التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:10:59 غرينتش


تاريخ الإضافة : 06.12.2008 13:11:20

جدول أعمال للوفاق الوطني

      محمد ولد محمد سالم dah_tah@yahoo.fr

محمد ولد محمد سالم [email protected]

في ظل الأزمة السياسية الحادة التي نجمت عن انقلاب السادس من أغسطس، ما فتئت ترتفع من حين لآخر دعوات للمصالحة وتقدم مبادرات للحل، ولم يظهر أن أيا من تلك الدعوات أو المبادرات آتت أكلها، ولم نسمع عن اتصال من أي نوع بين طرفي الأزمة، ( المجلس الأعلى للدولة والجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية) وربما يكون الخلاف و التوتر ازداد أكثر بخروج الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله من معتقله ودخول بعض المتهمين من عناصر الجبهة السجن في قضية الخطوط الجوية والأرز الفاسد وغيرهما، حتى بات كل عمل يقوم به طرف جريمة مدانة من الطرف الآخر و مزايدة سياسية عارية من أي قصد وطني نبيل. و في ظل هذه الوضعية يجد الوسيط المخلص نفسه عاجزا عن الإمساك بالخيط الذي يمكن أن يوصله إلى جمع المتخاصمين على مائدة مفاوضات واحدة يمكن أن توصلهم إلى مخرج من هذه الأزمة الخطيرة. فالمجلس العسكري المكون من مجموعة من قادة الجيش الأساسيين الممسكين بأزمته يعتبر أن الانقلاب أمرا واقعا ولا رجعة فيه وأن المهم هو التفكير في الخطوات التالية لذلك يخطط لإقامة أيام تشاورية ويدعو لها وهو غير مستعد للدخول في مفاوضات منفردة مع الجبهة ولا نقاش أي طرح يتبنى عودة الرئيس سيدي إلى الحكم أيا كان شكل أو شعار تلك العودة، ويريد المجلس من الجبهة أن تكون ككل الأحزاب و المكونات الوطنية الأخرى وتدخل إلى تلك الأيام التشاورية دون قيد أو شرط وهذا المطلب مجحف بالجبهة ونضالها من أجل عودة الشرعية ولا يمكن بحال من الأحوال أن تقبله وكأن شيئا لم يكن، ولا معنى لقبولها له بعد كل هذا الوقت. وهي التي رفعت شعار الدفاع عن الشرعية واشترطت عودة سيدي إلى الرئاسة كمنطلق لأي نقاش آخر.
إن إصرار المجلس الأعلى للدولة على المضي في برنامجه للفترة الانتقالية وتجاهله لمعارضة الجبهة وسعيه لإقصائها شعبيا قد يحقق الغرض منه وقد يستمر دون عرقلة تذكر حتى نصل إلى مرحلة انتخاب لرئيس جديد، و أيا كانت الشعبية التي سيحوزها برنامج المرحلة الانتقالية أو الشرعية التي سيتمتع بها الرئيس القادم فإن ذلك سيعيدنا إلى الصيغة القديمة أيام معاوية. رئيس يزعم أنه منتخب ومعارضة لا تعترف به. وهذا سينعكس على تعامل العالم الخارجي معنا ففي أحسن الأحوال سوف تبتزنا الدول القوية لمصلحتها إن لم يصل بها الأمر إلى حصارنا اقتصاديا.
إن الشرط الأول للتنمية الحقيقية هو حصول إجماع وطني حول القضايا الكبرى والتي هي: شرعية الحكم والمساواة الاجتماعية والعدالة ، وما لم يحصل ذلك فإن سياسة الإقصاء لن تنتج إلا أدوارا من الصراع يذهب المجتمع والدولة ضحيتها وقد تنتهي إلى اضمحلال الكيان، ومن هنا فإن على طرفي الصراع وعلى الساسة الموريتانيين قاطبة أن يعوا حرج الظرفية ويعملوا بكل جهدهم و بنيات صادقة للوصول إلى وفاق وطني يحل الأزمة الراهنة و يرتب للمرحلة المقبلة.
ومن أجل ذلك أقدم هنا أفكارا للنقاش ولمجرد تحفيز عقول أهل الشأن للتفكير طريقة جادة وواقعية للحل.
هناك مجموعة من الشروط التي لا غنى عنها في هذا السبيل:
1- على الجميع أن يعي أن الأزمة الحالية أزمة سياسية تتعلق بشرعية الحكم القائم وهي التي يجب نقاشها في المرحلة الأولى وقبل التفكير في أيام تشاورية. وينبغي أن يجري هذا النقاش خارج مظلة المجلس الأعلى للدولة والحكومة.
2- تنظم أيام لهذا الغرض في مكان ذي رمزية وطنية وبعد تاريخي أو اجتماعي وتعتبر ألاك و كيفة من الأماكن المثالية لكون الأولي احتضنت أول مؤتمر للوحدة الوطنية سنة 1958م ذلك المؤتمر الذي كان نواة للوحدة الوطنية وصدرت عنه قرارات وطنية هامة ولكون الثانية تمثل سرة الوطن ورمز الانصهار الاجتماعي والتفاعل بين مختلف مكونات الشعب.
3- ترعى هذا النقاش جهة وطنية مستقلة وذات مصداقية وتأثير. ولا ضير إن طلبت تلك الجهة الدعم الفني والمادي من جهات خارجية محايدة كاسبانيا وتونس وقطر ويعتبر كل من نادي الدبلوماسيين و اتحاد أرباب العمل الموريتانيين واحدا من المرشحين الأقوياء ليكون هو تلك الجهة.
4- يقتصر هذا الاجتماع على الأحزاب السياسية المعترف بها وتمثل هذه الأحزاب في المؤتمر حسب حجمها البرلماني وتراعى التغيرات التي طرأت مثلا على (حزب عادل) فيعطى كل طرف منه حصته وأما الأحزاب التي ليس لها تمثيل في البرلمان فيمثل كل منها بمندوب واحد و تستدعى للملتقى أيضا الشخصيات الوطنية المؤثرة و التي التزمت موقفا محايدا في الأزمة الراهنة.
تلك هي الشروط الأساسية لقيام مثل هذا اللقاء و أما جدول أعماله فيتلخص في دراسة النقاط التالية:
• الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية.
• الوضع الدستوري للمؤسسة العسكرية.
• تكوين مجلس انتقالي للرئاسة : من خمسة أعضاء، لا يضم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. ويحل هذا المجلس محل المجلس الأعلى للدولة ليرعى عمل الحكومة وهو ذو طابع مدني ويمكن أن يضم عضوا عسكريا من المجلس الأعلى للدولة على أن تكون رئاسة مجلس الرئاسة دورية كل (شهرين أو ثلاثة) و قراراته تتخذ بالأغلبية ويمكن الإبقاء على المجلس العسكري بتشكيلته الحالية وإعطاؤه صفة مراقب حتى نهاية الفترة الانتقالية.
• تحديد الفترة الانتقالية و تقرير آجال لانتخابات بلدية وبرلمانية ورئاسية.
إن هدف الملتقى هو التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تلك النقاط ثم تعين لجنة للمتابعة والتفاوض تتولى إبلاغ ذلك الاتفاق إلى المجلس الأعلى للدولة والتفاوض معه بشأنها، وينبغي أيضا أخذ موافقة الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
إذا حدث الاتفاق حول هذه النقاط فسيوفر مرتكزين :
الأول : وحدة الموقف السياسي في هذا الظرف الشاق من تاريخ البلد.
الثاني : إجماع قوي في وجه المجلس العسكري يعطي للمفاوضين قوة بها يفرضون رأيهم.
وفي هذه الحالة فإن المجلس الأعلى للدولة سيضطر لقبول تلك الصيغة التي ستحفظ له ماء وجهه وتحقق الأهداف التي مافتئ يكرر أنه جاء من أجلها والتي من أساسها وضع حد نهائي لسلطات رئيس الجمهورية المنتخب وكذلك مراجعة صلاحيات رئيس الجمهورية، ووضع الجيش في الحكم، أما إذا لم يقبل المجلس الأعلى للدولة تلك الصيغة فإنه سيواجه بإجماع سياسي، و سيظهر أمام الداخل والخارج بمظهر المتعنت المستبد الذي لا يريد حلا للأزمة. ونتيجة مثل تلك الوضعية معروفة.
وفي الاتجاه الآخر ستضمن تلك الصيغة للجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية تحقيق جزء كبير من مطالبها، وأولها تنازل المجلس العسكري الأعلى عن الحكم، وهذا مكسب قوي يمكن معه أن تتغاضى الجبهة عن الشق الثاني من مطالبها وهو عودة ولد الشيخ عبد الله إلى الحكم تغليبا للمصالحة والإجماع الوطني.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!