التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:13:56 غرينتش


تاريخ الإضافة : 15.11.2008 10:11:36

فتح ملفات الفساد :جوانب الشر في معركة الخير

ouldsidimaouloud@maktoob.comبقلم محمد الأمين ولد سيدي مولود

[email protected]بقلم محمد الأمين ولد سيدي مولود

كلمة جميلة طالما اشتقنا إليها أيام وصفنا الكثيرون "بالمتطرفين" وهي "محاكمات المفسدين" وبما أن هذه الكلمة تسللت إلى الخطابات الرسمية لأول مرة بعد السادس أغسطس حين نظر لها البعض وتحمس البعض الآخر ، فإنني أود أن أورد هوامش سريعة وملاحظات بسيطة تتعلق بالموضوع خاصة بعد إشاعة قرب محاكمة بعض مديري شركة الخطوط الجوية الموريتانية التي أفلست مما نتج عنه محنة لمئات العمال، وكذلك بعض حكومة ولد الواقف من بينهم هو نفسه فيما يعرف بلف الخطة الإستعجالية :
أولا من المخول بالمحاكمة؟
يجب علينا كموريتانيين العمل على الحصول على جهة سلطوية شرعية ومحايدة وذات مصداقية لا يمكن لأحد الطعن فيها تمكنها من محاكمة من يثبت تورطه في أي ملف فساد وليس بعض ملفات الفساد فقط! لا أن نرتجل محاكمات أقرب إلى السياسية منها إلى القانونية وستفسر كتصفية حسابات مهما صدقت النوايا وعظمت جرائم الموقوفين ، بل إن هذا النوع من المحاكمات سيكسب المتهمين بعض المناعة الشعبية إذ سيتعلق بهم مناهضو السلطة العسكرية الحاكمة ككبش فداء يقدم قربانا في مسرحية كسب ود الشعب والبحث عن شرعية داخلية وكمحاولة للحيلولة بين هؤلاء المتهمين والرجوع إلى السلطة لا أكثر. كما لن تعدم ضغوط قبلية ما دام الاستهداف يطال جهات محددة دون جهات أخرى وأشخاص آخرين ربما تورطهم أعمق ومشوارهم مع الفساد أطول....
ثانيا التوقيت
لا أعتقد أن الوقت الآن هو الأنسب لمحاكمة متورطين أو متهمين في الفساد، وذلك لأننا في صراع سياسي وسلطوي حاد كما نعيش انقساما ربما لم نشهد له مثيلا من قبل لذلك أعتقد أن الشروع في محاكمات من هذا القبيل ـ وخصوصا إذا استهدفت المناوئين للانقلاب دون المؤيدين له والذين من بينهم متهمون بعمليات فساد كبيرة ـ قد تثير من المفاسد ما لن تجلب من المصالح .
ثالثا الازدواجية
إن توقيف مدراء الخطوط الجوية الموريتانية وبعض مسئولي الخطة الإستعجالية أمر مهم لو وقع من قبل جهة شرعية مخولة قانونيا ـ لا أعني هنا ميزان القوة لأنه متغير ـ لكن بشرط أن يسبقه أو يصاحبه توقيف شخصيات أخرى متورطة في ملفات أخرى سبقت هذا الملف وعلى درجة أخطر من درجته !!
إن الفترة الانتقالية المنصرمة وما شهدته من نهب ، وملف "وود سايد" وما شهده من غموض ( 100 مليون دولار تعويض) والقروض الدولية بعد ذلك التي انبثقت عن نادي "باريز" وما لوحظ من عدم انعكاسها على الواقع ، وملفات سبقت ذالك بكثير أيام ولد الطايع لا زال المسئولون عنها يمارسون السلطة كملف SMCP و"ساميا" وملف منظمة استثمار نهر السنغال OMVS الذي تورط بعض المسئولين فيه واتهموا حينها بالخيانة العظمى ليقضوا أسبوعا في السجن لزيادة الوزن ثم هم اليوم بكامل حريتهم .
وحتى أيام الناس هذه نلاحظ تحركات مشبوهة لوفود كثيرة على حساب الميزانية العامة تجاوزت تكاليفها في بعض الأحيان 1200000 أوقية للتذكرة فقط وقرابة 200000 أوقية مصروفا يوميا للفرد طيلة رحلته مع نفقات الفندقة لوفود يقارب بعضها عشرة أفراد في بعض الأحيان وكذلك ما تسرب عن تورط بعض وزراء الحكومة الحالية في تقديم رشاوى لجهات إعلامية دولية مقابل الترويج للانقلاب . هذا دون أن ننسى ميزانيات أخرى كبيرة ينبغي التدقيق فيها والتحري عنها وعن طرق تسييرها كميناء انواكشوط انواذيبو وشركة الطرق والخزينة والجمارك وميزانية كتيبة الحرس الرئاسي ... الخ دون أن ننسى الجانب العقاري الذي يمثل الجانب الأخطر حيث يحتكر إقطاعيو السلطات المتعاقبة جل الأراضي الثمينة التي تم اقتناؤها عن طريق رشاوى أو تحايل أو استغلال نفوذ. كما لا ينبغي إهمال المتحايلين على الضرائب من عمالقة رجال الإعمال الذين توفر لهم السلطات السند القوي.
أما إذا كنا أكثر جدية وشفافية فلا بأس أن نحقق في جوانب قانونية وأمنية وسياسية واقتصادية أخرى ، كجوانب التقصير الأمني الذي أدى إلى فرار متهمين من السجن المدني مما نتج عنه مواجهات دامية في قلب العاصمة سقط فيها ضحايا أيام كان الجنرالان ممسكين بجميع الملفات الأمنية دون أن نهمل العمليات الإرهابية التي أدت إلى مصرع جنودنا حتى نكتشف أين يكمن الخلل ومن أين أتى التقصير.
وإذا غصنا أعمق في البحث عن تجسيد العدالة وتقوية السلم الأهلي سنثير بدون شك قضايا التصفيات العرقية أواخر الثمانينات ومطلع التسعينيات لنطالب بمحاكمة مرتكبي تلك الجرائم فالدم أغلى من المال. ولنعرج على ملفات التعذيب التي تطال تهمها عددا من عناصر الأمن لا تزال تسرح وتمرح طليقة الأيدي وكاملة السلطة، وقبل أن نذهب بعيدا ينبغي أن لا نهمل المليارات والطائرات وأطنان الكوكايين التي ضبطت في (ملف المخدرات ) فهناك مفوضي شرطة قصروا إن لم يكونوا تواطأوا وهنالك ضباط وربما رؤساء سابقون وشخصيات نافذة اتهمتها جهات سياسية وإعلامية قد نضطر لجلبها إلى العدالة ....الخ

خاتمة
جميل أن نحاكم مفسدين تورطوا في إنهاك وطن جريح وفي تجويع شعب بريء وأن ينالوا عقابهم الذي يستحقون ، ولكن أجمل من ذلك أن تكون تلك المحاكمات صادرة عن جهة خولها الشعب نفسه ولم تغتصب إرادته، وأن تطال تلك المحاكمات جميع المعارضين دون مراعاة ولائهم أو معارضتهم.
وقبيح أن نوفر لأي مختلس أو مفسد حماية قبلية أو جهوية أو سياسية لكن أقبح من ذلك أن تكون هذه المحاكمات ردعا لمن يعارض انقلابا صريحا وواضحا وجريئا، في حين يكرم مفسدون آخرون بالتعيينات الدبلوماسية الرفيعة وبالوظائف السامية، وبالرحلات المكوكية الممولة من المال العام .
إن "العدل واجب لكل أحد على كل أحد وفي كل حال، والظلم محرم مطلقا لا يباح بحال" ، فالعدل لا يتجزأ والحق لا يعرف المنزلة بين المنزلتين ، والإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه إن لم يهبط صاحبه إلى حضيض الكفر لن يرقى به ـ قطعا ـ إلى سنام الإيمان.
إننا الآن وفبل أي وقت مضى بحاجة ماسة إلى أن يسود رأي العقلاء والوسطيين حتى نخرج من مأزقنا هذا لا أن نترك المتهورين يتلاعبون بسلمنا الاجتماعي تحت حماس وشايات متملق ، أو إلحاح طامع ، أو سطحية متهور ، أو طموح جامح لسياسي ساذج ، أو غرور عسكري متسلط .
فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب مبدؤها الكلام
وإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام
أقول من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام ؟!


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!