التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:11:02 غرينتش


تاريخ الإضافة : 17.12.2008 15:21:56

الأزمة الموريتانية:نهاية البداية(شنقيط) .....أم بداية البداية (موريتانيا)؟

الهادي ولد الحافظ

الهادي ولد الحافظ

قد تكون هناك في التاريخ أوقات وعصور أجمل من عصرنا هذا, أو حتى في المستقبل, ولكن ليس لنا سوى هذا العصر كي نحياه بالعبودية أو بالحرية.
سارتر

في حديث عابر -من ذاكرة التاريخ-لشخص سارح في التفكير قد لا يكلف كثير عناء؟غير المعرفة ولو البسيطة جدا بماضي هذه البلاد والنظر الى ما يطفو على سطح الحاضر المعيش ....
إذ تبدو له الجدة شنقيط(بلاد الشناقطة) وهي جد مكتئبة أو مشفقة على البنت(موريتانيا)ولسان حالها يقول مخاطبا إياها :
ماكان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا؟
وتقول :
هل أزرى بك الدهر بعدنا؟
بنت الحبيبة كيف وأنت من ورثت عني أبنائي وحتي اسمي ولو الى حين...
ثم تختم الجدة(شنقيط) بالقول :
والله لولا بقية أبناء فيك....لندمت على تمخضي أصلا لإنجابك؟







إن المتتبع للساحة اليوم يجد في التاريخ بل في الماضي القريب والقريب جدا متعة قد تصل به إلى عشق تلك الفترة المجيدة مما يجعله وهو يمر على كل شبر من أرضنا الحبيبة يرسم تمثالا تلقائيا لصاحب مجد تليد مر من هنا ذات يوم؟
ولكن كيف لا....وهذه الأرض وبنفس المساحة الجغرافية ونفس الأجناس البشرية بل وحتى بنفس الطبيعة المناخية هي من أنجبت عدا لا حصرا :

1- محمد محمود بن التلاميد:
من قال عنه الزركلي في "الأعلام" أنه(علامة عصره في اللغة والأدب)...
وقال عنه الدكتور أحمد حسن الزيات: أنه نشر المخصص وحرر القاموس...
من وضع فهرسة للمخطوطات العربية بأسبانيا بأمر من السلطان العثماني حين أرسله إليها....
من طلب الملك أوسكار (ملك السويد والنرويج)من السلطان العثماني أن يوفده إليه ليحدثه عن أيام العرب وأشعارهم...

2ـمحمد أمين فال الخير الشنقيطي:
من خصصت له العراق أول كتاب مطبوع من سلسلة "أعلام البصرة"...
من احتفل به النادي العربي بالكويت عدة مرات وفي محافظة البصرة...
من أقام في قرية "الزبير"و أسس بها (جمعية النجاة ومدرستها) وشارك في معركة الشعبية ضد الإنكليز....


3-العلامة سيدي عبد الله بن الحاج ابن إبراهيم:
من مر عائدا من الحج فأكرمه الأمير محمد علي وأهداه فرسا إلا أنه باعها ليشتري كتاب "شرح الحطاب علي خليل" ثم واصل رحلته....
من جاهد في المغرب ضد البرتغاليين وأكرمه السلطان سيدي محمد....

4-محمد حبيب الله بن مايابي:
من كان أستاذا ومدرسا بالأزهر الشريف ....
من ترك 34 مؤلفا أبرزها كتاب "زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم" ...
من خصه عميد الأدب العربي "د.طه حسين" بالذكر في كتابه الأيام حين يقول:
كان أولئك الطلبة يتحدثون بأنهم لا يروا قط ضريبا للشيخ الشنقيطي في حفظ اللغة ورواية الحديث سندا ومتنا عن ظهر قلب..... وحتى في الفترة الأخيرة من ربيعها الزاهر مع بداية (وبعد)ولادة البنت (موريتانيا) كان مسلسل إنجاب الرجال مزال متواصلا ناهيك عن من ظل مرابطا على طريق الذين أسلفنا كشيوخ كل تلك القلاع الشامخة(المحاظر) في شتى مضارب البلاد شرقا وغربا وجنوبا وشمالا...
ومع ولادة البنت موريتانيا كانت الأم مطمئنة لما أنجبت لها من جيل أثبت في ما بعد أنه كان على قدر الثقة التي وضعت -ولو نسبيا- في عنقه الأم الراحلة(شنقيط).....
حين أخرج موريتانيا من غياهب الاستعمار ومن بين أنياب طمع التوسع ومن مخالب الواقع الجغرافي والبشري الضبابي ....
ومن هنا وعند نقطة الولادة لا بد من التعريج ولو قليلا وبالذكر من باب الشكر على الحاضنين أو المؤسسين للبنت الجديدة (موريتانيا) والبداية طبعا مع من كانت من حظه البداية :

المؤسس المرحوم المختار داداه:****


ذلك الرجل الذي أخرجنا رغما عنا حين كنا"نحن" نتشيع في غياهب الصحراء؟
ونخضع للاستعمار يجعل منا ومن أرضنا بيت مال أو حفاظة نقود على طريقة :
خذ خيرها ولا تجعلها أرضا.....
كان أبو الأمة كما يحلو لنا وللبعض "أن يسميه" مجاهدا وعلى طريقته الخاصة وبمقدوره وطاقته أستطاع أن يجعل من حلم تكوين الذات وتوحيد القبائل والإمارات في وطن رغم ما يحيط به من مخاطر تكاد تحول الحلم الى كابوس…..
ولكنه كان يسير أو حسب ما وصلنا عنه –عن طريقه أو طريق من عايشوه-سير واثق الخطوة وتحت راية :
عند الصباح يحمد القوم السري...
ذلك الرجل الذي استطاع أن يجعل من الوطن الحديث النشأة دولة تترأس منظمة الوحدة الإفريقية 1971م...على خلاف وضعها اليوم وبعد حوالي نصف قرن على النشأة نكاد أن لا نكون دولة من العالم بالمفهوم السياسي وبما درجنا عليه من خرق القوانين والعهود الدولية؟
ذلك الرجل الذي كان يلقب بالرئيس (الثاني)للورشة المشرفة على بناء العاصمة أنواكشوط لكثرة زياراته التفقدية لسير الأعمال....
وحتى بعد المنعرج التاريخي الذي حدث للبنت موريتانيا –بعد تغير طبيعة الحاضن-وخاصة في هرم السلطة عام 1978م وتحولها –أي الحضانة- إلى أصحاب البزات العسكرية ظلت هناك ومما لا شك فيه بقية أخلاق في القوم وهو ما اتضح لاحقا بانسحاب قائد ذالك التغيير...؟
وهو ما يوحي للناظر ولو على عجالة بأن ما كان هنا هو حضارة وليس لمحة ازدهار عابر...؟
ولكن المشكلة في الأساس هي أن هذا المنعطف(1978)لم يكن سوى عتبة ثانية من سلم سبق وأن تخطت البنت موريتانيا العتبة الأولى منه بشيء من العافية على تراث الجدة شنقيط حيث ظل العطاء في شبه أعلى مستوياته مما جعل العالم في تلك الفترة يواصل اعترافاته بما يوحي ولو بشكل من الأشكال أن "ذالك الشبل من ذاك الأسد" حيث ارتسمت للبلاد صورة ذهبية في أذهان الآخرين جسدتها مقولات مثل:
بلاد المليون شاعر(لقب أطلقته العربي الكويتي بعد زيارة قام بها وفد منها لموريتانيا)
-شناقطة المشرق:هؤلاء الرجال يحملون لقب شنقيطي وتتوسط أسماء بعضهم كلمة ولد...نعرف أنهم علماء أو قضاة(الفقرة من مقال لكاتب عربي).
إلى آخر كل تلك الألقاب والأوسمة التي تهاطلت على أبناء ذالك القطر من كل حدب وصوب لما كان لهم من أهلية لذالك؟
ومع ذالك ظلت موريتانيا تسير نحو قمة الهرم وفي فضاء المحافظ على مكاسب الإرث المجيد وعلى طريقة "من يشابه أبه فما ظلم"، وخاصة ما يمليه الواقع من واجب على من مازال يحمل ذاك الانتساب العظيم:الشناقطة...
وهو ما ظل عليه الحال حتى سنة 1981 والتي في ما يبدو أنها كانت ميعادا لأن تكون :
بداية لنهاية: شنقيط
أو كما يقال: كل شيء بلغ الحد انتهى؟
أو بداية احتراق كما عبر عنه أحدهم لاحقا بربيع شنقيط الذي احترق؟
في السنة المذكورة آنفا بدأ الحاضن تغيره بما طرأ عليه من عوامل التعرية التي أنسته ربما أنه يقود بنت شنقيط..وأخذ بزمام البنت موريتانيا وقال لها سآوي بك إلى حكم يعصمني من الناس..؟
وكانت حقا بداية النهاية حيث سلكت موريتانيا طريقا معبدا نحو تأسيس كل مبادئ السقوط الحر... والسير نحو الهاوية؟
وبعد ذالك بثلاث سنوات طاف عليها طائف من حزبهم وهم مسافرون(1984)وهو ما أعاده وبعد عشرين سنة (من ترسيخ كل ما من شأنه أن يعجل من دق آخر مسمار على نعش :شنقيط)حارسهم الذي كان يحرسهم من بين يديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن ....
ونظرا لخصوصية هرم السلطة حين كان جماعة(المجلس العسكري) بدا كمن قتل أخاه(المدني) فأصبح بعد ثلاثين سنة من النادمين|||
فبعث الله له غرابا(الغرب) ليريه كيف يواري سوءة أخيه(الديمقراطية)..
وهو ما نتج عنه أن عاشت موريتانيا ما دون الحولين من حكم مدني ...فكان كلحظة صفاء مع النفس فطفا على السطح كل ما كان يخفيه الخوف أو الجهل أو الطمع فسقط القناع :
-فسمعت أصوات أنين لألم قديم كان صاحبه يخفيه خوفا من قسوة الجلاد؟
-وظهر حصاد سنوات من الضياع و اللامبالاة ؟
وعرف فيها الشعب إلى أين يوصل المسير إلى الوراء؟

وهو ما لم يلبث كثيرا بعد أن جاء الجنرال ليكشف شفرة تلك المسرحية الكبيرة وفعل فعلته التي فعل وهو من المقالين؟
وهنا أحست موريتانيا أنها صارت في يدي حاضن لا تعنيهم هي بعد أن جعلوا منها لعبة على طريق الصغار حين يلعبون:
أم انعيلة...
ويكفي أن ننظر من أي نافذة خلفية للواقع اليوم لنرى إلى أين وصل قطار النهاية ...وهو ما يحتم علينا التوقف عند محطات سيجد عندها الغيور على هذا البلد إشارة وقوف حتمية (stop):

مفهوم الحاكم عندنا:***
هو الذي قال عنه أحد "الممفتين" أن في مخالفة أمره (الأيام التشاورية) مخالفة لله؟
هو من يذهب به وبحزبه إلى مصاف الآلهة على قول دفيد هوم:
يحاول الحزب الواحد، ومن خلال رفع الحكومة إلى مصاف الآلهة، أن يجعلها مقدسة ومنيعة، حتى يعتبر المساس بها أو مهاجمتها، حتى لو في مقال صغير في الصحافة، تدنيساً للمقدسات.
وهو أمير المومنين بقول من يتشبثون بالدين؟
وهو قارون بقول أهل المال والطمع؟
وهو الجنرال"ديكول"بقول العسكريين؟
وهو من عجزت نساء موريتانيا أن تلد مثله بقول التلفزة الوطنية؟
وهي صفات ثابتة في حق من دخل القصر الرمادي مهما كان شخصه فالذي يتغير هو لا الصفات؟
وهو أيضا من إذا أدى واجبه تجاهنا (كالزيارة أو تشيد أو شراء أي شيء) فقد تفضل علينا ...ولا حق لنا عليه ....فالفضل في جميع الأحوال له؟

ولنذهب قليلا إلى تشخيص الحكماء أو أصحاب الرأي لهذه المسألة ففيها يقول جبران:
_ويل لكل امة:
-قابلت فاتحا بالتطبيل والتزمير ..
-تكره الضيم في منامها وتخضع له في يقظتها...
-لا ترفع صوتها إلا وراء النعوش...

أما عن مسؤولياته كما عددها آدم سميث فهي:
-حماية المجتمع من العنف أو الاجتياح الذي قد تقوم به مجتمعات أخرى...
-حماية كل فرد من أفراد المجتمع من ظلم واضطهاد الآخرين..
-إقامة المؤسسات العامة التي ليس بوسع أرباحها أن تغطي نفقات الفرد ولكنها تعود بالنفع على المجتمع برمّته....

أما عن الوازع الديني الذي سيسأله عن كل شاذة وفاذة فذاك إجحاف به..؟

من هذا المنطلق سآخذ فاصلا إعلاميا مع حاكم الساعة"الجنرال":
سيدي كل ما أقوله لك وبهمسة خافتة في أذنك هو:
البر لا يبلى والذنب لا ينسى و الديان لا يموت أعمل ما شئت فكما تدين تدان؟
وقبل أن أنهي حديثي الخاطف معك اسمح لي أن أقلدك وسام "محطم أصنام النضال" من خلال ما لاحظته على الساحة:

أ-حزب النضال (حزب التكتل):
الذي عاش مناضلا على مدى العشرين سنة في عهدي سالفك الطائع كان لك "حضرة الجنرال" أن جعلت من ذلك الصرح النضالي في مخيلتنا مجردة سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا..؟
ب-السيد محمدو(بط مكعور):
والذي هو الثاني اختار في عهد سلفك الطائعي التهميش على الشهرة عندما كان شابا ولكنه وللأسف أو في ما يبدو أنه حسب المبادئ سنا أو عمرا وكان لها على طريقة مثلنا الشعبي:
اللي طلستو سن يطلصها..؟
حين ظهر في" تمثيليته" الأخيرة كمن ترك الأخلاق في قاعة الانتظار؟
إذ نسي أو أنساه حب التقرب للجنرال ما كان يعرفه مسبقا من أسس أخلاقية ك:
لا تزال أمتي على خير ....
أرحموا عزيز قوم...
بل وقعت سيدي محمدو في هفوات أشد من ذالك وخاصة من الناحية العملية والتي تستوجب منك معرفة من ستمثل؟ قبل أن تتمثل الدور.. وهو عهدي بك أيام الرئيس(سيدي ولد الشيخ عبد الله) حين كنت تتردد على كل من ستقدم عنه أم أن وضعك لظهرك في حمى الجنرال أنساك حتى مبادئ عملك؟
سيدي عندما ظهرت وأنت تمثل دور أخ الرئيس....؟
سيدي هيهات ثم هيهات لو انك تعلم أخلاق من مثلت؟
سيدي إنه العالم الأديب المؤدب والورع السني الشيخ العارف بالله محمد بن الشيخ عبد الله الذي كان آية في التهرب من ظل السلطة.. آه لو تعلم أخلاق من حاولت بدون استحياء أن تقدمه للعالم وكأنه يأمر أخاه الأكبر ...لعمري هذا في القياس بديع؟
سيدي كان أجدى بك أن تتراجع وأن لا تقبل أن تسيء لنفسك قبل دولتك بتمثيل رئيس لها وتصويره كمعدة من معدات المنازل:
إفليجدير .... كازية على حد تعبيرك...
سيدي بعد كل ما فعلت ...كان عليك أن لا تسيء للقوم"أهل الشيخ عبد الله" من جهتين اثنتين :
-أن تحاول أن تظهرهم للخلق كمن يحرج من الضيوف أو حتى يطردهم وهو ما سيكون الواقع أجابك عليه؟
-أو أن تحاول أن تظهرهم وكأنهم يتهربون خوفا أو تزلفا من مناصرة ابنهم ....وهو ما كان أيضا أقرب للسذاجة والعمالة منه للواقع...
سيدي كما يقول المثل:
إيكد حد يشكر الرسول ما اشمت حليمة...
أي لك من الأبواب ما يسر الحنرال بدون المساس بزيد أو عمر؟

أم انه من باب ما أصابنا جميعا كشعب موريتاني حيث صرنا :
كلما جاءت أمة لعنت أختها....
وأنه لكي أرضي شخصا ما علي أن أشتم خصمه...
وما رسخ فينا هذه الأفعال إلا "الشعور بالنقص"الذي يتسم به قادتنا لأنه لو ربط رضاهم بشكرهم (مع أنه يسمو عن الاختراع) ...لتأكدنا من أن المقصود بالمدح سيعلم انه لعب على عقله لمعرفته بنفسه أما بخلاف سماع عيب الآخرين فهو أنجع وأبلغ:
عيب أجواد شكر اخرين...








وبعد هذا الحاضر المعتم والواقع المقزز والساحة التي تضم قاتلا للمبادئ تكون بنت شنقيط(موريتانيا) ولسان حالها يقول:

وإذا النساء نشأن في أمية --- رضع الرجال جهالة وخمولا

وتكون قد مرت طبعا ببداية النهاية(الحضارة الشنقيطية)لما تمليه النهاية من اختفاء لدواع البداية :
العلم .....والصدق ....العطاء...

كما أنها سياسيا تمر بما يمكن أن يقال عنه:
بداية البداية(موريتانيا)
لو أن قاطرة الزمن سارت لصالح الشعب الموريتاني وتغلب على حكم المصالح والخوف وحكم نفسه بنفسه...
فإننا قد مللنا تصفيقا وتبجيلا وتفخيما في حق الحاكم ..وآن الأوان لأن تفيق موريتانيا من طيش مراهقة أمضت فيها ما يقارب الثلاثين عاما ..





Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!