التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:41 غرينتش


تاريخ الإضافة : 02.12.2008 12:43:18

المواشي في النعمة: ثروة طائلة .. تنتظر الإهتمام

خاص بالأخبار- النعمة
بعض الحمالة في معركة من أجل عقل أحد الجمال (تصوير الأخبار

بعض الحمالة في معركة من أجل عقل أحد الجمال (تصوير الأخبار

بعد معركة ضارية تستمر عدة دقائق يتمكن أمبارك ورفاقه من عقل هذا الجمل القادم لتوه من الأراضي المالية، بعدما قضى فترة كافية يرعى نبات " إدار" هناك، في ما يعرف بـ"أزلاي" وسيكون ضمن "وسقة" من ثمانية وعشرين رأسا من الإبل ستغادر "مرفد" النعمة فجرا متوجهة إلى العاصمة نواكشوط لتباع هناك، أو ربما لتنقل إلى منطقة أخرى من موريتانيا، أو إلى إحدى دول الجوار، كالمغرب والسنغال.

معاناة في كل مراحل النقل..

إحدى الشاحنات تجهز بالرمال لنقل الإبل إلى نواكشوط (تصوير الأخبار

إحدى الشاحنات تجهز بالرمال لنقل الإبل إلى نواكشوط (تصوير الأخبار

لا توجد إحصائية دقيقة عن حجم الثروة الحيوانية في الحوض الشرقي إلا أن حجم التسويق يكفي للدلالة على أهميتها، فأمبارك ورفاقه يحملون في " مرفد" النعمة حوالي ثلاثة إلى ستة شاحنات في الأسبوع من الإبل بالمتوسط، وما يقارب ذلك من البقر والغنم.
وتضم دفعة الإبل والبقر ما بين ثمانية وعشرين إلى بضع وثلاثين رأسا، حسب أعمار وأحجام القطيع، فيما تصل دفعة الغنم المحمولة من هنا حوالي مائة وسبعين رأسا في الشاحنة الواحدة.
يتم تحميل الشاحنات هنا بطريقة بدائية جدا، فالشاحنة المراد تحميلها تقف بالقرب من تلة يوازي ارتفاعها ارتفاع مقطورة الشاحنة، ويقوم أحد الحمالة بوضع الرمال في الشاحنة حتى تحول دون تعرض المواشي للحديد بشكل مباشر، وبعد تسوية الرمال، يساق القطيع فرادى إلى التلة، ويحيط الحمالة بالجمل المعقول، يسوقونه حتى يرغموه على دخول المقطورة، وحينها، يتولى آخرون إناخته في المكان المخصص له، بحيث يرتب القطيع ترتيبا يسمح لأفراده بالتحرك في إطار محدود.

وبنفس الطريقة تحمل قطعان البقر والغنم، ويقول أمبارك (رئيس فريق من الحمالين) إن غياب الوسائل الحديثة أو أي عناية من طرف الدولة بقطاع تسويق المواشي يضاعف من أعباء مهنتهم، ويستطرد في حديثه مع وكالة أنباء الأخبار:" نحن نحمل القطيع على أكتافنا حتى ندخله الشاحنات، ونرافقه حتى نصل به وجهته، ثم نفرغ الحمولة هناك، بما يحيط بذلك من مخاطر، فلو أن البلدية أعد الطريق المنحدر من "كدية لعديله" الواقعة شرق النعمة وأزاحت أنابيب المياه من طريق الإبل، وشيدت "مرفدا" تحمل منه المواشي بشكل آمن ليس كالذي بنت في السابق، وخففت الضرائب لكان حالنا اليوم أفضل"

إجماع على اليأس..

لا ظل هنا يقي باعة الأغنام في هذا الصعيد رغم حرارة المنطقة(تصوير الأخبار)

لا ظل هنا يقي باعة الأغنام في هذا الصعيد رغم حرارة المنطقة(تصوير الأخبار)

غادرنا "المرفد" متوجهين إلى سوق الغنم، بادرنا باعتها بسيل من الشكاوى، لم يكل أحد منهم الأمر إلى الآخر، فكانوا يتنازعون الكلام، حرصا على إيصال أكبر قدر من المعلومات.
وبعد محاولة تهدئة الوضع اتفقوا على أن يتحدث لنا نقيب الاتحادية الوطنية لتنمية وتسويق الحيوانات السيد محمد ولد حم وبصوت متهدج قال " إن باعة الأغنام لا يريدون من الدولة أكثر من أن تتركهم لحالهم..لقد يئسنا من أي إصلاح.. أنظر نحن هنا في هذا الصعيد الذي لا نعرف من يملكه، نسقي مواشينا من هذه الآبار وفي الحائط المجاور نحفظها، لكنا نفضل هذا المكان على المكان الذي بنته البلدية في المدخل الغربي للمدينة، فهذا المكان قريب من وسط المدينة، ويمكن أن يصله أي مشتر، ولا يكلف المشتري أكثر من خمسين أوقية يعطيها لطفل يسوق له شاته.

محمد ولد حم نقيب اتحادية تسويق الحيوان يتحدث للأخبار

محمد ولد حم نقيب اتحادية تسويق الحيوان يتحدث للأخبار

في حين أن السوق الذي بنته البلدية بالتمالئ مع رجال أعمال في المدينة لا يخدم مصلحة الباعة، فيه برميل الماء يصل في الصيف إلى ألف أوقية، وتساق منه الشاة بثلاثمائة أوقية..بالإضافة إلى أن لا ظل فيه يقي حر الشمس، وحائطة قصير، وهو في موضع بعيد يتطلب الوصول إليه تأجير سيارة أجرة بخمسمائة أوقية، ومتوسط دخل أحدنا اليومي حوالي خمسمائة أوقية..فما ذا سنفعل بها هل نؤجر بها سيارة أجرة أم نشتري بها خبزا للإطفال..إنهم يدعون رغبتهم في حمايتنا من السيول في فصل الخريفن فلماذا وزعوا المساحة التي كانت فيها سوق الحيوان على التجار..؟

باعة الإبل في بطحاء النعمة لا ظل ولا حائط (تصوير الأخبار)

باعة الإبل في بطحاء النعمة لا ظل ولا حائط (تصوير الأخبار)

وعلى بعد عشرات الأمتار تجلس مجموعة من الرجال في ما كان به ذات يوم نخيل أبقت الأيام منه آحادا، يرقبون حركة المرور تحسبا لأي مشتر أو راغب في البيع، وبين الحين والآخر يلقون نظرة على قطيع الإبل الذي وجد في فسحة بطحاء النعمة متنفسا له.
يحدثنا الداه ولد أعمر أحد أقدم باعة الإبل في هذه البطحاء عن مشاكل القطاع فيقول إن إهمال الدولة في مختلف مراحل الأنظمة السياسية لقطاع تسويق الثروة الحيوانية لا يحتاج دليلا، فنحن هنا قيل لنا عليكم أن تأخذوا مواشيكم إلى آخر نقطة في المدينة من الجانب الغربي في مكان لا يجد الراجل فيه مسلكا، فكيف بعشرات الأنعام التي تجفل من أي حركة ولا تكاد تسعها هذا البطحاء...لم نعد نريد منهم إلا أن يتركونا لحالنا..فنحن لا نحتاج منهم شيئا..نتأثر بالوضع في مالي أكثر من تأثرنا بتغيير نظام الحكم في نواكشوط، فمن مالي نستورد الحبوب والعلف والشاي، والفستق..وأشياء كثيرة"

حائط يملكه أحد التجار وفيه يحفظ الباعة أبقارهم (تصوير الأخبار)

حائط يملكه أحد التجار وفيه يحفظ الباعة أبقارهم (تصوير الأخبار)

وعلى مقربة من سوق الإبل كان عميد باعة البقر السيد محمد الأمين ولد انينا يحكم إغلاق باب حائط يحوي عشرات الرؤوس التي يودعها لديه الباعة بعد عودتها من المراعي مساء، يرى أن البلدية تأخذ منهم ضرائب دون تقديم خدمات فهي تأخذ بشكل يومي 30 أوقية عن رأس البقر، و50 أوقية عن رأس الإبل وفي المسلخ تأخذ 500 أوقية عن النحيرة من الإبل و300 أوقية عن نحيرة البقر، و130 أوقية عن ذبيحة الغنم،" وفي المقابل لا توفر لنا شيئا فنحن نسقي من بئر قريبة من هنا، ونحفظ الابقار في هذا الحائط، لأنها تريد منا أن نذهب إلى سور بنته في مدخل المدينة الغربي وهو لا يناسب الباعة ولا المشترين..نحن نرفض ذلك

محمد الأمين ولد انينا عميد باعة الأبقار في النعمة أثناء حديثة للأخبار

محمد الأمين ولد انينا عميد باعة الأبقار في النعمة أثناء حديثة للأخبار

وعلى الدولة أن تعرف أنا لن نقبل أن نكون رهينة لقرار لم نستشر فيه، فذلك السور بني بتمويل من المشروع الآلماني، ولم يستشر في موضعه باعة الحيوان الحقيقيين، وعليهم تحمل تبعات ذلك القرار، نحن هنا نعيش في غنى عن الدولة منذ عشرات السنين وسنستمر في ذلك"
ولدى زيارتنا للسور الذي بنته بلدية النعمة قبل أكثر من عام وجدنا حائطا يضم قضبانا حديدية وخزانات مياه، وبعض العربات، يمتد طوله عشرات الأمتار وكذلك عرضه، لكنه في منطقة تبعد حوالي كيلوميترين من وسط المدينة، والشوارع المحيطة به في أغلبها شوارع ضيقة، ولم نجد فيه أحدا نأخذ رأيه.

دورة المنتوج..

السور الذي بنته البلدية في المدخل الغربي للنعمة ويرفض الباعة دخوله (تصوير الأخبار)

السور الذي بنته البلدية في المدخل الغربي للنعمة ويرفض الباعة دخوله (تصوير الأخبار)

لدى حديثنا إلى باعة الغنم في بطحاء النعمة فاجأتنا أسعار المواشي في مدينة تعتبر المصدر الأول للثروة الحيوانية في موريتانيا حيث وجدنا أن سعر النعاج تراوح بين 15000 أوقية و20000 أوقية، وهي أسعار تفوق الأسعار التي تباع بها الأغنام في نواكشوط.
شرح لنا الناجي ولد اسماعيل ورفاقه السبب في ذلك، حيث اعتبروا أن أزمة السيولة التي تعرفها موريتانيا منذ فترة ترغم تجار المواشي على بيع " الوسقات" بأسعار أقل من أسعار شرائها في بعض الأحيان، ذلك أن التعامل يكون مع التجار في نواكشوط الذين لا توجد رقابة على تصرفاتهم ولا على السوق، ولكي يعوض تاجر المواشي هذه الخسارة ، يشتري المواد الأكثر استهلاكا في الحوض الشرقي كالملابس والمواد الغذائية ، ويبيعها في النعمة والأسواق الريفية المجاورة لها بأسعار مرتفعة، ومن العملية الأخيرة يجني أرباحه.

طابور من الشاحنات في انتظار حمل المواشي إلى نواكشوط(تصوير الأخبار)

طابور من الشاحنات في انتظار حمل المواشي إلى نواكشوط(تصوير الأخبار)

ورغم ما تشي به هذه الدورة الاقتصادية من بدائية في التعامل التجاري، إلا أن مستوى الوعي لدى بعض الباعة جعلهم يطالبون بضرورة أن تعتبر الدولة الموريتانية أن الثروة الحيوانية جرء من الثروة الوطنية وأن تبوب عليها في الميزانية العام للدولة، وتخصص لمداخيلها نصيبا لدى حساب الدخل القوى.
فيما طالب آخرون بضروة قيام الحكومة بحملة توعية واسعة بضرورة الاستثمار في هذا القطاع الحساس، وأن ينشأ برنامج خاص لتحفيز مالكي المواشي في الحوض الشرقي على الدخول بفعالية في الدورة الاقتصادية للبلد.
وإلى أن يلتفت حكام موريتانيا إلى هذا القطاع الذي يعيش عقده الخامس منذ قيام الدولة الموريتانية في إهمال، يواصل باعة المواشي في النعمة رسم خططهم الخاصة لتطوير القطاع على أسس توارثوها عن أسلافهم، ويستعدون في كل عام لدفع فاتورة أي هزة اقتصادية أوسياسية تضرب البلد أو العالم.. دون أن يكون لهم خيارغير ذلك.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!