التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:10:56 غرينتش


تاريخ الإضافة : 04.02.2009 12:54:31

متمردي اكبهانغا و الحكومة المالية .. موسم المواجهة الساخنة

سيدي ولد عبد المالك sidimalik@maktoob.com

سيدي ولد عبد المالك [email protected]

ظلت الحكومة المالية مترددة في توجيهات ضربات قوية و محكمة لمتمري الطوارق بزعامة ابراهيم اكبهانغا المرابطين في الشمال و تحديدا في منطقة كيدال ، و ذلك حرصا علي مسك العصي من المنصف و أملا في بوادر حل سياسي و اجتماعي و اقتصادي يضع حدا لفلتان الامني الحاصل في الشمال و الناتج عن التمرد. غير ان الضربة العسكرية الاخيرة الموجعة التي وجها الجيش الي المتمردين تعتبر ترجمة فعلية للهجة الحادة التي عبر عنها الرئيس المالي مؤخرا اثر الكمين الذي استهف حامية للجيش المالي في منطقة نامبالا الواقعة علي بعد 500 كم من االعاصمة باماكو و الذي قتل 9 جنود . فقد أعلن كوناري في 20 ديسمبر 2008 ان للصبر حدود و ان اتفاق الجزائر لن يكبل الجيش المالي في استخدام القوة ضد من وصفهم بالعصابا ت المعزولة و الهامشية داخل مجتمع الطوارق .
تصعيد الدولة المالية واجهته من جهة اخري لهجة تصعيدية حادة من طرف زعيم المتمردين اكبهانغا ، الذي توعد بتحويل الشمال الي منطقة حرب ، الامر الذي ينذر بحالة من الاضطراب الامني مماثلة للتي شهدتها البلاد مطلع تسعينيات القرن المنصرم اثر ثورة الطوارق انذاك .

تمرد بلا سند

تعاني مجتمعات الطوارق في افريقيا من الكثير من التهميش و التخلف و ضعف القدرة علي الاندماج و الانسجام مع نظم الدولة المعاصرة ، و يساهم مجتمع الطوارق نفسه في بعض هذه المشاكل بسبب طبيعته البدوية و حرصه علي التمسك بقافته و تقاليده ، كما ان الدول الافريقية التي تتواجد فيها هذه المجموعة علي شكل اقليات تتحمل هي الاخري جزء كبيرا من مأساة الطوارق ، اذ يحرمون من البني التحتية التعليمية و الصحية و يقتفدون ادني متطلبات الحياة الكريمة.
هذه الظروف الصعبة المشار اليها دفعت الطوارق الي حمل السلاح كوسيلة للتعبير عن مطالبهم و اسماع صوتهم في كل من مالي و النيجر غير ان حركات التمرد الطوارقي تعاني من افتقاد سند اقليمي أو دولي حاضن تتكأ عليه في مواجهة الانظمة السياسة التي تناصبها العداء و هو ما حد من قدرتها رغم الارادة و التصميم و الشجاعة التي يتميز بها مجتمع الطوارق ، فهذه الحركات تختلف عن معظم الحركات الافريقية التي غالب ما توظف بعد ظهورها في الصراعات الاقليمية ، ان لم تكن ناتجة عنها أو افرازا من افرازاتها. كما أن مجتمع الطوارق لم يكن من تلك الاقليات التي استفاد منها الاستعمار و جندها لصالحه ، و مصالح ، فكان سندا لها بعد رحيله كما كانت سندا له اثناء تواجده في مستعمراته ، فالطوارق هم وحدهم من حمل سلاح المقاومة في وجه المستعمر الفرنسي في مالي و النيجر من بين المجموعات الافريقية التي كانت تتعايش معهم لحظتها.

فبالنظر الي التمرد الحالي نجد انه يحظي بتعاطف خجول من طرف الجزائر و ليبيا بحكم الروابط التاريخية و الامتدادات الاجتماعية لهذا المجتمع في البلدين ، الا ان هذا التعاطف تطغي عليه من جهة التطلع الاستراتيجي لليبيا في افريقيا وهو ما يحتم تحسين العلاقة بمالي ، و من جهة اخري العلاقات التاريخية الطيبة للدولة الجزائرية مع مالي ، و ما تتطلبه الظروف الراهنة من تقوية لهذه الروابط و تنسيق أمني بسبب الانتشار الواسع لعناصر تنظيم القاعدة علي التماس الحدودي بين البلدين.
كما ان التنازع بين ليبيا و الجزائر علي ادارة ملف الوساطة و التسوية بين حكومة مالي و الطوارق اصبح يضعف من ثقة البلدين في قيادات التمرد المربكة بسبب وجود اكثر من وسيط في ملف التسوية ،فالجزائر مثلا عرفت عبر التاريخ بنجاح ديبلوماسيتها الاحتوائية لتمرد الطوارق في مالي في سنة 1963 و 1990 و 2006 ، اما ليبيا فقد دخلت في الفترة الاخيرة علي الخط في اطار مبادرة يطلق عليها مجالس قبائل الصحراء الكبري و هي مبادرة تهدف الي انصاف مجتمعات الطوارق , و تحقيق تصالح دائم بينهما مع حكوماتها في الفضاء الساحلي الافريقي (مالي ، النيجر، تشاد).

قلق اروبي و صمت امريكي

ابدي مجلس الاتحاد الاوربي تخوفه من اي تصيعد عسكري في المنطقة رغم تنديده القوي بالهجمات اللاخيرة التي تعرض لها الجيش المالي , و دعا في نفس الوقت الي تفعيل اتفاق الجزائر الموقع بين الطرفين عام 2006 بوصفه الاطار الوحيد و الكفيل بفض النزاع و نزع فتيل التوتر بين الجانبين . و يغذي هذا الموقف حرص المجموعة الاوربية علي استقرار المنطقة المطلة علي الفضاء الاروي متوسطي الذي تتوجه اروبا الي ترسيخ نفوذها عليها مقابل تمدد النفوذ الأمريكي وذلك بغية تحقيق مصالح أمنية و تجارية و اقتصادية تستهدف السيطرة على موارد وثروات دول جنوب المتوسط. و يزيد من مخاوف الاروبيين من التصعيد العسكري في المنطقة قطع دابر التمرد ، الذي لا شك انه سيقلل من فرص تحرير رهائن أروبيين حالة اختطافهم من طرف عناصر تنظيم القاعدة , اذ كان المتمردون الطوارق يلعبون ادوارا مهمة في عمليات التحرير و ذلك بحكم تحالف المصالح القائم بينهم مع عناصر تنظيم القاعدة في المنطقة .
اما الولايات المتحدة الامريكية فقد تزامنت الاحداث الاخيرة في مالي مع مراسيم انتقال السلطة فيها و تنصيب الرئيس الجديد اوباما ،و هو ما انعكس علي عدم صدور موقف رسمي من البيت الابيض ازاء االتطوارت الامنية ، غير انه من المرجح ان لا يختلف الموقف الرسمي الجديد في نظرته تجاه ما هو حاصل في الشمال المالي عن موقف ادارة الرئيس بوش و المتمحور حول استخدام القوة لفرض الاستقرار في الشمالي المالي ، و هو الموقف الذي اعلن عنه الجنرال وليام وارد القائد العام لقوات الافريكوم في زيارته لمالي العام المنصرم ، اذ قال ساعتها ان الولايات المتحدة الامريكية ستقدم الدعم و التعاون المطلوبيين الي كل الدول العاجزة عن ضبط السيطرة علي حدودها و بسط السيادة علي اراضيها و المهددة بظاهرة ما اسماه بالارهاب. المقاربة الامريكية لحل الازمة في مالي جعلت احدي اهم حركات التمرد و هي تحالف طوارق شمال مالي للتغيير تتجاهل الولايات المتحدة الامريكية في دعوتها التي اطلقت مؤخرا الي المنظومة الدولية و الاتحاد الاروبي و الدول الاقليمية بتدخل عاجل و سريع لحل الازمة عن طريق الحوار و التفاوض .

اكبهانغا .. و شبح مصير لوران انكوندا

مسلسل المواجهة المفتوحة ، و تبني سياسة تعقب المتمردين قد يضعف من شوكة المتمردين ان لم يقضي عليهم ، الا ان ذلك ستكون له ضريبته المكلفة علي الطرف الآخر ، فالجيش المالي سيخوض معركة استنزاف في جبال وعرة و أراضي شاسعة لا تخلوا من الالغام المزروعة ، و الكمائن المنصوبة ، الامر الذي يصعب من مهمته حتي و ان كان قد تمكن لحد الساعة من تحقيق انتصار عسكري كبير تجسد في تدمير القاعدة الاساسية لمتمردي اكبهانغا و قتل 31 مسلحا بالاضافة الي اسر بعض المحاربين و الاستلاء علي بعض المعدات العسكرية و اللوجستية.
سيناريو جديد ظهر في الفترة الاخيرة ، و ذلك علي ضوء حادثة اعتقال النظام الرواندي لزعيم المتمردين في الكونغو الذي كان محتضنا من طرف الرئيس كاكامي و يقوم هذا السيناريو علي فرضية اعتقال السلطات اليبية لزعيم متمردي الطوارق ابراهيم اكبهانغا و تسليمه لسلطات بلده ، و لا يسبعد محللون ماليون ان يتم التمهيد لهذه العملية باصدار مذكرة اعتقال دولية بحق اكبهانغا تخفف الحرج علي السلطات اليبية من جهة ، و تكون مستندا قونانيا لاجراء التوقيف ، و يزيد من هذا الاحتمال ضعف مجموعة اكبهانغا بسبب التفكك الحاصل فيها الآن ، و تخلي بعض المسلحين من اتباعه عن حمل السلاح ، كما ان تربع ليبيا علي رئاسة الاتحاد الافريقي يحتم عليها لعبا دور اكثر جدية و فاعلية في احلال الاستقرار و السلم بمالي.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!