التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:10:53 غرينتش


تاريخ الإضافة : 22.12.2008 22:21:40

ترقية المرأة من خلال مقاربة النوع

إعداد : سيدي ولد سيد احمد البكاي
شعرت العديد من الدول النامية بعد مضي فترة على استقلالها أنها أغفلت من حساباتها الهادفة إلى تنمية حقيقية ، مكونا أساسيا في المجتمع ظل إقصاؤه و تهميشه يشكل عائقا حقيقيا دون تقدم قاطرة التنمية في تلك البلدان ، حيث ظهرت مقاربة إدماج المرأة في التنمية مع بداية السبعينات و كان الهدف من هذه المقاربة يسعى إلى المشاركة الفعالة للمرأة في التنمية من أجل تلبية متطلباتها و الاستفادة منها ، وذلك من خلال استفادتها من المشاريع المدرة للدخل ذات المر دودية المباشرة و المحدودة في الزمان و المكان و المتجلية مظاهرها في مكافحة الفقر و تحسين أحوال الأسرة "مثل المشاريع الموجهة للنساء ربات الأسر،وصناديق القرض و الادخار الموجهة للنساء" وعموما نتج عن هذه المقاربة بروز ما يسمى البرامج النسائية و التي ظلت مصاحبة للاستراتيجيات التنموية دون وضعها في إستراتيجية خاصة شاملة و مندمجة ، و حتى وإن وجدت هذه الإستراتيجية فإن تطبيقها يظل يكتنفه العديد من المعوقات و الصعوبات الراجعة في الأساس إلى الروتين المصاحب للعمل الحكومي وكذلك إلى تبويبها على الحصول على مساعدات و تمويلات من طرف الشركاء في التنمية مما يجعلها عرضة لتغير مواقف هؤلاء الشركاء تبعا لتغير المناخات السياسية المتغيرة في هذه البلدان .
ولعل من أهم حسنات هذه المقاربة هو بروز حوار هام حول دور المرأة في التنمية و تفعيل التفكير في جمع معطيات إحصائية أظهرت الحالة الراهنة لتقسيم العمل حسب الجنس و أوضحت الاختلالات الناجمة عن عدم احتساب عمل المرأة الغير مؤدى عنه.
غير أن بعض الباحثين يرى بأن هذه المقاربة كرست الاختلافات بين الجنسين حيث جعلتنا أمام فئتين اجتماعيتين، فئة الرجال و فئة النساء من حيث تحديد أدوار كل منهما وفقا للتقسيم الاجتماعي الذي ساد عبر التاريخ و توارثته الأجيال دون الأخذ في الحسبان التغييرات التي طرأت على وظائف المرأة غداة خروجها للعمل ومتطلبات الحياة العصرية.
وحيث أن المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع و مكون أساسي من مكونات نموذج التنمية في أي بلد ، وحيث أن بنية الإنتاج تسحقها فقد تم اعتماد مقاربة جديدة خلال مؤتمر القاهرة 1994 و مؤتمر بيجين 1995 سميت مقاربة النوع أو الجندر أو الجنوسة ، وبغض النظر عن البحث الأدبي في أصول هذه التسمية و ما شهده – ومازال يشهده – من جدال فإن هذه المقاربة تتناول نسق العلاقات ما بين النساء و الرجال دون الاقتصار على المرأة وحدها و إبراز الفرو قات القائمة ما بين الجنسين و المبنية على أسس ثقافية و اجتماعية و ليس على أسس بيولوجية ويسعى الجندر إلى معرفة الكيفية التي يعمل بها المجتمع و الثقافة و اللغة على ترسيخ مقولات لها طابع المسلمات و البد يهات التي تبني تجارب البشر بطرائق يعتبرونها طبيعية و كونية ، و الجندر أو النوع الاجتماعي كذلك هو الوسيلة التي تساعد على استبيان الأسباب الهيكلية و الثقافية و العوامل السوسيوثقافية التي أدت و -ما زالت تؤدي- إلى التمييز ما بين الجنسين ، فالتباين ما بين الأدوار الثلاثية " الإنتاجي و الإنجابي و المجتمعي القيادي " للمرأة و الرجل لا يستند على أسس فسيولوجية ثابتة ، وعليه يمكن تغيير أدوار النوع الاجتماعي وسد الفجوة في التمييز ما بين المرأة و الرجل في المكانة الاجتماعية و في دور كل منهما في التنمية انطلاق من ديننا الإسلامي و ثوابتنا الحضارية و تقاليدنا المجتمعية السليمة من الشوائب و المتمشية مع نسقنا الثقافي وفطرتنا الخلقية النقية.
إن مفهوم الجندر و بالرغم من الإشكالات التي تكتنفه و الخلافات التي تحيط به و التساؤلات التي يطرحها بعض منتقديه ، يشكل بحق آلية تحليلية و عملية مزدوجة الحد : فهو يتعدى انتقاد المؤسسات و القيم و المعارف السائدة إلى محاولة الهام معرفة جديدة ومناهج جديدة للتوصل إليها ، وهو لا يكتفي بتحدي الفروض الثقافية و المعرفية الذكورية و كشف تحيزها ، بل يؤسس لضرب من الاستراتيجيات السياسية و المعرفية الجديدة التي تعيد التفكير بالمعنى و القيمة الإنسانيين كما يتجليان في مستويات المجتمع ككل و في فروعه المعرفية.
غير أن الأخذ بمظاهر مقاربة النوع دون الغوص في مضمونها قد يعرض البرامج التنموية المصممة عليها للخطر، فالاكتفاء بالتطبيق التقني لها و المناداة بها دون العمل بآلياتها تعتبر نتائجه وخيمة على الأهداف التنموية المجتمعية ، بحيث أنه يعطي انطباعا كاذبا بأن وضعية ما على ما يرام أو هي في طريقها إلى ذلك ، كما أن اقتصاره على قضايا المرأة يعتبر تحجيما له فهو كما أسلفنا آلية لمعالجة مختلف مشاكل النوع اجتماعي سواء كان هذا النوع امرأة أو رجلا أو طفلا أو فئة من فئات هذه الشرائح كالمعوقين و البنات المتسربات و النساء معيلات الأسر والأطفال الجانحين...الخ

*باحث مهتم بقضايا المراة


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!