التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:39 غرينتش


تاريخ الإضافة : 22.01.2009 15:19:13

تلاميذ النعمة: تشح الوسائل..ويتسع الحلم

خاص- الأخبارــ النعمة
خمس تلميذات يزدحمن على طاولة واحدة في السنة الأولى بالمدرسة رقم 3(تصوير الأخبار)

خمس تلميذات يزدحمن على طاولة واحدة في السنة الأولى بالمدرسة رقم 3(تصوير الأخبار)

دهشة وحيرة واستغراق وإحباط ويأس، وأعين ترمق من بعيد أملا تحول دون استكشاف ملامحه أجساد طرية متراكمة في بقايا فصل تشهد نوافذه المكسرة وأرضيته المغبرة على الإهمال، فيما جدرانه تحمل ذكريات أجيال تعاقبت على طريق أدى ببعضها إلى أعلى سلم الدولة، وأودى بآخرين إلى أسفل دركات الشقاء... كل ذلك يتجلى أمامك وأنت تجول ببصرك في حجرة السنة الأولى بالمدرسة رقم ثلاثة في مدينة النعمة أقصى شرق موريتانيا.

في الهم سواء..

تلاميذ في السنة الرابعة بالمدرسة رقم 3 بالنعمة (تصوير الأخبار)

تلاميذ في السنة الرابعة بالمدرسة رقم 3 بالنعمة (تصوير الأخبار)

ولا يختلف الأمر في أي مدرسة من الابتدائيات الإثنتي عشر الموزعة في أحياء عاصمة الولاية الأولى، فثلث التلاميذ تقريبا جالسون على أرضيات الفصول، يجلب كل منهم خنشة أو سجادة من بيت أهله لتقيه الغبار والبرودة، إلا من بادر منهم بالمجيء قبل وقت الدراسة، ليحظى بجلسة يزدحم فيها مع أربعة من رفاقه على طاولة صنعت أصلا ليجلس عليها اثنان.

مشهد من ساحة الاعدادية الأولى في النعمة يبين الأبواب المكسرة للفصول وبقابا الطاولات (تصوير الأخبار)

مشهد من ساحة الاعدادية الأولى في النعمة يبين الأبواب المكسرة للفصول وبقابا الطاولات (تصوير الأخبار)

ولا أحد هنا يأمل في ماء ولا كهرباء، أما الرعاية الصحية والنفسية فليست مما يدور في خلد جزء كبير من طاقم التدريس أحرى التلاميذ.
والصورة ذاتها تسطع أمامك لو زرت الإعدادية الأقدم في المدينة فالفصول متناثرة في عراء لا يجمعها غير الاسم، وحيز تعارف سكان الحي على منحها إياه.
وفي ساحتها الواسعة يتراكم حطام طاولات متهالكة وأجزاء من نوافذ صنعت في عهد غابر لتقي التلاميذ الحر والبرد، إلا أن التقادم لم يبق منها غير إطارات ما عادت تصلح لغير ضبط الأبعاد.

نافذة أحد فصول الإعدادية ..لا تقي الشمس ولا البرد (تصوير الأخبار)

نافذة أحد فصول الإعدادية ..لا تقي الشمس ولا البرد (تصوير الأخبار)

في حديثنا مع تلاميذ الإعدادية القديمة طالب بعضهم وزارة التهذيب بتوفير حافلات لنقل التلاميذ في الأحياء النائية، خاصة في فصل الصيف شديد الحرارة، فيما اعتبر زملاء لهم هذا الطلب ترفا لا مبرر له، وقال سيدي محمد وهو تلميذ في السنة الثالثة: "نحن نريد الماء والكهرباء، ونريد مراجع تساعدنا على الفهم، نريد أساتذة قادرين على توصيل الأفكار لنا..أما النقل والدواء فذلك ما لا نحلم به الآن".
مدير الإعدادية الذي رافقنا في جانب من الجولة أكد أن آباء التلاميذ وبالتعاون مع الإدارة المحلية يخططون لتوفير الماء والكهرباء، مؤكدا حاجة المؤسسة الماسة والعاجلة لسور يحمي فصولها ومعداتها، فالحائط الذي بني جزء منه قبل سنوات لم يكن على أسس سليمة ولذلك تهاوت أجزاؤه بفعل الرياح والأمطار ولم يستكمل بناؤه ولا رمم ما تهدم منه.

 يحضرن لمغادرة الثانوية وهن جلوس على أرضية فصل بلا نوافذ (تصوير الأخبار)

يحضرن لمغادرة الثانوية وهن جلوس على أرضية فصل بلا نوافذ (تصوير الأخبار)

وتلك هموم يضيف لها تلاميذ الثانوية الوحيدة التي تضم أكثر من أربعمائة وخمسين تلميذا مطالبتهم العاجلة بتوفير الطاولات.."لا يعقل أن نحضر الباكالوريا ونحن نجلس على الأرض" علق أحد تلاميذ السنة السادسة من شعبة الرياضيات، وأردف زميله، "مرت أشهر ونحن بلا مخبر هذا المخبر يجب أن يجهز فورا، ما قيمة أن ندرس الفيزياء نظريا، والمخبر مغلق لا يبعد عشرة أمتار".
هم آخر شكاه هؤلاء، فاللغة الفرنسية التي يدرسون بها، وبها سيمتحنون لا يتقنونها، فهم ضحايا برنامج فصل على مقاييس لا تناسب تكوينهم، يدرسهم أساتذة أجبرتهم الظروف على التعامل مع اللغة الفرنسية للضرورة، فهم درسوا بدروهم مناهج تختلف وباللغة العربية أيضا وهذا ما يضاعف مشكلتهم.
"على الوزارة أن توفر أخصائيين في المخابر للإشراف على المخبر، وتجهزه بما يلزم، فمشرف المخبر ينتخب من بين أساتذة المواد العلمية، ولا يراعى في ذلك خبرة سابقة أو تكوينا..وهذا أمر غير مقبول"، هذا ما علق به مدير ثانوية النعمة السيد سيدات ولد الشيخ في حديثه مع "الأخبار"

في ظل العجز عن استغلال الفصول منح بعضها لإيواء عمال الحراسة وتركت البقية للخراب(تصوير الأخبار)

في ظل العجز عن استغلال الفصول منح بعضها لإيواء عمال الحراسة وتركت البقية للخراب(تصوير الأخبار)

مضيفا أن ما يطالب به التلاميذ لا يعدو أن يكون جزء من حقهم "فنحن نواجه نقصا كبيرا في الطاولات، ولدينا ثلاثة وعشرون طاولة نحتفظ بها للمناسبات العامة"؛ لذلك طالب بضرورة الإسراع بتوفيرها.
ويبدو أن أزمة الطاولات لا تقتصر على النعمة وحدها، فالمدير الجهوي للتعليم أكد في مقابلة مع "الأخبار": "أن ولاية الحوض الشرقي، بحاجة عاجلة إلى ما يقارب 12.000 طاولة لتسد النقص الحالي"، مضيفا أن هناك نقصا في أساتذة الرياضيات بالفرنسية، وأنه يسعى للتغلب عيله بالاتصال مع الجهات العليا، مقترحا التعاون مع دول الجوار إن كان طاقم التدريس الموجود حاليا لا يكفي لسد حاجة المؤسسات التعليمية في موريتانيا.

ومع ذلك يحلمون..

يحلم هؤلاء أن يجدوا في مستقبل الحياة ما ينسيهم شقاء الدراسة(تصوير الأخبار)

يحلم هؤلاء أن يجدوا في مستقبل الحياة ما ينسيهم شقاء الدراسة(تصوير الأخبار)

"رغم كل هذا الإهمال المتعمد من طرف الوزارة سننجح، وسنؤكد للقائمين على التعليم في موريتانيا أن تهميشنا وإقصائنا لن يكون إلا حافزا لنا على التفوق"، قالها أحد التلاميذ في نبرة متحدية ممزوجة بمرارة تحسها من سماع صوته.
فيما علقت تلميذة أخرى: "إن الأعوام السابقة لم تكن أحسن حالا، وأن مدينة النعمة نحج منها العشرات، وحصل بعضهم على منح للدراسة في الخارج"، مضيفة "لا علاج لهذا الوضع إلا بالتفوق، سنعيد الاعتبار لهذه الولاية المنسية".

السيد:سيدات ولد الشيخ مدير ثانوية النعمة (تصوير الأخبار)

السيد:سيدات ولد الشيخ مدير ثانوية النعمة (تصوير الأخبار)

الأرقام التي أبرزها مدير الثانوية السيد سيدات ولد الشيخ تبين أن عدد الناحجين من مؤسسته العام الماضي في مسابقة الباكالوريا كانوا ستة وثلاثين، فيما لم ينج من الثانويتين الأخريين الموجودتين في الولاية سوى ستة تلاميذ، مؤكدا أن الظروف في ثانوية النعمة على سوئها تعتبر أحسن من الثانويات الأخرى، "ولو وجدت العناية لكانت إحدى أهم المؤسسات التعليمية في البلد"، هذا ما يراه مسؤول في رابطة آباء التلاميذ، لكنه تساءل.. متى توجد تلك العناية؟!


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!