تطلب النيابة الأسبانية سجنه سبعة عشر عاما وتغريمه ما يناهز العشرة آلاف أورو، غير أنه يقبع في أحد سجون "بويرتوريال" منذ منتصف العام قبل الماضي منتظرا هذه المحاكمة، دون طائل كما يبدو. لا يتهم بالإرهاب ولا حتى بتهريب المخدرات أو البشر. ما ذا جنى إذن هذا الموريتاني الأربعيني ليقع في قبضة عدالة بطيئة تلاحقه بـ"تهمة الزواج" في بلاد القانون وحقوق الإنسان؟

تعود قصة المختار ثلاث سنين خلت وتحديدا إلى صيف 2005 حين عقد قرانه في موريتانيا على ابنة عمه إسلمها، المولود لعائلة موريتانية مهاجرة، وذلك وسط ظروف عادية وطبقا للمسطرة المتبعة في موريتانيا قبل أن يتم اعتقال المختار ووالدي الفتاة في يونيو 2007 بناء على شكوى من الفتاة دفعت إليها بسبب تحريض أسرة أسبانية جارة وفق العائلة الموريتانية.

ووفق النسخة الألكترونية لصحيفة "دياريو ديكايث"، اليوم الأحد 25 يناير 2009، فإن محاكمة المختار، أبرز المتهمين في الموضوع، ووالدي الفتاة باتت قاب قوسين أو أدنى. ودون ان يتضح وقت المحاكمة التي طال انتظارها أكثر من عام ونصف العام فقد تأكد أن ممثل النيابة سيطلب السجن سبعة عشر عاما لزوج الفتاة بتهمة "الاغتصاب" فيما يطالب بالحكم بسبع عشرة سنة و10 أشهر لوالدتها وبخمس عشرة سنة و10 أشهر لوالدها وذلك بتهمة التمالؤ مع "الجاني" من خلال "تهديدها وضربها" وما وصفه وكيل النيابة ممارسة "العنف النفسي والبدني" عليها من أجل إرغامها على "الدخول في علاقة جنسية" مع شخص زوجت منه دون رضاها وفق ما تنقل الصحيفة عن نص قرار الاتهام.

وباتت النيابة تؤيد بشكل كامل رواية العائلة الأسبانية ومحاميها والتي تدفع باتجاه تجريم العائلة الموريتانية وعدم الاعتراف بالقران الذي تم توثيقه لدى المصالح الموريتانية ولدى السفارة الأسبانية كما تقول العائلة.

ويقبع المختار في أحد سجون "بويرتو ريال" منذ يونيو 2007 فيما تم الإفراج عن حماته "حواء" بحرية مؤقتة بعد أن تم سجنها لمدة عام. وبينما أفرج عن والد الفتاة بكفالة أياما بعد اعتقال العائلة فإن القضاء رفض طلبا تقدم به محامو المختار للإفراج عنه منتصف العام المنصرم وذلك بعد عام كامل من اعتقاله وانتظاره كلمة العدالة.

ويزعم منطوق قرار الاتهام ضد العائلة الموريتانية أن والدي الفتاة زوجاها دون رضاها من ابن عمها المختار وهي في موريتانيا عام 2005. قبل أن يتم إرغامها على العيش معه أشهرا لتعود في أبريل 2006 إلى والديها في "بويرتو ريال" حيث بيت والديها وتقرر العيش مع عائلة أخرى كانت قد تعهدتها مرارا وهي صغيرة وتحتفظ معها بعلاقات متينة، وفق نص قرار الاتهام.

وفي أواخر مايو 2007، وفق ممثل النيابة الأسبانية، أرغم الأبوان إسلمها على الالتحاق ببيتهما في أفق قدوم زوجها الذي رفضت السكن معه لأيام قبل أن ترغمها والدتها على البيات معه لتحدث واقعة "الاغتصاب".

ويطالب قرار الاتهام بتعويض الفتاة خمسة عشر ألف أورو جراء الضرر فضلا عن أحكام سجن عالية ضد المختار ووالدي الفتاة.

وتدفع العائلة الموريتانية ومحاموها بأن لا وجه للمتابعة وينفون جملة وتفصيلا واقعة الاغتصاب مؤكدين على حصول علاقة واعية، على غرار سوابقها، بين رجل وزوجته. وتؤكد العائلة أن الفتاة كانت تبلغ من العمر 14 عاما حين حصلت الوقائع المنسوبة وهو يجعل الأمر خاليا من أي عنصر غير شرعي لأن المعنيين "موريتانيون وفي موريتانيا، كما كان يحصل في أسبانيا حتى وقت قريب، من الطبيعي جدل حصول زواج بين رجل بالغ وفتاة قاصر" وفق الدفاع.

ووفق العائلة الموريتانية فإن إسلمها اشتكت من زوجها المختار بسبب تحريض عائلة صديقة للعائلة الموريتانية، وسط اتهامات بالسعي إلى تغيير دين "إسلمها" وتنصيرها، فيما تنفي العائلة جملة وتفصيلا حصول إكراه للفتاة قبل زواجها أو بعده.

وجرى، بعد اعتقال العائلة، الإفراج عن الوالد بكفالة غير أنه تم منعه من الاقتراب من ابنته أكثر من مسافة 500 متر تحت طائلة الاعتقال، وظلت والدة الفتاة منذ 4 يونيو 2007 رهن الاعتقال إلى جانب صهرها المختار "43 عاما"، الذي اعتقل لدى مروره بأصهاره في "بويرتو ريال" بينما كان متوجها إلى ألمانيا في رحلة عمل عادية.

وطالبت العائلة الموريتانية قبل سنة ونصف السلطات الموريتانية بالتحرك من أجل إنهاء معاناتها التي سببها اختلاف القوانين والأعراف بين البلدين. وأكدت العائلة آنذاك صحة عقد الزواج الذي تم إبرامه على الأراضي الموريتانية ووفق القانون الموريتاني، كما تم توثيقه لدى المصالح الدبلوماسية الإسبانية وفق العائلة التي يوجد ملفها بين يدي قاضية أسبانية.
ولم تبد المنظمات الموريتانية المهتمة بأوضاع الجاليات أو حقوق الإنسان حتى الآن اهتماما بما وصف بـ"مأساة" تتعرض لها عائلة موريتانية مهاجرة رغم نداءاتها المتكررة إلى السلطات الرسمية.

وعرف ملف العائلة الموريتانية تباطؤا لم تتضح بعد أسبابه رغم مرور ما يقرب من العامين على الوقائع التي يحتجز ويتهم على أساسها الرعايا الموريتانيون.

ويحرم القانون الإسباني، في مفارقة غريبة، الزواج في مثل عمر الفتاة لكنه يحمي حرية العلاقات الجنسية "بالتراضي" لمن هن في نفس عمرها حتى خارج الزواج خلافا للقانون الموريتاني.

موضوعات متعلقة: