التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:35 غرينتش


تاريخ الإضافة : 14.12.2008 13:36:37

مستشفى النعمة: نقص في الطواقم والمعدات

خاص الأخبار - النعمة
منتظرات  في مدخل مركز الاستطباب في النعمة(تصوير الأخبار)

منتظرات في مدخل مركز الاستطباب في النعمة(تصوير الأخبار)

وجوه شاحبة، وجيوب فارغة، ومعدات مفقودة، وازدحام في الطوابير، وسأم من الانتظار، وتذمر من الإهمال، وجهود للتخفيف، وقلة في الحيلة، وأمراض تتكاثر وعناية تتضاءل..وقصص تنسيك اللاحقة منها السابقة، وآمال تصطدم بصخرة العجز، وشواهد فساد حفرتها السنون على جدران منشأة مولها الإيطاليون وخربها المسؤولون، كل ذلك ينتصب أمام عينيك وأن تتقدم خطواتك الأولى داخل مبنى مركز الاستطباب في مدينة النعمه...في أقصى شرق موريتانيا.

مسلسل معاناة..

حبال لشد الآلة ولا حشايا تقي البرد (تصوير الأخبار)

حبال لشد الآلة ولا حشايا تقي البرد (تصوير الأخبار)

في محاولة للتكيف مع حاجات محمد ذي الست سنوات، لم يجد الفريق الطبي في مستشفى النعمة غير حبال بالية لشد آلة طبية تساعد المريض على تثبيت رجله في مستوى واحد، بعد إجراء عملية جراحية في الفخذ، ولم يكن لأم محمد خيار غير جعل البطانية التي جلبتها من منزلها لتغطية الطفل فراشا يحول بين جسمه الطري وبرودة حديد السرير، مع انعدام الحشايا، أو عدم صلاحية ما هو موجود منها في جناح حجز العلميات الجراحية.

أمبارك وهو يشرح تفاصيل رحلته من جكني(تصوير الأخبار)

أمبارك وهو يشرح تفاصيل رحلته من جكني(تصوير الأخبار)

ولا تختلف معاناة محمد كثيرا عن معاناة أمبارك الذي أضطر لتأجير سيارة من "كسر البركة" في مقاطعة جكني بخمسين ألف أوقية لنقله ليلا إلى مركز الاستطباب بالنعمة، ويقول" بعد يومين من معالجة مريضي لم تعد بحوزتي سوى أربعين ألف أوقية مع أني قدمت إلى هنا وعندي أكثر من تسعين ألف أوقية، التكاليف هنا لا تطاق، والصيدليات تبيع الدواء هنا بأسعار غير مستقرة وتنتهز فرصة استعجال المشتري، والأوقات الاستثنائية لمضاعفة الأسعار..هنا فوضى لا حدود لها..ولا أحد يسأل عما يفعل".

مريم لم تشأ تفويت الحديث عن أوضاع المستشفى لتشكو حالها(تصوير الأخبار)

مريم لم تشأ تفويت الحديث عن أوضاع المستشفى لتشكو حالها(تصوير الأخبار)

وبنفس حدة الخطاب كانت مريم ترفع صوتها بالشكوى لتسمع معاناتها في هذا المستفشى قائلة: "وصلت هنا قبل ثلاثة أيام والسيد الذي برفقتي مصاب بنوبة حادة من الربو واليوم ليس لدي ما أشتري له به الدواء، فمصاريف الدواء هنا لا تطاق، أنا الآن لا أملك أوقية واحدة رغم أنه كانت بحوزتي صباح اليوم تسعة آلاف أوقية، على رئيس المجلس الأعلى للدولة أن يضع حدا لمعاناتنا، نحن جزء من موريتانيا..موريتانيا ليست نواكشوط فقط..نحن نعيش إهمالا لا يتصور..لا أحد هنا يحس أنه في دولة.."

حين ينام المنتظرون..

مل هؤلاء من انتظار الجراح الوحيد  في النعمةفاستسلموا للنوم (تصوير الأخبار)

مل هؤلاء من انتظار الجراح الوحيد في النعمةفاستسلموا للنوم (تصوير الأخبار)

وفي ما تبقى من ظل حائط حناج العمليات لم يجد هؤلاء بدا من افتراش الأرض، في انتظار أن يجد الجراح الوحيد في ولاية الحوض الشرقي متسعا من الوقت، لمعاينة مريضهم، وبعد مرور ساعات من انتظاره غلب بعضهم النوم، وبقي آخرون يرقبون حركة المستشفى ويتطلعون إلى رؤية أي شخص يلبس ثوبا طبيا حتى ولو كان عامل نظافة، ليستفسروه عن موعد انتهاء العملية الجراحية الجاري تنفيذيها.
وغير بعيد من هؤلاء ينتظر عدد من النساء أمام قاعة الفحص الإشعاعي منذ أكثر من خمس ساعات، لعل أحد الأطباء يجد وقتا لمعاينة إحداهن.

مجموعة من المنتظرات أمام غرفة الأشعة في انتظار طبيب (تصوير الأخبار)

مجموعة من المنتظرات أمام غرفة الأشعة في انتظار طبيب (تصوير الأخبار)

وتقول فاطمة في حديث لوكالة أنباء الأخبار المستقلة " جئت يوم أمس من تمبدغة، وبعد طابور طويل عاينني الطبيب المختص في أمراض النساء، وطلب مني فحصا بالتلفزة (أيكوغرافي) ومنذ الصباح الباكر جئت هنا، وسددت ثمن الفحص عند المحاسب بقيمة 2000 أوقية ، وأعطاني الرقم الأول في الطابور، وقد مرت خمس ساعات وأنا هنا في انتظار أن يأتي أحد الأطباء ليجري لي التصوير" وهي نفس وضعية كل هؤلاء المنتظرات هنا..
وفي الجانب الآخر من المبنى كان عدد مشابه من النساء ينتظم في طابور أطول بقليل أمام مكتب متواضع تجلس خلفه القابلة الوحيدة في المستشفى السيدة عيشة بنت محمد أمبارك.
استعضنا عن الحديث مع المنتظرات بالحديث مع القابلة، حيث معاناتها لا تقل عن معاناة المنتظرات.

عيش بنت محمد أمبارك القابلة الوحيدة في مستشفى النعمة حاليا (تصوير الاخبار)

عيش بنت محمد أمبارك القابلة الوحيدة في مستشفى النعمة حاليا (تصوير الاخبار)

تقول بنت محمد أمبارك " أنا الوحيدة التي أعمل في مركز الاستطباب في النعمة هذه الأيام، كانت معي اثنتان، لكن إحداهما سافرت إلى نواكشوط، والأخرى لها ظروف خاصة، وتساعدني في عملي هنا ست مساعدات فقط، وهذا ما يولد ضغطا كبيرا علي في العمل، وفي كثير من الأحيان أضطر للعمل قرابة ستة عشر ساعة متواصلة..نحن نطالب وزارة الصحة ببعث أو تكوين قابلات وإرسالهن إلى مستشفى النعمة"
وتضيف بنت محمد أمبارك" أكبر مشكلة تواجهنا هنا هي انعدام بنك للدم، تأتي حالات كثيرة بحاجة إلى الدم بشكل سريع بسبب نزيف قد يصاحب الوضع، ولكن نتحية انعدام مخزون من الدم في المستشفى نضطر إلى طلب متبرعين، وقد لا يكون الدم جاهزا للاستخدام بعد معالجته حتى تسوء حالة المرأة, ويصعب علاجها".

وتشكو الإدارة..

الدكتور وافي ولد سيدي ببوبكر أثناء حديثه للأخبار

الدكتور وافي ولد سيدي ببوبكر أثناء حديثه للأخبار

توجهنا إلى الدكتور وافي ولد سيدي بوبكر مدير مركز الاستطباب في النعمة وبرحابة صدر عدد لنا من المشاكل التي يواجهها ما أنسانا شكاوى المواطنيين.
وفي حديثنا معه أكد أن أكبر ثلاث مشاكل يواجهها المركز الذي يتمتع بإدارة مستقلة هي عدم وجود مولد كهربائي خاص بالمستشفى" وهذا ما يضطرنا في كثير من الأحيان إلى عدم إجراء العمليات الجراحية في الليل إلا في ظروف استعجالية، مخافة أن ينقطع الكهرباء، فنكون في ورطة، ومن تداعيات ضعف التيار الكهربائي كذلك عدم قدرتنا على تكييف غرف الحجز في فصل الصيف الذي يتميز بحرارة لا تطاق في مدينة النعمة، والكثير من العوائق الأخرى.
طلبنا من وزارة الصحة شراء مولد كهربائي خاص بالمستشفى وعلمنا أنها قطعت خطوات في سبيل تحقيق هذا المطلب لكنه لم يصلنا بعد.
المشكلة الثانية نقص في العديد من المستلزمات الطبية وفي مقدمتها سيارات الإسعاف حيث لا يتوفر لدى المركز سوى سيارة إسعاف واحدة قادرة على السفر إلى نواكشوط، وأخرى متقادمة لا يمكن أن تتجاوز أحياء المدينة وهي مخصصة لنقل مرضى المدينة وجلب الأطباء في الأوقات الحرجة.
"تصوروا معي، السيارة موجودة الآن في نواكشوط، وحين تأتي حالة مستعجلة اليوم أو غدا إلى المستشفى لن يكون أمامنا إلا أن نطلب من ذوي المريض أن يأجروا سيارة خاصة لنقله إلى نواكشوط..هذا شيء مؤسف، نأمل في تغييره.. لكنه واقع"
المشكلة الثالثة: هي نقص الطاقم الطبي، حيث يعمل في المركز ثلاثة أطباء عامون، وثلاثة أخصائيون، وعدد من الممرضين، فالأخصائيون هم أخصائي أمراض النساء والتوليد، وأخطائي طب الأطفال وأخصائي أمراض الفم والأسنان، بالإضافة إلى جراح وحيد.
"نحن بحاجة إلى حراج إضافي على الأقل، لأن الجراج الوحيد تكثر عليه في بعض الأيام العمليات الجراجية ويشق عليه العمل، وهو بحاجة إلى من ينوبه أو يعينه، كما أننا بحاجة إلى طبيب عيون، لأنه في المرة الماضية التي جلب المستشفى فيها فرقة طبية من مجموعة بوعماتو الخيرية، أجرينا أربعمائة عملية، واليوم أمراض العيون لا دواء لها ويضطر أصحابها إلى السفر إلى نواكشوط".
وبشكل أكثر إلحاحا نحن بحاجة إلى متخصص في الأشعة لأن كل من يطلب منه إجراء فحص إشعاعي يتوجب عليه انتظار الطبيب الذي طلب الفحص ليجريه له، فكل طبيب هنا يشرف على فحوص معاينيه، وهذا هو السبب في طول الطابور الذي لاحظتموه لدى زيارة غرفة الأيكوغرافي.
" ورغم كل هذه العوائق فإن المركز يؤدي الكثير من الوظائف التي تخفف معاناة سكان الولاية الذين يأتون إليه من مختلف مقاطعاتها، ويتحمل بشكل كلي مصاريف نقل الحالات المستعجلة التي تتصادف مع سيارة الإسعاف هنا"

إحدى المعيدات تشكو الأوضاع الصحية في المستشفى

إحدى المعيدات تشكو الأوضاع الصحية في المستشفى

وعما يشكو منه بعض المواطنين في مدينة النعمة ومناطق شرق موريتانيا من أن تكاليف العمليات الجراحية تبدو جزافية في كثير من الأحيان ويحددها الجراح كما يريد، كما أنه يطلب في أحيان عديدة إجراء عمليات جراجية وحين يعاين المريض في نواكشوط لا يطلبون إجراء عملية، وأن بعض الممرضين يكتبون الوصفات الطبية للمرضى بعيدا عن أعين الأطباء وهو ما قد يشكل خطرا على حياة المواطنين؟
قال الدكتور وافي ولد سيدي بوبكر: هذا غير دقيق تماما فتكاليف العمليات الجراحية محددة من طرف وزارة الصحة وهي محددة بشكل جزافي، ونحن في مركز النعمة لم نرفع هذه التكاليف رغم أن العديد من المستشفيات الجهوية رفعتها، وكذلك القول إن الحراج يطلب إجراء عمليات عاجلة، وحين يعاين المريض من طرف مستشفيات العاصمة يؤكدون عدم استعجالية العملية أو عدم إلزاميتها، فهذا قد يحدث في حالات كالزائدة الدودية حيث يكون المريض في حالة حادة وهي حالة الذروة التي تتوجب إجراء العملية، وحين لا تجرى العملية في ذلك الوقت فإن الأعراض قد تختفي وبذلك إذا عاينه الأطباء في نواكشوط تكون الأعراض الحادة قد اختفت فلا يرون استعجالا للعملية، وهذا أمر طبيعي.
وأما كتابة بعض الممرضين للوصفات الطبية فهو يحدث في إطار المعقول لأن بعض الممرضين مكونون تكوينا يسمح لهم بكتابة وصفات الأعراض الخفيفة كالصداع والزكام والأمراض الخفيفة.. وأما غير ذلك فلا علم لنا به.

رسالة من مواطن..

مرضى النعمة يطالبون السلطات بالتدخل السريع (تصوير الأخبار)

مرضى النعمة يطالبون السلطات بالتدخل السريع (تصوير الأخبار)

وما بعد حديث الصور المؤلمة، والوجوه البائسة وإقرار الإدارة من حديث إلا ما كان من رسالة حملنا بها سيد في المستشفى قائلا نريد منكم أن تقولوا للسلطات "أن من يعرف يوم تشييد هذا المستشفى وتجهيزه من طرف الإيطاليين عام 1995 يدرك حجم الفساد الذي مر به في كل الأنظمة السياسية..وقد آن أن يوضع حد نهائي لهذا الفساد..آن أن يلتفت حكام موريتانيا مهما كانت هويتهم إلى هنا، أن يعرفوا أن النعمة وما جاورها جزء من هذا البلد وأن بعدها عن العاصمة لا يعني حرمانها من العناية وحقها على هؤلاء الحكام".


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!