التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:13:59 غرينتش


تاريخ الإضافة : 14.10.2008 16:43:10

كلمة الإصلاح

محمدو ولد البار

كلمة الإصلاح هذه المرة تود أن تحي بحرارة الشعب الموريتاني: تحي مثقفيه من صحفيين وأساتذة ومحامين ومنتخبين، ومجتمعه المدني من بل وعلمائه وأئمته المحترمين، أحييه على ما أعطاه الله من عقلية رياضية نادرة في العالم ورسوخ أقدام حرباوية تتكيف مع كل جديد، وجلوس بوصفه متمكنا أمكن على هذه الأثافي الثلاثة التي نصبها فوق الوطن منذ السادس أغسطس 2008.

هذه الأثافي الثلاثة المتمثلة في الديمقراطية والفوضوية والدكتاتورية، ولنبدأ بوصف ديمقراطيتنا هذه لقلتها وتنوعها ومرونتها ثم فوضويتنا وأخيرا دكتاتوريتنا.

فالشعب الموريتاني الآن يستمع إلى إذاعته وصحفييه ومثقفيه وكذلك محاميه يتكلمون عن المؤسسة البرلمانية وكأنها تزاول عملها مجتمعة تحت رئيسها وتناقش جدول أعمالها وتصدر قراراتها كأنها تسير في أجواء ديمقراطية عتيدة وفي دولة تعتمد الديمقراطية منهجا سياسيا لا حياة بدونه.

فكل من غرفتي البرلمان تقوم بنشاطها المعتاد وكل الموريتانيين والعالم أجمع يستمع إلى إذاعة هذا النشاط وما يصدر فيه من مناقشات ويصدر عنه من قرارات، وفي نفس الوقت يعرف البرلمانيين أنفسهم ويعرف باقي المجتمع والعالم كله أن هاتين الغرفتين تجتمعان وهما مقطوعتي الرأس وممثل في جسديهما ببتر كثير من أعضاء جسميهما، ويعلم الجميع كذلك أن الرأس المقطوعين والأعضاء المبتورين عن جسم البرلمان ما زال الجميع على قيد الحياة وعلى مرمى حجر من جسمهم الفاعل المتحرك.

أما مبرر هذا العمل البهلواني البرلماني فهي ثانية الأثافي الفوضى الموريتانية المضحكة الفاضحة الكاشفة عن سوءات هذا الشعب ليراها العالم أجمع.
تارة يستمع إلى المذيعين وهم يشرحون هذه الفوضى بلغة سيبويه وفصاحة قس بن ساعدة وأمثالهما في اللغات الأخرى، وتارة ينظر العالم إلى هذه السوءات بأم عينيه على شاشات (عرب سات) ليضحكوه فينا بملئ فيه محامونا ومثقفونا بتبرير هذه الفوضى بعبارات انسداد المسار الديمقراطي متجاهلين أن الشعب ورئيسي البرلمان والآن العالم كله يعرف الواقع وسبب وقوعه ومعنى الانسداد اليمقراطي وما هي معالجته إذا وقع.

فانعقاد جلسة البرلمان هذه مطلوبة وصادرة من عسكري هو فقط ضابط من ضباط الجيش الجمهوري الذي لم يذكر له الدستور من الوظائف والمهام إلا أنه جيش جمهوري يحافظ على الحوزة الترابية للوطن وعلى استتباب الأمن إذ استدعاه رئيس الجمهورية فقط لهذه المهمة إذا اقتضتها الضرورة القصوى.

فالعقل السليم لا يعرف كيف اختار هؤلاء النواب المكتسبين لوظائفهم من أصوات الشعب الذي صوت كذلك على هيمنة الدستور على جميع أعمالهم وتصرفاتهم ليوجهوا له طلبا للإذن في فتح دورة برلمانية عادية أو طارئة، كيف اختار هذا الضابط بالذات الذي لا يشغل منصب قائد أركان الجيش بل مجرد قائد حرس الرئاسة، فلماذا لا يوجه هؤلاء البرلمانيون طلب انعقاد جلستهم هذه إلى قائد أركان الجيش أو المنطقة العسكرية السادسة في نواكشوط أو الخامسة في النعمة أو السابعة في لبراكنه، أو يوجهونها إلى أحد الولاة أو الحكام أو أحد مديري المؤسسات الكبرى في الدولة أو يعقدون جلستهم بدون أي طلب أو إذن، ويعقدونها في فندق حليمه أو فندق اطفيله ويعقدونها بحضور أي شخص منهم! من يستطيع أن يمنعهم من ذلك فالفوضى لا مسطرة لها ولا دستور!.

هذه الصورة الكاريكاتورية الفوضوية البرلمانية المخلوقة لأول مرة في العالم تحت قبة البرلمان الموريتاني واختيارهم لهذا الضابط بالذات ليأمرهم بهذا الافتتاح، هو بعينه فعل الاختصاص من غير مخصص -كما يمنعه الأصوليون-.

فبمجرد انحرافهم عن الإجراءات الدستورية لافتتاح الجلسات البرلمانية يأتي لمباشرة التسيير الفوضي والفوضى لا حدود لتقييدها.
فكان بإمكانهم أن يوجهوا طلبهم إلى رئيس الفريق الرياضي (المرابطون) ليعطيهم إذن الافتتاح أو رئيس نقابة أو رئيس منظمة من المجتمع المدني فهم يزاولون أعمالهم تحت ثالثة الأثافي وهي الدكتاتورية والمعلوم أن الدكتاتورية هي الأخرى لا مسطرة حتى تتعب البرلمانيين عن البحث وتتبع ما تركت لهم الدكتاتورية من إجراءات دستورية مبتورة من جميع أطرافها.

فنحن الموريتانيين علينا أن نهنئ أنفسنا تهنئة خاصة لأن طريقتنا في الحياة لم تستطع أي دولة مهمى كانت قوتها مادية أو عددية أن تسير على منوالنا في تعايشنا مع المتناقضات الخاصة بنا وهي: "الديمقراطية – الفوضى – الدكتاتورية".
فعندما قصدنا ديمقراطية نموذجية صنعناها على أحسن وجه وتغنينا بذلك وافتخرنا به على العالم وعندما أردنا هدمها هدمناها وتغنينا بذلك وسارت مسيراتنا في الشوارع لتهنئ أصحاب هذا الهدم المبارك وأرسلنا رسلنا للعالم لتخبره كيف هدمنا ديمقراطيتنا النموذجية، وأنه باستطاعتنا أن نبني ديمقراطية نموذجية أخرى، وسوف يدرك العالم عندئذ تلقائيا أننا نستطيع أن نهدمها هدما نموذجيا، فخاصية أغلب شعبنا (وهذا من فضل الله) هي أنها سريعة التكيف مع حياتنا هذه (النشاز) في العالم وهي هذا التعايش السليم الممتاز مع هذه المتنافرات الثلاثة –الديمقراطية –الفوضى –الدكتاتورية.
كما أنه من خصائص شعبنا أن هذه الحياة على هذا الشكل يستوى في اعتناقها منا الجاهل والمثقف والعالم والإمام والمتخصص والعسكري والشرطي والتاجر..
فأي واحد من هؤلاء فضل السير مع احدى هذه المتنافرات –الديمقراطية –الفوضى –الدكتاتورية تجده يدافع عنها بكل ما أوتي من ثقافة أو علم أو تخصص.
فمثلا المحامي القانوني عندنا تجده يحاول أن يصور أفعال الدكتاتورية هي التي تتماشى مع المواد الدستورية شبرا بشبر وكذلك العالم والمثقف، وتجد كذلك العسكري الدكتاتورية مهمى كانت قدرته على استعمال دكتاتوريته هذه تراه منفذا لأوامر الديمقراطية في أبهى صورها مهمى كان خلافه مع نصوصها.
فنحن إذن نعيش هذه الأصناف الثلاثة:
فالعسكري فينا لا يملك دستوريا إلا تنفيذ أوامر رئيسه العسكري أو المدني وهاهو يعين بالمراسيم الوزير الأول ووزرائه ويرأس الحكومة ويحول بجرة قلم المواد الدستورية تحت تصرفه بمعنى أن الفوضى بجميع أركانها منفذة الآن فوق الأرض الموريتانية لا يحميها إلا السيارات الحاملة للمدافع والدبابات إن اقتضى الأمر.
وفي نفس الوقت هذه الدكتاتورية تسير ديمقراطية فيها برلمان يجلس ويقرر ويعترض على بعض مواد دستور الدكتاتورية، كما أن هذه الدكتاتورية، كما أن هذه الدكتاتورية تستمع كل يوم من الصحافة والأحزاب والأفراد من الشتائم وأنواع التنكيل بفعل سياساتها ما يسلخ الجلد عن صاحبه ويتمنى لا شك أن يكون غير معني بأنواع تلك العبارات الحطيئية ومع ذلك كله فكأن القائل لهذه الشتائم يمجد ويثني على صاحب الدكتاتورية بأحسن الثناء فهو لا ينتقم من أي أحد ولا يستعمل قوة دكتاتورية ضد أي معارض.
فعلينا إذن إذا كان العالم سيحاصرنا اقتصاديا ويقطع عنا مساعداته أن نبني تمثالا مثلث الشكل ونكتب عليه بجميع اللغات العالمية "عاشت الديمقراطية والفوضى والدكتاتورية" جنبا إلى جنب مشكلة بامتياز دولة ديمقراطية فوضوية دكتاتورية، وسنستدعي عندئذ رؤوس الأموال العالميين لزيارتنا فسيجدون هذا المتحف النادر في العالم ليعلموا عن قرب أن أهله يستحقون بكل المقاييس المساعدة السخية على خلقهم لهذا النموذج من الحياة السياسية التي لا عنوان لها في قاموس السياسة العالمية، وستدر علينا السياحة لمشاهدة نموذجنا أكثر مما تدره علينا المساعدة الطبيعية ذات السلفات الربوية التي لا تتماشى مع ديننا الحنيف.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!