التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:10:44 غرينتش


تاريخ الإضافة : 03.02.2009 13:39:56

الجنائية الدولية.. بين "حصانة" أولمرت و"إدانة" البشير!

سيدي محمد ولد يونس

سيدي محمد ولد يونس

يبدو أن ستين عاما من القتل والتشريد الذي مارسته وتمارسه العصابات الصهيونية ضد الإنسان في فلسطين المحتلة؛ لم تفلح في إقناع قادة العالم "الحر" ومنظماته المدافعة عن حقوق "الإنسان"، بأن انتهاكا لتلك الحقوق قد تم، رغم المجازر المتكررة التي نفذها الكيان المغتصب بكل الوسائل التدميرية، والمحرمة دوليا، على مرأى ومسمع من العالم.

من القنابل العنقودية، إلى الفوسفور الأبيض، مرورا باليورانيوم المنضب، فالأسلحة الجرثومية.. إلى القصف العشوائي، فتدمير البيوت على رؤوس ساكنتها، فقصف المدارس المملوكة "للمجتمع الدولي"؛ ثم استخدام المدنيين دروعا بشرية أثناء العمليات الحربية... كل ذلك لم يكن مقنعا لاعتبار إسرائيل كيانا مارقا على "الشرعية الدولية" تجب محاسبته وإيقافه عند حده.. فإسرائيل؛ بنظرهم، لما تتجاوز الحد في مجال انتهاك حقوق "الإنسان"، رغم احتلالها لأرضه واستباحتها لحرماته... فمن هو؛ يا ترى، ذلك الكائن الإنساني الذي تستطيع إبرة حقوقه وخز "الضمير العالمي" ليستفيق من سباته العميق، ويضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه الانتقاص منها؟

قد يقول قائل، إن "المجتمع الدولي"، لا يتدخل إلا في حالة حصول "أسوء كارثة إنسانية في العالم"، وهو اللقب الذي نالته أزمة دارفور على لسان مجلس الأمن الدولي سنة 2004، فقرر التدخل السريع وأصدر قراره الحاسم بتهديد السودان بعقوبات "إذا لم تلتزم الجدية لاحتواء هذه الكارثة، خلال ثلاثين يوما"... فقط!!

"فالمجتمع الدولي" يرى أن الشعب السوداني في غرب البلاد يبدو إنسانا كامل الحقوق في الانفصال عن وطنه الأم، وأن أي ثمن يدفعه في مسيرة الانفصال يعتبر انتهاكا لحقوقه الإنسانية من قبل دعاة الوحدة الترابية للوطن.. بيد أن ذات المجتمع الدولي، وبعد انتزاعه لصفة "أسوء كارثة إنسانية في العالم" من حامل اللقب الحقيقي في أرض فلسطين، لم يستطع إصدار قرار حاسم بتهديد إسرائيل بعقوبات "إذا لم تلتزم الجدية لاحتواء هذه الكارثة، خلال ستين عاما"... وقد انقضت المهلة!!

وفي وقت تقدم المنظمات الحقوقية الدولية رجلا وتؤخر أخرى لمجرد ذكر الانتهاكات التي نفذها جنود الكيان الصهيوني في قطاع غزة؛ والموثقة بالصوت والصورة وبشهادة الجميع، رغم اعتراف بعضهم بأن ما حصل في غزة، لم يسبق له أن شاهده في دارفور، يتمادى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في السعي إلى تطبيق مذكرة تطالب القضاة بإصدار أمر اعتقال بحق الرئيس السوداني.

جميل أن يتألم لويس مورينو أوكامبو لما يتعرض له الإنسان؛ أي إنسان في العالم، من هدر للحقوق واعتداء على الشرف من زاويته الحقوقية والإنسانية، لكن الأجمل من ذلك أن تكون لرجل مثله يتبوؤ منصبا أمميا عاليا وحساسا، القدرة اللازمة والكافية على تنظيم الملفات الدولية المطروحة على الطاولة، ويكون أهلا لتنظيم الأولويات، بعيدا عن سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير في التعاطي مع الانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان على وجه البسيطة..

كان على أوكامبو أن يحرر مذكرة تطالب القضاة بإصدار أمر ملزم وفوري لإحضار إيهود أولمرت، وإيهود باراك، واتسيبي ليفني، وغيرهم من قادة الكيان الصهيوني، إلى قاعات محكمة الجنايات الدولية لمواجهة التهم الموجهة إليهم بممارسة الإبادة الجماعية، والقتل العشوائي، والاعتداء على المدنيين، والتطاول على الأمم المتحدة، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، وإجهاض التجربة الديمقراطية فيما تبقى من فلسطين، وتجريف الأراضي الزراعية، وتجويع الأطفال والنساء والشيوخ... والقائمة تطول.

كان على المدعي العام أوكامبو أن يستغل فرصة العدوان على غزة ليستعيد جزءا من توازنه المهدور في السودان، وبعد أن طالبته صحيفة "الديلي تلغراف" بالإستقالة فورا، واتهمت صحف غربية المحكمة الجنائية بممارسة كثير من السياسة وقليل من القانون.. كان عليه أن يتكلم؛ ولو قليلا، عن مأساة غزة، وأن يعتبرها "أسوء كارثة إنسانية في العالم"، بدل أن يخرس وكأنه يمنح بذلك السكوت المخجل صك حصانة للمجرم المتلبس أولمرت، بعد أن أصدر مذكرة إدانة بحق "المتهم" البشير.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!