تبدأ الطريق الأطول والأقدم في موريتانيا من أكثر مناطق العاصمة نواكشوط زحمة، حيث ملتقى طرق العيادة المجمعة، عليك أن تتجاوز حوالي عشر كيلوميترات من الازدحام إن كنت غادرت العاصمة مساء، وحين تعترضك إشارة مرور تطالبك بالتوقف لنقطة تفتيش تابعة للشرطة لدى مغادرتك العاصمة، ستشعر بانفراج كبير في الزحمة، وتبقى أمامك 1200 كلم كي تصل مدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي ونهاية طريق الأمل..

تشرع في الرحلة الطويلة المتعبة والممتعة بمائة وخمسين كيلومترا من الصعود والهبوط في مرتفعات اترارزة، وتمر طويلة لولا الكثبان الذهبية المتلألئة تحت أشعة الشمس المائلة للغروب.
تجول بك أسماء القرى والحواضر سريعا في أنحاء المشرق العربي من العراق إلى الشام ومن نجد إلى الحجاز، في تعبير رمزي عن الارتباط الوثيق بين تلك البقاع وهذه الأرض.

وهنا يمكن أن تؤدي مناسك حجك، دون حاجة إلى الازدحام أمام مسجد ابن عباس أو تحمل مشقة السفر الطويل إلى البقاع المقدسة، وستتنقل بين المدينة ومكة، والصفا والمروة ومنى وعرفات.
تبسط الأرض تدريجيا بعد مغادرة بوتلميت، وتسوء حال الطريق كذلك، فتكثر الحفر والتشققات، وعلى جنباتها تتناثر القرى ومجسمات السيارات التي تهشمت بعد انقلابها في لحظة غفلة من سائقها، وتقطع الرتابة بين الحين والآخر نقطة تفتيش يتمهل السائق لها، لكن في أغلب الحالات يتجاهل القائمون على هذه النقاط السيارات العابرة.

وحين تصل ألاك يندر أن يتجاوز السائق أعرشة المطاعم دون توقف لتناول شواء على الجمر وكؤوس شاي تكون في الغالب جاهزة ووافرة بعدد طالبيها،وإذا غادرت مدينة ألاك تودع الارتجاجات والتشققات حتى تصل مدينة كيفة فهذا المقطع هو أفضل جزء من طريق الأمل، ففيه تجد ما يدل على أنك تسلك طريقا عصريا إشارات مروره الجانبية واضحة، وهو ما يشجع السائقين على زيادات جنونية في السرعة

ما إن تغادر مدينة كيفة حتى تودع إلى غير رجعة هدوءك وسكينتك، وتتحول طريق الأمل إلى قطعة من عذاب، وتتبدى وجوه المأساة أمام ناظريك غائرة الأعين ترهقها قترة، يستجدي المسافرون على جانبيها بإلحاح السيارات العابرة، فالقرى المتناثرة لا يؤنس وحشتها إلا حيوية الطريق.

تتناقص إمكانية رفع مستوى السرعة كلما تقدمت شرقا، وتكثر الحفر، والأجزاء المرقعة ترقيعا خشنا يشهد على إهمال القائمين على صيانة الطرق، وإذا وجدت فرصة نادرة في زيادة السرعة يجب أن تكون مستعدا دائما لكبح جماح تفكيرك في التسرع فقطعان الماشية تقطع فجأة طريقك، وأكثر ما يزعج من ذلك الحمير التي ترفض إعطاء فرصة للسيارات ما يذكر بقصة السائق مع الحمار والمعزاة والكلب التي تروى للصغار قبل النوم.

ثم يتنحى الأمل نهائيا ليحتل البؤس موضعه، فيصير الإسفلت طريقا رمليا مغبرا متعرجا، ترغمك تعرجاته على التمعن في مظاهر الشقاء التي يرزح تحتها سكان المدينة المنكوبة بفعل فيضانات مر عليها أكثر من عام، وتلقت من المساعدات ما يكفي لبناء دولة بكاملها أحرى مدينة صغيرة لا يتجاوز سكانها بضعة آلاف.

فالطينطان تقف مطلة بخجل على بحيرة زرقاء، تجلب من الأمراض والباعوض والحشرات ما يزيد معاناة أهلها، وتنكس لوحة كانت ذات يوم علما على إغاثة المكبوبين رأسها، معلنة وقف تلك الإعانات، وأن على الأطفال السير مئات الأمتار للذهاب إلى مدرسة لا حائط لها، وفصولها أعرشة لا تقي البرد على مشارف فصل الشتاء.

ثم تعود الطريق المعبدة بعد مغادرة الطينطان لتسمر رحلة الارتجاج والحفر والتشققات والحيوان المعترضة حتى تصل مشارف النعمة.

أكثر ما يلفت انتباه المسافر في هذه الطريق التي شهدت قبل أقل من عام أبشع جريمة في حق السياح الفرنسيين، هو غياب أي نوع من الرقابة أو التفتيش رغم تكاثر نقاط التفتيش التابعة للدرك والشرطة والجمارك.

ويتناسى القائمون على نقاط التفتيش هذه أن طريق الأمل عرفت قبل ذلك بأعوام هروب قادة انقلاب الثامن من يوليو 2003 وتشهد في كل أسبوع دخول عشرات المهاجرين السريين، وكميات متزايدة من الحشيش المخدر الذي يجد مهربوه فرصة في غياب الأمن وغفلة الرقيب فيغرقون موريتانيا بأنواع المخدرات العابرة والمستقرة.

ويبين الجدول التالي مستوى غفلة القائمين على نقاط التفتيش، وإن وجب التنويه إلى أن الرشوة التي كانت تعطى للسلطات الأمنية تناقصت، أو ربما يعود ذلك لأن السائق الذي رافقناه كان جنديا سابقا في الجيش الموريتاني وما زال يحتفظ ببطاقته التي يظهرها كلما اقترب منه عنصر أمن مكلف بالرقابة و التفتيش.

ما إن تقترب قليلا من مدينة النعمة حتى تداهمك على الجانب الأيسر من الطريق أكوام من الحجارة تنقص الطريق من أطرافها إلى النصف، فيصعب فيها أن تتجاوز سيارة سابقتها إلا برضاها و انحرافها عن الجادة كي تتمكن المتجاوزة من العبور، وهو ما يسبب حوادث سير مميتة لكل من لا يعرف هذه الطريق، وهو شاهد إضافي على الإهمال والتفريط في حياة المواطنين حيث يزيد عمر هذه الحجارة المتراكمة على الجانب الشمالي من الطريق على ست سنوات وهي الفترة التي أمضاها لحد الساعة مطار المدينة مغلقا، ما يعني أن كل المسؤولين الذين سلكوا هذه الطريق على علم بهذا الخطر.

وحين تقابل مباني السلطات الإدارية ينقطع الأمل وطريقه، وينتصب أمامك على الجانب الأيمن مولد كهربائي من الحجم الكبير استجلب في ظل أزمة نقص الكهرباء التي عرفتها مدينة النعمة لكن المسؤولين عنه تركوه دون حماية أو حاجز أو إشارة تنبيه على خطره.

وتنتهي بك رحلة العشرين ساعة إلى مدينة النعمة...حيث للحديث عنها بقية..