التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:21:43 غرينتش


تاريخ الإضافة : 10.12.2007 10:43:09

العربية أولى ...لو كانوا يعلمون

أحمد ولد اسلم

أحمد ولد اسلم

أحمد ولد إسلم
[email protected]

أثناء تصفحي لموقع المفتشية العامة للدولة وجدت في أحد تقاريرها المنشورة فقرة تقول حرفيا\"وبمقتضى الرسالة رقم 0414 بتاريخ 6 دجمبر 2007 طلب الأمين العام أن يحال إليه التقرير باللغة العربية بدل الفرنسية، اللغة الأجنبية.
وعلى الفور طمأنت المفتشية الأمين العام عن طريق رسالة ستوجه إليه أن طلبه سيلبى مذكرة مع ذلك أن الفرنسية لغة عمل وأن معظم الإدارات تعمل بها\".
وقد أستوقفني التعبير الصادر من المفتشية العامة للدولة التي عهد إليها القانون الحفاظ على مكتسبات الشعب المادية من الضياع وأريد تسجيل ملاحظتين:
أولا: أثار في نفسي تعبير \" مذكرة مع ذلك أن الفرنسية لغة عمل وأن معظم الإدارات تعمل بها\" تساؤلا طالما ما وددت طرحه وهو من وضع هذه القاعدة:\"أن اللغة الفرنسية لغة عمل\"..إن الدستور الموريتاني الذي هو مرجع كل القوانين المعمول بها على الصعيد الوطني يقر صراحة في مادته السادسة أن\" اللغات الوطنية هي العربية والبلارية و السوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية\"
وهي المادة التي تنتهكها كل الإدارات الموريتانية دون استثناء ويجد المعرب نفسه غريبا في إدارات وطنه وكأنه قادم من كوكب آخر ، ولازلت أذكر أول سؤال بادرني به المدير العام للتلفزة الموريتانية حين جئته متدربا عام 2005 فبادرني بقوله : هل ثقافتك عربية أم فرنسية؟ وتأملوا معي لم يسألني هل تتقن اللغة الفرنسية فذلك أمر لا يهمه، ما يهمه هو أن تكون \"ثقافتي\" فرنسية، وأمضيت فترة تدريبي في التلفزة وأنا لا أسمع أو أرى من العربية إلا ما كان حديثا ثنائيا مع أحد الزملاء ، فكل مذكرات العمل تكتب بالفرنسية، ونقاشات اجتماع التحرير لإعداد النشرة العربية تتم بالفرنس
ية وليست مؤسسة التلفزة نشازا في ذلك فهي متناغمة مع النسق العام للإدارات الموريتانية رغم مادة الدستور السادسة.
ثانيا: أن هناك مغالطة كبيرة يرتكبها الفرنكوفونيون ومن سار في دربهم وهي محاولة إلباس اللغة العربية ثوب العرقية واعتبارها لغة خاصة بالعرب وكأن الزنوج الذين يشكلون مكونا أساسيا من مكونات الشعب الموريتاني فرنسيين ، إن في ذلك إهانة لتاريخ هذه الفئة التي حملت لواء العربية والاسلام في غرب إفريقيا وظلت إلى عهد قريب تكتب لهجاتها المحلية بالأحرف العربية والمطلع قليلا على تراث البولار أو السونوك أو الولف يدرك ذلك ،ويدرك أيضا أن اللغة الفرنسية دخلت مع المستعمر الغاشم يوم دخل الأرض ففرضها لغة رسمية ، وقد وجد ممانعة من قبل الشرفاء المقاومين الزنوج ال
ذين ظلوا متمسكين باللغة العربية لغة ثقافتهم العريقة.
إن ترسيم اللغة الفرنسية وفرضها بقوة الواقع لا القانون يشكل خطرا مؤكدا على الأجيال الموريتانية الصاعدة، وقد كرست السياسات الارتجالية لإصلاح التعليم نقطة الانطلاق لهذا المشروع الهدام الذي يستهدف نقطة ارتكاز هذا المجتمع التي استعصت على المستعمر الفرنسي يوم كان بكامل قوته وعتاده ووسائله المختلفة، فخرج صاغرا ذليلا عاجزا عن التمكين للغته ، ومن المؤكد أن الأجيال الضائعة التي أشرف على تربيتها على عينه وعهد إليها بمهمة خلافته في الأرض والفكرة ستكون أكثر منه عجزا.
ولست أطالب الموريتانيين بالتعصب للغة العربية أو اعتبارها لغة عرق العرب وحدهم فذلك فخ يطمح الواهمون لإيقاعهم فيه ، فنحن في زمن لم تعد فيه مكانة لأمي اللغات، ولكن هناك فرق شاسع بين إتقاني عشرات اللغات وبين انسلاخي من ثقافتي التي ورثها وتشكل مكونا أساسيا من مكونات شخصيتي ولبسي ثوبا مرقعا من ثقافات تتناقض مع موروثي الفكري والمجتمعي.
فليتقن الموريتانيون ما شاءوا من لغات العالم، ولكن ليس من حق أي كان أن يفرض على الموريتاني سواء كان عربيا أو زجيا أن يصبح فرنكوفونيا ليحصل على حقه في ما تبقى من أشلاء وطنه...




Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!