التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:19:15 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.02.2009 16:36:02

محمد ولد الطالب: لو لم أكن شاعرا لكنت قاطع طريق

الشاعر محمد ولد الطالب

الشاعر محمد ولد الطالب


تمتزج فيه روح الصعلوك الثائر، بروح الوطني الحالم، بروح الشاعر المتمرد، عندما يتحدث عن الشعر تتغير سحنة صوته وتخاله يروي عن مقدس يلقي الحديث عنه بإخبات، تمنى أن يكون رياضيا أو موسيقيا أو حتى محترف ألعاب قوى، لكن القدر اختار أن يسلك طريق الكلمة الراقصة، فقرر الانصياع لاختيار القدر الإلهي راغبا.

كتب أولى تمتماته الشعرية بداية عقد الثمانينات، رغم أنه لا يعي بالضبط تاريخ تلبسه بأعراض الشعر. بزغ اسم أستاذ الأدب المختال في عقده الرابع في الدورة لبرنامج أمير الشعراء، وأهلته موهبته الفذة وامتلاكه ناصية المقول للمرتبة الثانية بعد أن خطف بريق قصيدته ألباب الجمهور والنقاد.

محمد ولد الطالب وجه لا تفارقه الابتسامة، يضحك من غير سبب أحيانا (كما يقول) من فرط بغض العبوسة. أن تحصل على موعد مع الشاعر الأمير محمد ولد الطالب لإجراء حوار صحفي أمر سهل، فالرجل يرد على كل المكالمات من دون استثناء، لكن أن تستطيع إجراء هذا الحوار فأمر صعب بسبب الارتباطات المتشعبة "لسارق النار".

الأخبار استلت من الأمير وقتا حدثها فيه عن بدايته مع الشعر وأحلام الصبا ورأي في السياسة، والقصيدة ...

الأخبار: كيف كانت بدايتك مع الشعر ؟

ولد الطالب: كانت بداية في وقت مبكر من الطفولة عندما كنت أعيش يكنف أسرة تمارس التجارة بين المغرب وموريتانيا والسنغال وكان الوالد رحمه الله إضافة إلى انشغاله بالتجارة كان خريج محظرة وكان يمتلك مكتبة كانت من المكتب الصفراء، كنت ألعب بالقرب من هذه الكتب وأشم رائحتها وهو ما يعني أني تربيت في جو غير بعيد من الثقافة، أجواء تمتزج فيها التجارة بالثقافة.

فكانت الطفولة الأولى في السنغال وكانت أيضا بيئة السنغال بيئة جميلة جدا وشاعرية جدا فدولة السنغال تمثل العمق الإفريقي خير تمثيل، وبعد الانتقال إلى البلد هنا لمتابعة مراحل الدراسة، كنت دائما أتوق وأميل إلى الأناشيد والشعر ، وهذا لا يعني أنني كنت أعرف أنني شاعر ولا يعني أي شيء فجميع الأطفال يتوقون إلى الأناشيد ومع الأيام وجدتني متلبسا بأعراض الشعر لا عن طريق الوراثة ولا عن طريق التقليد.. وجدتني متلبسا بهذه الأعراض فجأة، وبدأت صلتي تتوثق بالقصيدة وظلت تتعزز يوما بعد يوم.

الأخبار: متى كتبت أول نص وما هو؟

ولد الطالب: بدايتي لم أكتب شيئا يمكن أن يطلق عليه تسمية نص كانت مجرد أبيات متوعكة ومهلهلة ومختلة اللغة ومختلة الوزن في بعض ا لأحيان. وكنت أقلد كلما تقع عليه عيني من الشعر حتى أنني في الصبا كنت أقلد الأنظام الفقهية في مكتبة الوالد ظنا مني أنها شعر بعد ذلك اكتشفت أن هذا الكلام بارد وباهت خال من البهارات ولا طعم له .. فأدركت مؤخرا أن هذا ليس شعرا إنما هو نظم الهدف منه أن يتعلم قارئه الفقه والنحو وأشياء من هذا القبيل.

وكانت بدايتي الصحيحة مع الشعر سنة 1980عندما كنت أحضر لمسابقة دخول السنة الأولى من الإعدادية، حين أهداني أحدهم ديوان أبي القاسم الشابي، فكأنه فتح لي أبواب مملكة الشعر فبدأت أتلقف شعر أبي القاسم الشابي، وهو شعر طفولي أيضا وجميل وبسيط ورقيق فبدأت أقلده، فكانت تلك هي البداية.

الأخبار: لن أسألك بمن تأثرت لكني سأسألك من يحضر معك من الشعراء عندما تهم بكتابة قصيدة؟

ولد الطالب: عندما أهم بكتابة القصيدة أحاول أن أطرد جميع الشعراء، أحرص على أن يحضروا هذه اللحظة الإبداعية، لأنهم لو حضروها لما كنت شاعرا في تلك اللحظة، بل سأكون مجرد بوق يردد أصداء شعراء آخرين، فالشاعر ينبغي أن يحرص أن يكون بخيلا إلى درجة اللؤم في لحظة إبداعه، لأن هذه لحظة خاصة ينبغي أن يطرد جميع الأجسام الغريبة، حتى ولو كانت من كبار الشعراء الذين يحبهم.

أنا أحب المتنبي كثيرا، لكنني لن أسمح للمتنبي أن يحضر لحظتي الإبداعية. لن أسمح لإعجابي به أن يتسلل إلى قصيدتي، لأنني لا أكرر هذا الرجل فهذا يسيء إليه هو ويسيء إلي. أنا أحب المتنبي وأعتقد أن كل العرب من المحيط إلى الخليج يحبون المتنبي ويعتبرونه شاعر هذه الأمة، لكن عملقة المتنبي هذه لا تقصي غيره من عمالقة الشعر.

وجادة الشعر العربي تسع الجميع وهذه الجادة قدمت للأمة العربية وللعالم الكثير من فطاحلة الشعر ، الذين يستحقون أن يوقف على تجاربهم الشعرية، وما زال العالم يتغنى بأشعارهم رغم البعد الزمني. وشعرنا الحديث قدم الكثير من الشعراء الكبار والكبار جدا.. المكانة التي أعطي للمتنبي أعطي مثلها للشاعر الراحل نزار قباني، وللشاعر الراحل محمود درويش، وللراحل أمل دنقل، الأمة العربية من بعد مليئة بالشعراء الكبار.

الأخبار: ما هو الشعر بالنسبة لمحمد ولد الطالب كشاعر أولا، وكأستاذ للأدب ثانيا؟

ولد الطالب: الشعر لا يمكن أن يعرف وهذه هي قيمته، يمكن أن نعرف الموسيقى، يمكن أن نعرف الرسم، لكن لا يمكن أبدا أن نجد تعريفا يسع هذا الكائن الهلامي الجميل الذي يسمى الشعر. طرح علي مرة سؤال تعريف الشعر فأجبت عنه بهذه الأبيات:

الشعر ما الشعر لولا العشق يسكنني ** غنيت للكون لكن ليس يسمعني
غنيت في وطني لــلزهر أغنية ** لو كان يسمعها زرياب يحسدني
أنا المحب الــــــذي باتت نوادره ** تروى وأرصفة الأوجاد تعرفني
جربت خارطة الأوجاع كم جزر ** للعشق أحرقت في شطآنها سنني

الشعر بالنسبة لي هو فن من أجل الفنون التي وجدت على الأرض، من أجمل الفنون التي ابتدعتها العبقرية الإنسانية على مر التاريخ الإنساني، تلبس به قوم سموا فيما بعد، بالشعراء، يسافح في جادة الإبداع الموسيقى والرقص والرسم ويتميز عنها أنه يجمعها جميعا في الكلمة، أنه يحوصل جميع هذه الفنون في ذاته هو وفي جوهره.

الأخبار: طيب لننزل بالموضوع إلى مستوى آخر، تصر في إحدى المقابلات مع جريدة الشعب الموريتانية على أن التجديد والتحديث الشعري قادمان إلى موريتانيا، ويتعايش في تجربتك العمودي مع التفعيلة فيما قرأت، أين يقف محمد ولد الطالب شعريا؟

ولد الطالب: بالنسبة لي الحداثة لا يمكن أن تحصر في شكل، فليس كل من يكتب قصيدة التفعيلة هو حداثي، وليس كل من يكتب القصيدة العمودية هو كلاسيكي، فالحداثة غير مرتبطة بشكل وإنما هي روح، إذا وجدت في شعر فهو شعر حداثي، والإبداع كذلك روح وسيما إذا وجدت في أي نص يكون نصا إبداعيا ويقال هذا إبداع، ويحدث هذا النص ضجة وتتلقفه الناس وتتقبله، ويكون هذا النص أيضا فاتحة لأبعاد سحيقة من القراءات والدراسات التي يتيحها فضاء هذا النص.

بالتالي القضية ليست أن تكتب نصا عموديا أو نصا على التفعيلة أو حتى قصيدة نثر وإن كنت لا أكتب هذه القصيدة ولا أحبذها كثيرا، لأن الشعر والنثر ينبغي أن تظل بينهما الحدود المعروفة فطمس هذه الحدود ليس في صالح الثقافة العربية وليس أيضا في صالح الذائقة العربية والمستوى العربي الرفيع الذي وصل إليه.

بالنسبة لي أنا أقف في نقطة الوسط أو على مفترق الطرق بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، ولا أجد أي غضاضة في أن أكتب قصيدة تفعيلة، أو قصيدة عمودية وعندما تأتيني اللحظة الإبداعية لا أدري هذه القصيدة التي يتلبد غيمها في سماء تجربتي الشعرية، لا أدري هل ستكون عمودية أو قصيدة تفعيلة، عندما أدخل في هذه اللحظة أفاجأ بأنها جاءت عمودية، أو أفاجأ بأنها تفعيلة ، الكل بالنسبة لي مفاجأة سارة، ولا يوجد تناقض ، ولا توجد مواضيع شعرية حكر على القصيدة العمودية دون قصيدة التفعيلة، والعكس صحيح. فجميع المواضيع الشعرية، وجميع الإبداع يمكن أن تسعه قوالب الشعر العمودي كما يمكن أن تسعه أيضا قصيدة التفعيلة.

الأخبار: من يقرأ شعر محمد ولد الطالب يجده مرة يبوح من فوق مئذنة وأخرى سارقا للنار، حتى إن البعض يرى أن ولد الطالب الشاعر يحمل هم كسر السور المفروض على الثقافة الموريتانية، ما هي النقطة المركزية في شعر محمد ولد الطالب؟

ولد الطالب: الشاعر يجب أن تكون عنده روح متمردة، فالشعر تمرد، إذا تحول الشاعر إلى حيوان أليف وطيع فهذا لم يعد شاعرا، أصبح صالحا لحديقة الحيوانات أو للمتحف أكثر منه للشعر، الشعر ثورة وتمرد وخروج ، ثورة في اللغة أولا، ونحن العرب مشكلتنا أننا ننظر إلى اللغة نظرة دونية مع أن الله سبحانه وتعالى يقول لنا إن هذا الكون كله كلمة، في البدء كانت الكلمة، والله في قرآننا المجيد العظيم المقدس، يخبرنا أن نبي الله عيسى كلمة، ومحمد كلمة.
والله خلق الأسماء قبل أن يخلق الأجرام والأشكال والأفعال، والأسماء كلمات، وهذا الكون كلمة، فالشعر ثورة وجودية، تنفجر أولا في اللغة، الشاعر ينبغي أن يخرج على الأنماط، فالشعر هو الإتيان بغير المألولف الغريب، والشعر أيضا هو الثورة على ما يفرض على الإنسان من أنماط ومن قيود ضارة وتقيد عبقرية هذا الإنسان، فالشعر تمرد وثورة وأنا قلت مرة إن الشعراء ينبغي أن يولدوا في الفضاء الطلق كما تولد الوعول.

الأخبار: كتب ولد الطالب لغزة ولبغداد، ولأكثر من قضية، ما هي رؤيتك للعلاقة بين الشعر والحياة هل على الشاعر أن يردد نفس بيانات السياسيين وشعارات المظاهرات؟

ولد الطالب: تعامل الشاعر مع ما يحدث من مآس يختلف كثيرا مع تعامله السياسي، فالسياسي مثلا ينظر إلى أزمة غزة نظرة ربحية، صحيح أن السياسي يتعاطف لكن كل سياسي يفكر في استغلال أشلاء أطفال ودمائهم، مكسبا سياسيا له.

لكن الشاعر مختلف فهو لا يبحث عن أرباح، الشاعر يتعامل مع الوضع ليؤزمه أكثر، يتعامل مع الأزمة بغض النظر عن الربح والخسارة يتعامل معها تعاملا إنسانيا، فنيا، فهذه الدماء وهذه الأشلاء لوح في عيون الشاعر ينبغي أن يفجرها وتفجر فيه الكلمة، بينما هي في عيون السياسي استراتيجية وهذا شيء مختلف كثيرا، وبالتالي فالشعراء يتعاملون مع قضايا الأمة من خلال مخاطبة وجدان الأمة. العلاقة بين الشاعر والجمهور علاقة جمالية، لا يريد منه أكثر من الاستماع والاستمتاع، لا يريد منه أن يتوجه أو أن ينتخبه.

فالطريقان مختلفان تماما، الشاعر العربي التزم بقضايا الأمة وعالجها شعريا، بعيدا عن الربح والخسارة، وظلت القصيدة العربية تحمل جراح هذه الأمة حتى يومنا هذا، وبالتالي لا غرو أن يتغنى الشعراء بما يحدث في غزة وهذا لا يعني تكرارا لأن المأساة تتكرر، فنحن سنتكرر مع هذه المأساة ومادامت المأساة الفسطينية قائمة، تضاف إليها المأساة في العراق وفي الصومال.. والمآسي تتكرر على هذه الأمة، فالقصيدة العربية ستلتزم بقضايا الأمة حتى آخر نفس.

الأخبار: من زاوية أخرى على هذا الأساس على الشاعر أن يكتب قصيدة يفهمها الجمهور ويتفاعل معها ؟

ولد الطالب: ليكتب الشاعر بأي حبر شاء وبأي أسلوب شاء. المهم أن يكتب شعرا، وإذا كتب شعرا أنا أضمن لهذا الشعر أن الجمهور سيتفاعل معه . لو كانت توجد أنواع من الحبر من اشتراها وكتب بها يصبح مبدعا، لصارت القضية سهلة ، القضية ليست في الحبر ولا في الأسلوب، القضية في الإبداع، وهذا ما لا يفهمه كثيرون مشكلة الشعر في كثرة الأدعياء. قيل لي مرة شعر التفعيلة جلب الأدعياء للشعر، قلت لهم أدعياء الشعر العمودي أكثر من أدعياء الشعر الحر، فالشعر فن محبب سيظل الأدعياء دائما يحومون حوله، وسيأكل على مائدته الكثير من البسطاء ويظنون أنهم صاروا شعراء، لكن الزمن كفيل بغربلة هذا الكم.
المتنبي مثلا هجاه ألف شاعر، لم نسمع عن هؤلاء الشعراء، أين هم بقي المتنبي وذهب هؤلاء الشعراء، لم نجد في مدونة تاريخ الشعر العربي، إلا أن المتنبي تعرض للهجاء من ألف شاعر، لكن لم نجد هذا الهجاء وذهب أولئك الشعراء جفاء وبقي المتنبي صامدا حتى اليوم، فغربال الزمن هو الحكم.
من هنا فبرنامج أمير الشعراء أو إمبراطور الشعر هذه ليست هي القضية، الذي سيبقى هو الأصلح، الزمن هو الناقد ، هو الذي يصفي الأشياء ويغربلها، حتى بعد ألف سنة.

الأخبار: لو طلب منك الشهادة عل عصرك الشعري في سطور، طبعا في موريتانيا، ما ذا تقول؟

ولد الطالب: نحن جيل من الشباب رفع عقيرته بالشعر مع مطلع الثمانينات، أو في وسط الثمانينات، كانت البداية مع الصعاليك الأوائل: أبو شجة، ببها ، ولد بديوه.. في منتصف الطريق انضم إليهم صعلوك صغير جميل يسمى أحمد ولد بولمساك، وجدوه في منتصف الطريق فانضم إليهم في هذه الصعلكة، هؤلاء أثاروا الكثير من الغبار. أيامها كنت أنا في الثانوية، مع العلم أني ربما أكبر من ولد بولمساك لكن الشعراء لا يقاسون بالسن، فأنت تعلم أن النابغ لم يكتب الشعر إلا في الستين، فالشاعر قد يولد متأخرا.

ثم التحقت بهم مجموعة أخرى سيدي ولد لمجاد محمد ولد الطالب المختار السالم ولد أحمد سالم في مجمعة من الشعراء الشباب، وكنا كلنا تقريبا ندرس في الجامعة، وعلى هذا كنا أوفر حظا من الجيل السابق، لأننا دخلنا في أجواء جامعية، كنا نطلع من خلالها على بعض المراجع عن الشعر، كما كنا نقرأ الشعر العربي، وكنا حداثيين بتربيتنا وبطبيعة دراستنا، فمثلنا هذا الجيل.

وإن كان الجيل الأول مهد لنا الطريق وأفضاله علينا لا تعد، أعني جيل الشعراء الكبار: أحمدو ولد عبد القادر، محمد كابر هشم، ناجي محمد الإمام، محمد الحافظ ولد أحمدو، باته بنت البراء، هذا الجيل مهد لنا الطريق واختزل لنا الكثير من المسافات، فجئنا نحن لنواصل، وجاء الجيل الذي بعدنا نحن ليواصل ..وسيظل الشعر العربي يتواصل جيلا بعد جيل، يتناول ويلتزم قضايا الأمة وإن كان يحارب من الداخل ومن الخارج لأن الأمم الأخرى تدرك أن موت الأمة العربية هو موت القصيدة العربية.

لكن الشعر ما زال يقاوم، يعيش بالكسرة ولماء ويصوم السنين الطوال ويبيت على الطوى لكنه يبقى شعرا، يحمل هموم الأمة ويناضل، فرغم كلما تعرض له ما زال ذا الشعر قادرا على أن يجمع وجدان الأمة العربية، و أن يهز أركان هذه الأمة من المحيط إلى الخليج. هذا ما عجزت عنه السياسة وما عجز عنه الاقتصاد والمؤتمرات. تفعله القصيدة في لحظة واحدة، وأنا أطالب الأمة أن تراهن على شعرها، كما راهن الأجداد. لماذا نتخلى عن هذا السلاح القوي الذي استخدمه الأجداد؟

ولد الطالب: لو طلبت منك أن تقول للقارئ كلمة حول المهرجانات الشعرية، ولنبدأ بمهرجان موريتانيا الشعري في نسخته الأولى؟

ولد الطالب: مهرجان موريتانيا الشعري مهرجان ينبغي أن نشجعه جميعا، فأن يلتقي الشعراء العرب على أرض المليون شاعر، فهذا شيء جميل، وأنا قلت إن هذا المهرجان الشعري يساوي مائة وعشرين سفارة فيما قدم لموريتانيا من التعريف والتواصل والدبلوماسية الشعرية الجميلة النظيفة الباقية الخالدة، ولك أن تقارن كم تصرف الدولة على مائة وعشرين سفارة وكم تصرف على مهرجان شعري كهذا. هذه العمليات الحسابية أرجو أن يفكر فيها.

وأنا مطمئن جدا إلى أن السيد الرئيس- وهذا كلام لا أجامل فيه لأني لم أجامل رئيس بلد قط لا ولد الطايع ولا ولد محمد فال ولا ولد الشيخ عبد الله- فأقول إن تبني الرئيس لهذا المهرجان وهو في انشغالات سياسية كبيرة .. يعني الكثير بالنسبة لنا نحن المثقفين ونثمنه. أن يتبنى هذا المهرجان ويموله ويفتح له صدره فهذا شيء جميل وأنا أرى أنه بهذه الخطوة أعطى لحركته التصحيحية شمولية، فلم تعد حركة تصحيح سياسية اقتصادية فقط، بل صارت أيضا حركة تصحيح ثقافية، وهذا ما نحتاج إليه.

الأخبار: بالنسبة لبرنامج أمير الشعراء، هل محمد ولد الطالب قبل أمير الشعراء هو نفسه محمد ولد الطالب بعد أمير الشعراء؟

ولد الطالب: نعم هو نفسه لأن أمير الشعراء ليس مصنعا للشعراء، ليس أكاديمية أو مدرسة لتخريج الشعراء. الشعر فن لا يمكن أن يدرس ليس كالموسيقى يمكن أن تدرس في معهد للموسيقى وتتخرج موسيقارا من أكبر الموسيقيين، لكن لا يمكنك أن تذهب إلى جامعة وتخرجك شاعرا لأن هذه موهبة الشعر هذا شيء فلسفي غامض لا يمكن أن يدرس فأنت تجد عالما في اللغة العربية ولا يمكن أن يكتب بيتا، وتجد شخصا عاديا جدا وهو شاعر.

من هنا فأمير الشعراء ليس مدرسة لتخريج الشعراء ولا يغير الشعراء ولا يصنعهم، وإنما هو نافذة إعلامية وسوق شعرية تتيح للشعراء أن يعرضوا بضائعهم وتتيح لهم فرصة الوقوف على المحك أمام الجماهير العربية وهي التي تختار. هذا بكل اختصار هو برنامج أمير الشعراء فلا يمكن لأمير الشعراء أن يخلق شاعرا ولا أن يفرض شاعرا ، فلا حكم النقاد ولا حكم الاتصالات عبر الهاتف الـ SMS يمكن أن تفرض شاعرا على الجمهور فالجماهير من المحيط إلى الخليج لها خياراتها ولها حكمها.

الأخبار: لن نسألك أي قصيدة أحب إليك، لكني سأسألك لو أتيحت لك فرصة، بشكل مفاجئ، لتقرأ قصيدة من شعرك ما الذي ستختار؟

ولد الطالب: أقرأ مقطوعة غزلية بعنوان: تاريخ أجفانك.

الأخبار: لو لم يكن محمد ولد الطالب شاعرا، ما ذا كنت ستقرر أن تكون؟

ولد الطالب: لو لم أكن شاعرا لما كنت موجودا، أو لكنت قاطع طريق، كنت سفاحا أقتل الناس في الشوارع، وأسبب فوضى.

الأخبار: (أقاطعه) لماذا؟

ولد الطالب: لأن التمرد والثورة الشعريين لو لم أجدهما في الشعر لكنت خلقتهما. إما شاعر وإما قاطع طريق.
الأخبار: الحمد لله أنك كنت شاعرا. سأسألك عن بعض الأشياء باختصار:
• شيء يغضب محمد ولد الطالب بشكل دائم؟

ولد الطالب: أنا أغضب من التكبر وأكره المتكبرين، وأكره شيئين الفقر والجهل، وخصوصا في موريتانيا حيث لا مجال لهما، فكيف يكون بلد غني وشعبه فقير؟ وكيف يكون شعب جاهل وهو سليل دوحة عليمة، فلو ملكت عصا سحرية أقضي بها على شيئين لقضيت بها على الجهل والفقر.

• شيء يضحك محمد ولد الطالب دائما؟
ولد الطالب: (يضحك) المضاحك في هذه الدنيا كثيرة لكنه ضحك كالبكاء، كما يقول المتنبي وشر البلية ما يضحك. الضحك كثير وأنا لست عابسا ولا متجهما، أنا أحب النكتة وأحب الضحك، فكثير من الأشياء، حتى التي لا تضحك الناس عادة، تضحكني. (يضحك) أضحك مرات مجانا بدون سبب.

• شيء كنت تتمناه وفاتك واستسلمت؟

ولد الطالب: فاتني الكثير. الإنسان فاته الكثير. الإنسان عبارة عن مقبرة أحلام، حلمت أن أكون لاعب كرة شهيرا، وكنت أفشل الناس في الكرة، وحلمت مرة أن أكون فنانا وموسيقيا كبيرا، فإذا بي إذا عملت مثل هذا أوضع في سجن لأن القبيلة لا تقبل. حلمت أن أكون قاطع طريق حلمت أن أكون رجلا قويا أمتلك عضلات. الأحلام التي تموت كثيرة. نحن مقبرة أحلام.

• شيء كنت تتمناه وما زلت تسعى وراءه؟

ولد الطالب: أتمنى أن أرى جامعة نواكشوط على شاطئ المحيط، تلبس ثوبا غير هذا الثوب الخشن الذي اعتدناه، وأتمنى أيضا أن تجد موريتانيا سلطة تقدر الثقافة وتحس بآلام المواطنين. وأظن أن الجنرال محمد ولد عبد العزيز يمتلك هذه الصفات.
أنا لم أتكلم بهذه الأشياء من قبل والآن أتحدث بها على موقع "الأخبار" وعلى كل موقع، وأتحدى الذين سيقولون إن هذا تزلفا، لأني لم أتزلف. عندما رأيت هذا الرجل وأنا في الدوحة يدخل على الأكواخ في الكبات في الحي الساكن، أدركت أن هذا الرجل يحمل هم الوطن.

هذه الكبات [أحياء الصفيح] كانت موجودة، لماذا لم يدخلها رئيس قبله. يقول بعض المرجفين والمغرضين هو يقوم بهذا كورقة انتخابية، لماذا لم يلعب الذين قبله هذه الورقة، مع أنهم لعبوا بجميع الأوراق في انتخاباتهم لماذا لم يذهبوا إلى أحياء الصفيح.

أنا كنت أدرس في ثانوية الميناء، وكنت أرى شبابا في مرحلة الباكلوريا عاشوا وتربوا وولدوا في أحزمة البؤس هذه وكنت عندما ألقي دروسي وأخرج من الثانوية وأسير على الشارع المحاذي لسوق المواشي (المربط) وأرى هذه الأحياء أصاب بألم كثير وعندما أعود إلى البيت، الذي ليس ملكا لي بالمناسبة، أشعر أنني إنسان متوحش كيف أنام في هذا الدفء ومئات الموريتانيين يسكنون في هذه الأعرشة والأخبية.

مع أنني لا أمتلك من السلطة إلا الطبشور الذي أٍستعمل وربما لا أمتلك عليه سلطة. فكنت أتساءل لماذا هؤلاء لا يشعرون ببؤس أولئك المساكين، لماذا يحرم الإنسان من قطعة أرضية، من السكن الذي هو أبسط حقوق الإنسان، حتى الجرذان تصنع لها سكنا، حتى النمل يصنع في شقوق الحجر سكنا، لماذا يحرم الإنسان من هذا السكن وفي نفس الوقت توزع الإقطاعيات على الآخرين. أنا كل حلمي أن يتغير حال البلد وأن نستفيد مما عندنا من ثروات، وأن نأخذ مكانتنا اللائقة وصورتنا الطيبة.

في المهرجان التفت إلي كريم معتوق مازحا وقال لي أنتم بلد الانقلابات، قلت نحن نعتز بهذه الانقلابات، فانقلاباتنا تختلف كثيرا عن الانقلابات عندكم في المشرق، انقلاباتنا عبارة عن حركات تصحيح وتأتي عندما يبلغ الانسداد عنق الزجاجة، ونكون على وشك الانفجار يتدخل هذا الجيش ولا تراق قطرة دم، فقال لي أنت تبرر الانقلابات. قلت له ما دمت جئت هنا فسأنقلب أنا عليك.
ألأخبار: شكرا جزيلا.
محمد: شكرا لكم.



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!