التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:07:40 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.10.2008 16:48:11

مجموعة من أساتذة التعليم العالي تصدر رؤية حول الوضع الراهن

أصدرت مجموعة من أساتذة التعليم العالي وثيقة سياسية تناولت رؤيتها للواقع ويبل الخروج من الأزمة، وتم توقيع الوئيقة من طرف 48 أستاذا جامعيا، وفي ما يلي نص الرسالة:
منتدى أساتذة التعليم العالي


رؤية حول الوضع الراهن في موريتانيا

يعتبر التعليم العالي دعامة لكل ما يجري من تعليم في موريتانيا،يشهد على ذلك ما تقوم به الجامعة والمؤسسات العلمية العالية الأخرى من إشعاع معرفي،وقد تعاظم دور التعليم العالي في الشأن التربوي في السنوات الأخيرة لدرجة أن هذا القطاع أصبح يستوعب عددا كبيرا من الكفاءات العلمية والمهنية في مختلف الاختصاصات الحيوية التي تحتاجها الدولة.
ورغم أهمية كوادر التعليم العالي عاش هؤلاء كسوفا شديدا بسبب تهميشهم عبر إبعادهم عن مراكز صنع القرار في البلاد.
ومن وحي التجارب السابقة، نتبين أن إقصاء أساتذة التعليم العالي عن دوائر صنع القرار في موريتانيا أدى إلى الكثير من المشاكل لعل أبسطها غياب رؤية علمية للقضايا الوطنية،ونأمل أن تكون المرحلة الانتقالية الراهنة مناسبة لإعادة الاعتبار للتعليم العالي من خلال إعطاء المزيد من الأدوار لأساتذته،خاصة في مجال وضع التصورات والخطط والبرامج التنموية،ومن خلال إسناد المهام الإدارية والسياسية التي تحتاج إلي مستوى رفيع من الفهم والإدراك لجوهر المأمورية المراد القيام بها.
إن مناسبة الأيام التشاورية المقبلة ، فرصة يود أساتذة التعليم العالي استثمارها لصالح المزيد من المشاركة في شؤون الوطن عبر تقديم رؤيتهم لما ينبغي أن يكون عليه حال البلاد، ومنهج الوصول إليه، وهذا ما حدا بهم إلى الإعراب عن رغبتهم في المشاركة فيها إلى جانب القوى والفعاليات الوطنية الأخرى.
وتأتي رغبة أساتذة التعليم العالي في المشاركة تتويجا لمسار سلكوه منذ تصحيح السادس من أغسطس 2008،فقد نظم المساندون للحركة التصحيحية ندوة يوم 27 أغسطس 2008 في فندق الخاطر بنواكشوط تحت عنوان: (تحديات الدولة والمجتمع في موريتانيا) ويعملون على تحضير ندوة في الأيام المقبلة حول: (التحدي الخارجي ومنطق التعامل معه).
وللمزيد من تنسيق نشاطهم بادرت مجموعة من أساتذة التعليم العالي في ظل الظروف التي تعيشها البلاد حاليا إلى تأسيس تجمع أطلقت عليه "منتدى أساتذة التعليم العالي"، يكون بمثابة منبر حر للأساتذة والباحثين العاملين في مؤسسات التعليم العالي في موريتانيا والمساندين للحركة التصحيحية التي جرت في السادس من أغسطس2008، وبعد سلسلة من اللقاءات، تخللتها حوارات ونقاشات عميقة، تطرقت لوضيعة البلاد من جوانب عديدة، خلص الأساتذة المشاركون إلى ضرورة المساهمة قي مرحلة انتقالية بقيادة المجلس الأعلى للدولة يتم خلالها إرساء قواعد ثابتة، تمكن من التداول السلمي على السلطة في موريتانيا ، وتضع أسسا قوية لنظام ديمقراطي يصون الحقوق والحريات العامة، وذلك من خلال جملة من الملاحظات والتوصيات.

أولا : الملاحظات:
1. عاشت موريتانيا وضعية خاصة منذ مارس 2007 لعل أبرز تجلياتها ضعف بنية الدولة وهشاشة مؤسساتها، خاصة مؤسسة الرئاسة، عانى المواطن الموريتاني خلالها من مشاكل الحياة اليومية بسب غلاء المعيشة، وتدهور القوة الشرائية، وارتفاع نسبة الفقر وانتشار البطالة
2. عرف الاقتصاد الموريتاني ركودا كبيرا وقلت مساهمة القطاعات الحيوية في الناتج الوطني، وانكماش الاقتصادي الريفي، وتراجع مساهمة قطاع المعادن والصيد.
3. تراجع العون العمومي الموجه للتنمية ، ولم تعد موريتانيا منطقة استقطاب للممولين العرب الأجانب، واهتزت الثقة بين بلادنا ومؤسسة بريتون وودز، ولم يجد المجهود المتواضع الذي بذلت الحكومة خلال اجتماع نادي باريس الأخير.
4. حصل انفلات أمني كبير، ولم يعد المواطن العادي يأمن في بيته، وفتحت البلاد على مصراعيها للهجرة السرية، وأصبح الأجانب يشكلون نسبة كبيرة من سكان انواكشوط ونواذيبو مما أدى إلى الإخلال بالمعادلة الديمغرافية للبلد.
5. تعكر صفو الحياة السياسية عندما انحازت الدولة إلى حزب السلطة، وحاولت حشر المواطنين في هياكله الهشة، ثم زجت السلطات العليا بنفسها في الصراح الحزبي، وأفرغت مؤسسة زعيم المعارضة الديمقراطية من محتواها، وأجهضت التجربة الديمقراطية الطرية عندما لم تحترم مبدأ الفصل بين السلطات الذي يعتبر العمود الفقري للديمقراطية.
6. تعرضت الهوية الوطنية للكثير من الطمس، لعل أبرزه تهميش اللغة العربية وإبعادها عن الدوائر الرسمية، وتكريس تعطيل مشروع الوحدة بين بلدان المغرب العربي، والاشتراك في مشاريع التغريب، والتلاعب بالوحدة الوطنية تحت ذريعة عودة اللاجئين ومحو آثار العبودية وتصفية الإرث الإنساني.
7. انتشرت مختلف صنوف الفساد المالي والإداري، ولم يطبق منهج الحكم الرشيد، وجري استحضار ثقافة السلطنة وشخصنة السلطة، واعتماد معيار الولاء بدل معيار الكفاءة عند إسناد الوظائف العمومية.
8. تراجعت مكانة موريتانيا على الصعيد الاقليمي والدولي، ولم تعد تذكر في وسائل الاعلام إلا حين تحصل مجاعة أو كارثة طبيعية، أو تنفذ عمليات إرهابية، أو تظهر شحنات جديدة من المخدرات.
9. انتهكت حرمة المؤسسة العسكرية، وتم التلاعب بالمصالح الأمنية والإستراتيجية لموريتانيا، وحصل تراجع كبير على مستوي الأمن والدفاع الوطني، وأصبح شمال البلاد منطقة مناوشات بين الجماعات المتطرفة والحركات الانفصالية، وعصابات التهريب والمخدرات، وقطاع الطرق.
10. عرفت موريتانيا عدم الاستقرار السياسي حيث شكلت ثلاث حكومات خلال خمسة عشر شهرا، وظهرت خلافات حادة داخل الأغلبية الرئاسية، وتم الإخلال بقواعد اللعبة الديمقراطية من خلال غياب ولاء واضح، وغياب كذلك معارضة جادة ، واختلط الحابل بالنابل، فلم يعد هناك حاكم مطاع ولا محكوم مستجيب، بل انتشرت كل مظاهر الفوضى السياسي واصبح البرلمان ساحة للمشاجرة والخصام بدل أن يكون مهدا للحوار الهادئ والنقد البناء، وغابت الوظيفة التشريعية على حساب طغيان التزلف واستعراض العضلات.

ثانيا : التوصيات :
أمام هذا الوضع السيئ، لم يبق للبلاد من خلاص سوى وضع حد لهذا الواقع المرير بأي طريقة ، وهو ما حصل على يد المؤسسة العسكرية يوم 6 اغشت 2008، وبعد دراسة هذا المشهد الجديد ارتأى أعضاء منتدى التعليم العالي تقديم مجموعة من التوصيات على النحو التالي:
1ـ القيام بتعديل دستوري يعزز مبدأ الفصل بين السلطات، ويقيم توازنات سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة، ويحد من هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، ويعزز دور البرلمان، ويرفع من مستوى القضاء من أجل تحقيق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، ويعطي دورا بارزا للوزير الأول يتم النص عليه في الدستور بحيث يصبح الماسك الحقيقي للسلطة التنظيمية.
2ـ إدخال إصلاحات اقتصادية سريعة تمكن من إعادة التوازنات الكبري على مستوى الاقتصاد الكلي، وتدفع بالاقتصاد الجزئي إلى التحرك من جديد ليساهم في إنقاذ المواطنين المتضررين من الفقر والبطالة والتهميش ويعيد الاعتبار إلى مكانة موريتانيا في محيطها المغاربي والغرب إفريقي، ويعزز موقعها داخل الفضاء الأورو متوسطي، ويجلب لها الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وينشط حركة التجارة والأعمال والتبادل الحر داخل مجال موريتانيا الحيوي.
3ـ تفعيل دور الإدارة في التنمية، وتنقيتها من الشوائب التي لحقت بها في السابق خاصة ما يتعلق منها بالرشوة والمحسوبية والزبونية وتطبيق قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب ، واعتماد نظام الحوافز وإدخال مسطرة العقوبات والرقابة السابقة واللاحقة على الصفقات العمومية .
4 ـ وضع نظام جديد لحماية المال العام من كل مظاهر الفساد عبر سن القوانين وإحياء دور المراقب والمفتش وإعادة الفعالية إلى محكمة الحسابات وأجهزة الرقابة الوطنية والقطاعية، واعتماد منهج "من أين لك هذا؟" و "هلا جلست في بيت أهلك؟" ومبدأ " من غشنا فليس منا؟" .
5ـ إنشاء مجلس أعلي للدولة تمثل فيه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية، وتكون مهمته السهر على حسن سير المؤسسات الوطنية والتدخل عند الاقتضاء لفك التوترات الطارئة الناجمة عن الخلافات في مجال تأويل القانون وتطبيقه.
6ـ إعادة الاعتبار إلى الشخصية الوطنية من خلال:
أولا: الحفاظ على الهوية العربية وتكريس استعمال اللغة العربية والانخراط بجدية في مشروع بناء المغرب العربي.
ثانيا:الاعتزاز بالانتماء الإفريقي وترقية اللغات الوطنية، والتعاون الإيجابي مع بلدان غرب إفريقيا.
7ـ تقدير أصحاب الكفاءات العلمية والخبرات المهنية والتجارب الناجحة، وجعلهم على الواجهة الأمامية للإدارة العمومية، ومنحهم المزيد من التشجيع حتي يتمكنوا من خدمة الوطن في ظروف مرضية وتنشيط هيئات البحث العلمي ودعمها ماديا ومعنويا إذ يستحيل النهوض والتطور لأي دولة في غياب البحث العلمي ولا يتصور وجود هذا الأخير إلا في ظل قطاع وزاري مستقل (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي) يجمع بين ألأصالة والمعاصرة وينطلق من الثوابت ويستثمر منافع العولمة .
8ـ إنصاف الموريتانيين المتضررين من ممارسات الأنظمة التي حكمت موريتانيا على مدار نصف القرن الماضي، والعمل على جبر خواطر أسر المتوفين منهم في سبيل المصلحة الوطنية.
9ـ ضرورة أن تسير المرحلة الانتقالية حكومة قوية يتسم أعضاؤها بالكفاءة العلمية والتجربة المهنية والمصداقية.
10ـ تنظيم انتخابات رئاسية شفافة بعد أن يتم الإعداد لها بشكل جيد من خلال تعبئة الوسائل البشرية والمادية والمؤسسية وهنا يمكن احياء اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات مع الحرص على تنقيتها من الشوائب التى اعترت بنيتها التنظيمية، ومنهجها العملي فى الإنتخابات الرئاسية الماضية، والحرص على ضمان استقلالية الإدارة، والمجلس الأعلى للدولة، والمؤسسة العسكرية وكل شخص أو جماعة ترمز إلى هذه الجهات الثلاث.
إن أساتذة التعليم العالي بعد اطلاعهم على قرار الاتحاد الإفريقي القاضي بالمطالبة بإعادة الرئيس السابق إلى منصبه ليستغربون هذا الموقف الذي لا يتماشي مع رغبة أكثرية الشعب الموريتاني بما في ذلك الغالبية الساحقة من المنتخبين من نواب وشيوخ وعمد ومستشارين بلديين وأحزاب سياسية ومجتمع مدني ، ويدعون الاتحاد الإفريقي إلى تفهم الأمور التالية:
- التفاعل الإيجابي للموريتانيين مع الحركة التصحيحية التي جرت يوم 6 أغشت 2008
- مباركة ما جرى من تصحيح والاعتراف الضمني به من قبل جهات دولية ذات مصداقية كبيرة مثل : ACP.
- ما سيجره على البلاد عودة الوضع السابق من مشاكل لعل أكثرها ضررا تصفية الحسابات الضيقة مع المؤسسة العسكرية ومع غالبية القوى الحية في البلاد.

إن أعضاء منتدى أساتذة التعليم العالى بعد أن وضعوا هذا التصور ليعربون عن استعدادهم للدخول فى حوار مع المجلس الأعلى للدولة، والحكومة والبرلمان وزعماء الأحزاب السياسية، وقادة منظمات المجمتع المدني، وأقطاب المجتمع الأهلي، والمثقفين والأطر المستقلين، من أجل التوصل إلى أرضية مشتركة للعمل على إنجاح المرحلة الانتقالية.
نواكشوط في 07/10/2008


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!