التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:05:29 غرينتش


ورقة مقدمة في ندوة مركز أمجاد للثقافة والإعلام _ نواكشوط 7 فبراير 2009

تاريخ الإضافة : 09.02.2009 12:23:22

الانتخابات الرئاسية القادمة على مستقبل الديمقراطية في موريتانيا

"استنطاق للمقدمات وقراءة في السيناريوهات

شيخنا ولد الشيخ أحمد الأمين

مقدمات مأزومة:

الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر يونيو المقبل قد لا يستقيم دون الحديث عن المقدمات التي سبقتها والسياقات التي تأتي فيها..
ذلك أن هذه الانتخابات هي ابن شرعي لأزمة سياسية بلغت ذروتها في السادس من أغسطس 2008 حين خلع الجيش الرئيس السابق، السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وأنهى سلطته ولما يبلغ حكمه سن الفطام.
لكن تلك الأزمةـ وإن لم تعبر عن نفسها بشكل صارخ إلا في سنة 2008ـ فإنها خلقت مع المرحلة الانتقالية الأولى بعد الثالث أغسطس 2005 وصاحبت الاستحقاقات الانتخابية التي عشناها سنة 2006 وبدت تجلياتها تطفوا باستحياء على واجهة المشهد السياسي الموريتاني، ممثلة في إضعاف التشكيلات السياسية وتشجيع ظاهرة المستقلين، طورا، والتأثير في إرادة الناخبين طورا آخر.
وبقدر ما أشارت تلك "التعبيرات الحيية" إلى رغبة لدى البعض في التحكم فيما بعد المرحلة الانتقالية، فإنها كشفت ضعفا بينا وهشاشة كبيرة في الطبقة السياسية، وهما حالتان كان لهما الأثر السيئ على المرحلة الانتقالية الأولى وما تلاها وسيكون لهما، بدون شك، تأثير واضح على الانتخابات المقبلة..
ولئن كادت الانتخابات النيابية والبلدية سنة 2007، تفرز ملامح طبقة سياسية تنتمي أغلبيتها لجيل ما بعد الاستقلال، فإن الرئاسيات التي تلتها كرست نفوذ ومكانة الطبقة السياسية التقليدية، بل وأحيت موات ما قبل العاشر من يوليو 1978، الأمر الذي أدى بالبعض إلى التندر على نتائج هذه الانتخابات بالقول:"إن العسكريين أحسوا بالذنب من الإطاحة بالحكم المدني سنة 1978 فأرادوا التكفير عن ذلك بإعادة السلطة إلى المدنيين.
ولكي تستريح ضمائرهم أكثر أصروا على تسليم الحكم إلى أحد (وزراء الدولة) قي تلك الحقبة".
وأيا تكن نسبة التخطيط فيما جرى يومئذ، فالنتيجة أن ذلك المسار الانتخابي أفرز أرخبيلا سياسيا متناثرا وغير متجانس، لا تحكمه منظومة فكرية ولا رؤى سياسية، يضم الحزبيين والمستقلين، الطامحين والطامعين، والشباب والشيوخ..
كما جاء برئيس تحدد داعموه حتى قبل أن يترشح وتشكلت كتلته الانتخابية بغير تنسيق معه وعلى غير هديِ منه ولا توجيه، في ظاهرة قد لا تبدو معروفة في تاريخ السياسة وقد لا تتكرر كثيرا في المستقبل..
وفي مناخ كهذا طوت المرحلة الانتقالية أوراقها، طائعة أو مكرهة، دون أن ينهي كتَبتُها ـ على ما يبدوـ سطرهم الأخير، فجاءت الجمهورية الثالثة معها بأسباب فنائها وحملت التجربة الديمقراطية "الحالمة" في ثناياها بداية نهاياتها.
وربما يحتاج الرحم الدستوري السياسي إلى تدخل علماء الجينات لتولد جمهورية رابعة لا تحمل مورثات الضعف والتشوهات الخَلقية من الجمهورية الثالثة.
هذه إذن هي المقدمات المأزومة التي أفرزت الواقع الذي نعيشه وفرضت اللجوء للانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد أربعة أشهر من اليوم، إذا ما سارت الأمور كما حددتها "خارطة طريق" الحكومة التي حظيت" بمباركة من النواب" بعد ساعات قليلة من عرضها أمامهم من قبل الوزير الأول.

وكما فرضت تلك المقدمات أجندتها، فقد أوجدت ظروفا وسياقات ستحدد طبيعة الانتخابات المقبلة وتجعل منها ـ إذا ما تمت ـ "تجليا من تجليات الأزمة" أو "نقطة مضيئة" في تاريخ موريتانيا السياسي و"إضافة نوعية" إلى الديمقراطية الموريتانية.

سياقات معقدة:

إن الانتخابات المقررة من قبل المجلس الأعلى للدولة على خلفية توصيات المنتديات العامة للديمقراطية التي التأمت في الأيام الأخيرة من ديسمبر 2008 والأولى من يناير 2009، تأتي وقد انقسمت الساحة السياسية على نفسها بين تيارين، أحدهما يعتبر أن ما حدث في السادس من أغسطس الماضي "حركة تصحيح" و"خطوة موفقة لإنقاذ البلاد من وضع خطير" وآخر يعتبره "انقلابا على الشرعية الدستورية" و"وأدا لتجربة ديمقراطية شهد القاصي والداني بتميزها "
وبغض النظر عن صواب أو خطأ أي من الرأيين، فقد كشف ما حدث يوم السادس أغسطس الماضي وما سبقه من تطورات أدت إليه، عجزا واضحا من الطبقة السياسية عن التعاطي مع الأزمات السياسية ومعالجتها قبل أن تتفاقم.
وبالإضافة إلى تشرذم الساحة الناجم عن ضعف رسوخ الهوية السياسية لدى الناشطين السياسيين، والترحال السياسي المتواصل، فقد تراجع دور الأحزاب السياسية لصالح ظاهرة "المبادرات" التي صمت الآذان وشوهت المشهد السياسي، وحولته إلى "مظاهر فولكلوريةعض مناسباتية".
وإلى جانب هذه الظروف المحلية، هنالك سياقات دولية لا يمكن تجاهلها، حتى وإن بدت غير مزعجة لأصحاب القرار، فهنالك خطاب دولي، يخفت أحيانا ويرتفع أحايين أخرى، مطالبا بـــ"العودة إلى الشرعية الدستورية" وهو خطاب بدأ يأخذ منحى جديدا بعد قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي يوم الخميس الماضي.
سيناريوهان للتأزيم أو الحل
رغم أن التنبؤ بنتائج عملية سياسية - تبدو الأمزجة والعواطف أكثر تأثيرا فيها من الفعل السياسي- يعتبر أقرب إلى الرجم بالغيب أو تعاطي العرافة، إلا أن استنطاق المقدمات والسياقات، قد يمكن من تصور سيناريوهين للانتخابات الرئاسية المقبلة.
السيناريو الأول: انتخابات بمن يشارك
يقوم هذا السيناريو على تنظيم انتخابات بمن يشارك، يترشح لها رئيس المجلس الأعلى للدولة، الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وبعض المرشحين الآخرين، يحتمل أن يكون بينهم زعيم المعارضة الديمقراطية السيد أحمد ولد داداه ويحتمل أن لا يكون بينهم.
ويحمل هذا السيناريو (هو أكثر السيناريوهات أرجحية في الوقت الراهن) في ثناياه نقاطا أثارت وتثير تحفظات من طرف بعض مكونات الطيف السياسي بمن فيها داعمون للمجلس الأعلى للدولة.
وتتمثل أهم تلك التحفظات في الموقف من ترشح أعضاء المجلس الأعلى للدولة وهي نقطة يعتبرها تكتل القوى الديمقراطية وزعيمه أكثر من جوهرية.
كما أن ضمانات الشفافية تبدو مطلوبة من طرف بعض الفاعلين في الساحة..
وهنالك نقطة أخرى أثارها التكتل في بيانه الأخير تتعلق بما أسماه "الحوار الجدي" بشأن تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات.
ورغم أن تجاوز بعض هذه التحفظات يبدو غير ممكن في ضوء الأخبار التي "تساقط" على الساحة حاليا، خاصة ما يتعلق بترشح أعضاء المجلس الأعلى للدولة، فإنه بالإمكان إيجاد حل وسط يحترم الصيغ الدستورية التي تضمن لهؤلاء حقهم في الترشح إذا كانوا خارج الخدمة، وفي نفس تقدم للمتخوفين من التأثير على الانتخابات الضمانات الكافية للشفافية والنزاهة.
ويمكن أن يتم ذلك من خلال تشكيل هيئة من الأحزاب تتولى رقابة الانتخابات إلى جانب اللجنة المستقلة للانتخابات، وتشكيل هذه الأخيرة بالاتفاق مع الجهات الحزبية المعنية.
أو من خلال تشكيل حكومة أحزاب تنحصر مهمتها في تنظيم الانتخابات الرئاسية، يقتصر التمثيل فيها على الأحزاب الممثلة في البرلمان والراغبة في المشاركة.
هدف من يتبنون هذا الخيار إلى تحقيق هدفين أساسيين:
- توفير "شرعية انتخابية" تكون رديفا "للشرعية الشعبية"
- إيجاد مخرج دستوري قابل للتسويق الخارجي، يساعد على حلحلة المواقف الدولية مع مرور الوقت.
ويتوقف تحقيق هذين الهدفين على مستوى الغطاء السياسي الداخلي الذي سيتوفر لهذه الانتخابات، خاصة من طرف القوى الحزبية المؤثرة على الساحة وخاصة زعيم حزب تكتل القوى الديمقراطية السيد أحمد ولد داداه، وبعض الرموز الآخرين مثل رئيس الجمعية الوطنية.
فإذا ما استطاع المجلس الأعلى للدولة والحكومة تقديم الضمانات التي يرى هؤلاء أنها تحقق الحد الأدنى من مطالبهم وشاركوا في الانتخابات، فقد يسهل ذلك تسويق نتائجها خارجيا.
أما إذا لم يشاركوا في الانتخابات (وهو احتمال ما يزال واردا) وتوحدت-أو تلاقت- مواقف التكتل مع مواقف الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، فقد يتطلب إقناع الأطراف الخارجية بنتيجة انتخابات كتلك جهدا كبيرا، إن لم يكن مستحيلا.
ومن شأن "انتخابات بمن شارك" تقاطعها أهم الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، أن تزيد من حدة الاستقطاب في الساحة السياسية المبعثرة أصلا، وتعيد البلاد إلى ما قبل الثالث أغسطس 2005.
ومن أجل تفادي ذلك، أو على الأقل الحد من تأثيراته السلبية، يبقى الحوار الجاد بين الفرقاء أمرا مطلوبا بإلحاح.
السيناريو الثاني: غطاء داخلي ومباركة خارجية
يقوم هذا السيناريو على تنظيم انتخابات ذات مصداقية، بمشاركة واسعة من الطيف السياسي الوطني، يفتح المجال فيها لمن يرغب في الترشح بمن فيهم رئيس المجلس الأعلى للدولة، على أن يتوفر لها الغطاء السياسي الداخلي والخارجي.
ويتطلب تحقيق جملة من الشروط، من أبرزها:
- التوصل إلى توافق داخل الطبقة السياسية حول شروط تنظيم هذه الانتخابات،
- توفر جهاز مستقل إداريا وماليا للإشراف على الانتخابات بشكل كامل،
- إيجاد حكومة سياسية (حزبية) تمثل فيها الأحزاب السياسية حسب تواجدها في الهيئات الانتخابية(البرلمان والمجالس البلدية) وتكون مهمتها الأساسية تنظيم الانتخابات.
- الاتفاق على حل توافقي داخلي يمكن أن يكون مقبولا لدى المجتمع الدولي،
- توفر دعم خارجي سياسي ومالي، يقدم الغطاء السياسي والرقابي، ويمول العملية الانتخابية.
ورغم أن هذه الشروط تبدو غير متيسرة حسب معطيات الساحة السياسية في الوقت الراهن، إلا أن خطورة الأزمة السياسية وضرورة الخروج منها بأقل الخسائر، تفرض على طبقتنا السياسية – في الحكم وخارجه- التلاقي والحوار وتقديم التنازلات المتبادلة.
وربما يستطيع المرء أن يشعر بإمكانية توفر هذه الشروط وهو يقرأ بين سطور تصريحات بعض الفاعلين في الطرفين.
ولعل المبادرات العديدة التي طرحت في الساحة، بدءا بمبادرة رئيس الجمعية الوطنية السيد مسعود ولد بلخير، وانتهاء بمبادرة حزب تكتل القوى الديمقراطية وردود فعل النواب المستقلين عليها، تكشف إمكانية تحقق هذا السيناريو، خاصة وأنها تنطلق من ضرورة تجاوز الحالة السياسية الراهنة والخروج من الأزمة، وتتفق كلها على أن السبيل لذلك هو تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال.
ولئن لم تتفق هذه المبادرات في بعض النقاط الجوهرية، فإنها اتفقت في نقاط جوهرية أخرى كثيرة.
وبالتأكيد، فإن الحوار الذي شكل قاسما مشتركا بين كل المبادرات، سيمكن الفرقاء السياسيين من تقليص مساحة الخلاف وتقريب وجهات النظر.
كما أن نقاطا كثيرة في تلك المبادرات حظيت بموافقة من طرف الحكومة، وتقاطعت في بعض نقاطها مع ما تعهد به المجلس الأعلى للدولة (إنشاء لجنة مستقلة للانتخابات، الدعوة لإشراف دولي على الانتخابات، فتح المجال أمام الجميع للترشح...).
ولا يعني هذا أن تحقق هذا السيناريو أمر سهل وبسيط، بل إن هناك صعوبات حقيقية تحول دون تجسيده، ليس أقلها شأنا موقف الفرقاء من الترشيحات.
ومن شأن انتخابات كتلك، أن تشكل نقلة نوعية في الديمقراطية الموريتانية وتجعل منها نموذجا رائدا في المنطقة، وهذا مطلب يبدو عزيزا في ظل الاستقطاب الحاد في الساحة السياسية، وتمسك كل طرف بمواقفه ورؤاه.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!