيتة ووقاره ولكن مالبث ان غادر الى السودان الاوسط (النيجر الكمرون تشاد )
وتابع سير الى اان وصل الى السودان النيلى وكان السودان وقتئذن مابعد الحربين العالميتتين مجتمع حى ومثقف ،تفاعل مع نخبه الفكرية والسياسية الجديدة وقد سهل له الامر وجود السياسى الكبير محمد صالح الشنقيطى
ذلك الرجل الذى تنحدر اسرتة من منطقة ابى حجار فى اقليم تير الزمور وسط موريتانيا كما اتيحت للراحل ابوى احمد عباس فرص عديدة فى مجالسة السيد عبد الرحمن المهدى وربطته معارف مع اسرة ال البدرى ،
و زار دار الشريف يوسف الهندي عندما سمع بوجود مكتبة عامره بمنزله . ادى الشيخ الراحل احمد عباس فريضة الحج فى العام 1942 وعاد بعدها الى تشاد ومن ثم رجع بعد اعوام ثلاثة السودان مجددا،
استقر قليلا بمدينة الجنينة تعرف فيها على الشيخ محمد هاشم الهدية والاستاذ الالمع على شمو واصبح فكره سلفيا بامتيازخلال وجوده بالجنينة ،
وخلال تلك الفترة قدم نجم من علما شنقيط اليها الا وهو العلامة الكبير محمد الامين الشنقيطى الجكنى صاحب كتاب اضواء البيان فى تفسير القران بالقران والذى مر بالسودان فى العام 1947
وقدم العديد من الدروس والحاضرات بمعهد امدرمان العلمى . طاف الشيخ احمد عباس معظم مدن السودان وله اصدقاء فى سواكن وعطبرة وبربر ولكن كان حبة لديار الكبابيش من نوع خاص فقد الف تلك المضارب التى تشبه بيئتة من حيث الكثبان والنوق والشعر فقال فيهم :
لعمرك ماينسى الكبابيش ماجد يقدر فى الناس الحجا والمحامدا
ان انسى لاانسى مهما طال نسيانى يابن الكبير ليالى ام درمان
جالس فقيدنا فطاحل الشعراء وعلى راسهم محمد سعيد العباسى ، ومن ثم استقر بمدينة الابيض التى تزوج بها السيدة سكينة اسماعيل محمد طاهر من اسرة الشيخ اسماعيل الولى بحى القبة بالابيض وانجب منها خمسة ابناء هم العباس ، سناء ، خالد ، محاسن وعلى، الذين يتواجدون حاليا فى العاصمة الموريتانية نواكشوط ،
اشتغل بتجارة الابل بين السودان ومصر فقد كان تاجرا نشطا فى بيع الابل بالاسواق المصرية وكعادة الشناقطة كان فى مصر مهتما بالحركة العلمية كان معجبا باسلاميات طه حسين ومواظبا على قراتها اكد لى ان ثلاثة من الموريتانيين الشناقطة هم اول من افتتح طريق تجارة الابل الى ليبيا .
انطبعت كل تلك الذكريات فى ذاكرة الشيخ وظل وفيا للسودان واهله و لكل جزء عاش فيه من اجزاءه ، له فيه ذكريات واصدقاء ونزل . فهو بحق يجسد العلاقات التاريخية بين موريتانيا والسودان فى اجل صورها وابعادها الاجتماعية والعلمية والدينية بعد وفاة زوجتة سكينة منتصف السبعينات
اخذ ابناءه وعاد الى موطنه جلس فترات فى النيجر والكمرون ومن ثم استقر به المقام فى بلاده ديار شنقيط التى يفتخرون بها فى قولهم ان لم تكن فى شنقيط زمزم ففية للعلم ركن اقدم . اتخذوا ظهور العيس مدرسة بها يبينون دين الله تبيانا .
رحم الله الشيخ العالم الاديب ابوى احمد ولد العباس رحمة واسعة بقدر عطائه وزيادة . وحبه للسودان واهل وبوفاته يفتقد السودان احد اهم الاعلام الموريتانية الذين اسهموا فى ترقية العلاقات بين البلدين والاخلاص لها بكل حب وصدق ،وفق الله ابناءه وجعل البركة فى عقبه انا لله وانا اليه راجعون .


د.أحمد التجانى محمد سوار


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!