التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:21:33 غرينتش


تاريخ الإضافة : 29.12.2007 16:10:30

مخابر رئاسة الجمهورية تنجح في أول عملية استنساخ حزبي

أوفى ولد عبد الله ولد أوفى

أوفى ولد عبد الله ولد أوفى

أوفى ولد عبد الله ولد أوفى
[email protected]

في أحد الصالونات الفارهة في مقاطعة تفرغ زينه ، وفي غياب لافت للصحافة الحرة والرسمية ، ووسط إجراءات أمنية مشددة بدأت شخصيات سياسية وقبلية وعسكرية بارزة تتوافد الواحدة تلوى الأخرى ، فيما بدا أنه اجتماع شبه سري لتدارس الوضعية السياسية والأمنية الراهنة ،وتبادل الآراء والمقترحات حول مختلف الملفات الشائكة ، التي تئن الدولة اليوم تحت وطأتها ، خصوصا عملية الاستنساخ الحزبية التي تجرى في مخابر الرئاسة هذه الأيام ، للحصول على حزب جديد للدولة مفصل على المقاس الجمهوري ،وبنفس الخريطة الوراثية لحزب الدولة ما قبل الثالث من أغسطس، وما يمكن أن تثيره هذه العملية من مخلفات ، وردود أفعال، قد تصل في بعضها إلى حد إصدار فتوى شرعية تمنع هذا النوع من الاستنساخ الحزبي، وذلك لما قد يؤدي إليه من فساد في الأرض، إذ قد ينتج عنه ميلاد كائن ديناصوري جديد يلتهم الأخضر واليابس ويعيد البلاد إلى السنوات العجاف التي لم تستطع رغم كل ما جرى تخطيها بعد، وكيفية تعامل الحزب مع تلك الفتوى في حالة ما إذا استصدرت ، ثم تدارس الردود السلبية لمختلف التشكيلات الحزبية الرافضة لتكوين حزب للدولة ، بالإضافة إلى وضع اللمسات الأخيرة للتشكيلة الحزبية التي أفرزتها المشاورات المكثفة التي أعلن عنها في الأيام الماضية بالرعاية السامية من رئاسة الجمهورية، واستصدار بيان يدين عملية قتل السواح الفرنسيين والجنود الموريتانيين.

داخل الصالون الفاره بدأت التشكيلات الفسيفسائية لمختلف مكونات الشعب الموريتاني تتمايز وتتكشف وكأننا أمام مؤتمر دولي لمحاربة الإرهاب، حيث لا تعذر دولة في التغيب عنه ، كان من التشكيلات التي حضرت الاجتماع : ممثلين من الرئاسة و الحكومة وكتلة الزعامات القبلية وكتلة المستقلين، وطائفة من المعارضة ، بدت متخفية في زي حكومي، وكتلة الموالاة والمجتمع المدني و ممثلين عن كافة الأحزاب السياسية وبرعاية خاصة من المؤسسة العسكرية وتمويل من خزانة الدولة ، هكذا بدا الاجتماع وكأن العنوان الرئيس له : موريتانيا تتحول إلى حزب جمهوري.
بدأ الاجتماع ببيان رئاسي جاء فيه :"نظرا لضرورة وجود أغلبية مطلقة مريحة يتمكن الرئيس من خلالها تنفيذ برنامجه الانتخابي ، ولكي يحظى بدعم البرلمان ألا مشروط لكل القوانين المعروضة عليه ، ونظرا إلى أن الحكومة ينقصها الإطار الحزبي الذي يساعدها في التعيينات ، ويمكنها من تجاوز المشاكل المتزايدة التي تعترضها، ويحشد لها الدعم القبلي ، ويضع الإمبراطورية الإعلامية الوطنية بكافة أطيافها ،وخاصة الصحافة الحرة منها، والتي يبدوا أنها أصبحت في الآونة الأخيرة أكثر إزعاجا من ذي قبل، تحت السيطرة الحزبية ليتم إخراسها ، ونظرا لعدة أمور أخرى ،فإن حزب الدولة أصبح ضرورة تمليها مقتضيات المرحلة ولعبة لا غنى للساسة الجمهوريين عنها ، وأدعو الجميع للانخراط فيه"،
بعد ذلك تناول الكلام أحد زعماء الأحزاب الكرتونية ، وكأنه استعاد اللحظات الجميلة التي لا تنسى ، أيام الزمن الجميل ، زمن الزيارات الكرنفالية لفخامة الرئيس ، حيث الخطب والأشعار والموسيقى فتحدث بانفعال وحماس : نعم لحزب الدولة نعم لدولة الحزب ..ثم استطرد قائلا : ما يثير استغرابي ودهشتي كيف لم يتم حتى الآن استصدار قانون يسمح بممارسة السياسة لكافة أعضاء المجلس العسكري على غرار قانون محاربة الرق ، أليسوا موريتانيين لهم حق الانخراط في الأحزاب بل ورئاستها ؟ .. اللهم فأشهد أني بريء من حزب لا عسكر فيه . صفق الجميع له وكأنهم يشاطرونه الرأي في ضرورة إشراك العسكر في العملية السياسية ، وكأن العسكر يحتاجون إذنا من الحزب لممارسة السياسة ، ثم تقدم أحد الزعماء القبليين حتى وصل منصة الخطابة فقال : نحن هؤلاء لم يأتي تزعمنا لقبائلنا من فراغ فنحن أهل الحل والعقد والمشورة وأي عملية سياسية لا نشرك فيها لا يمكن استمرارها في هذا البلد الذي ليس سوى قبيلة كبيرة ، وسبب المشاكل التي تعيشها موريتانيا اليوم من تدهور أمني نتج عنه اغتيل السياح الفرنسيين والاعتداء على الجنود في "الغلاوية" يتلخص حسب وجهة نظري في تغييب الزعامات القبلية عن مسئولية حفظ الأمن الوطني فكل الدول تشرك القبائل في حفظ أمنها، خاصة داخل مناطق نفوذها الجغرافي، إلا موريتانيا، وأنتهز هذه الفرصة لأطالب الدولة بضرورة اعتماد القائمين على الأمن، في الدرجة الأولى، على زعماء القبائل و إشراكهم في دائرة صنع القرار .. ثم ختم كلامه : نعلن دعمنا لحزب الدولة ولدولة الحزب من أجل موريتانيا حرة ومستقلة، تكلم رئيس وفد "المعارضة الحكومية" فأثنى على فكرة تكوين الحزب ، وأكد أن المعارضة تدعم دوما كل ما من شأنه خدمة الوطن وبناء المؤسسات في ظل دولة القانون، إلا أن المعارضة لها وجهة نظر خاصة فيما يتعلق بإنشاء حزب الدولة ، حيث ترى أنه الملاذ الوحيد لمئات الكوادر التي تسعى إلى التعيين من مختلف الأطياف السياسية ، فهو ليس سوى واجهة أمامية لمستشارية للتعيين الحكومي ، يعهد إليها مجلس الوزراء بكافة الصلاحيات المتعلقة باقتراح الأشخاص، والوظائف المناسبة لهم ، وذلك طبعا حسب الدعم المقدم للحزب والتفاني في خدمته ، وفي هذه الحالة ، فإن كل الأحزاب الأخرى ستشهد هجرة الكوادر السياسية عنها وبالتالي سيكون حزب الدولة هو الحزب الوحيد الذي يمتلك الكادر السياسي والغطاء المادي وستبقى الأحزاب الأخرى مجرد قطع ديكور تزين بها عملية الانفتاح السياسي والعدالة والديمقراطية والمجتمع المدني ، وبالتالي فإن المعارضة تقترح حلا من اثنين : إما عدم السماح لأي إطار كان منتسبا لحزب ما، بالانتساب لحزب الدولة ، وإما تقسيم المناصب الحزبية بالتساوي ،على الوافدين الجدد من كل الأحزاب ،على أن تحصل المعارضة على حصة الأسد منها بعد ما تم من إقصاء لكوادرها في كافة مناصب الحكومة الحالية.. قاطعه المتحدث باسم المستقلين : أية معارضة هذه ؟ حقا أن موريتانيا بلد العجائب والغرائب ، معارضة تبحث عن مناصب في الحكومة عن طريق حزب الموالاة، يا للسخرية ، يجب على المعارضة أن تعي جيدا الدور المنوط بها من خدمة هذا الوطن بفضح تصرفات النظام الذي لا يجب أن تكون منضوية تحت لوائه بأي حال من الأحوال حتى لو أعطيت قصرا للمعارضة وصندوقا أسود ب 100 مليون، تنفق منه كيف تشاء دون رقيب ، وإلا كانت تلك الحوافز كلها مجرد رشوة تأخذها المعارضة عن قصد منها أو عن غير قصد، ليتم تغاضيها عن أفعال النظام وزمرته.
بدأت الأصوات ترتفع والاتهامات المتبادلة بين الفرقاء السياسيين تغلب على منطق التشاور والتفاهم داخل صالون الاجتماع ، كان لزاما على أحد العسكريين التدخل لنزع فتيل الأزمة التي باتت تنذر بعدم التوصل لاتفاق حول الحزب المنشود وبالتالي وأد مشروع الحزب في مهده ، وبالفعل تدخل العسكر لبسط السيطرة وحفظ النظام، وهدأت الأصوات ، فلا تسمع إلا همسا ، علق أحد الحضور حقا أن شعبنا لا يفهم إلا لغة العسكر، بعدها استؤنف الاجتماع ،وطلب الكلام أحد ممثلي المجتمع المدني ، فقال : هل نسيتم الانتخابات الرئاسية الماضية ، حيث كانت كل مكونات الشعب الموريتاني لا تسأل إلا عن مرشح الدولة لتدعمه وتصوت له ، ولولا أنه تم تسريب معلومات مفادها انقسام المجلس العسكري حول المرشحين للدور الثاني لما كانت النتائج على الشكل الذي خرجت به ، ثم أنتم هؤلاء ماذا تريدون بالضبط ؟ هل تريدون حزبا للموالاة أم حزبا لموريتانيا كلها ؟، ما يعكسه هذا الاجتماع هو أننا بصدد تشكيل حزب يحتوي كل أطياف الشعب الموريتاني وليس الأغلبية الرئاسية فقط ، الشيء الذي سيعيد إلى الأذهان دولة الحزب الواحد ، وهذا بالطبع ما لا يرغب أحد فيه ، أما إذا كنتم تريدون تشكيل حزب للأغلبية ، فأرجوا أن يتم انسحاب من ليسوا معنيين بالأمر في هذا الاجتماع ، عاد اللغط من جديد..تدخل أحد المعترضين محتجا : هذا ليس زمن التهميش والإقصاء ، الحزب ليس لك ولا لأبيك ، تدخل العسكر ثانية للسيطرة على الوضع الذي يبدو أنه قابل للانفجار في كل لحظة نظرا للصراعات التي بدأت تطفوا على السطح بين أهم مؤسسي الحزب ، طلب الكلام أحد المنظرين السياسيين ، فقال : أعتقد أن غالبية الشعب الموريتاني، غالبا ما تنتهج مبدأ "لا تعادي منصورا فتخذل" ولن تكون إلا مع حزب الدولة ومرشحيه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية القادمة ، وسيسيطر الحزب على كل هذه الانتخابات ، فأقترح أن تشرعوا من الآن في الاتفاق على رئيس للحزب ، ثم نشرع بعد ذلك في تقسيم مرشحي الحزب على الدوائر الانتخابية ، بعد ذلك يسهل كل شيء ، أما بخصوص البرلمان فأقترح بعد تشكيل الحزب أن يتم حله ويعلن عن انتخابات مبكرة ، ويرشح الحزب من يشاء ، فكلي ثقة من أنه سيفوز بنسبة لا تقل عن تسعين في المائة، فتكون السيطرة على البرلمان أشد وأقوى لتسهل على الحزب مهمته ، وفي الأخير أعلن مساندتنا ألا مشروطة لحزب الدولة ودولة الحزب، وأرجوا من الجميع التصويت على هذا المقترح ، رفع أغلب من كانوا في الصالون أيديهم دعما لهذا المقترح.
بعد ذلك بقليل علق الاجتماع لتناول العشاء وإجراء بعض المشاورات ، لتستأنف الجلسة ببيان ختامي تلاه مبعوث الرئاسة الذي عين رئيسا للحزب الجمهوري الجديد جاء فيه : لقد تقرر بعد مشاورات مكثفة ، وبعد الاستماع لكافة الآراء النيرة والمقترحات الجادة ميلاد حزب للدولة على غرار الدول العربية الأخرى على أن يكون حزبا للأغلبية تشترك فيه كافة الفعاليات السياسية الراغبة في الانضمام إليه مهما كانت توجهاتها، وعلى أن نعمل على مواجهة كافة الفتاوى الشرعية التي قد تستصدر لمنع عملية الاستنساخ هذه ، وكذلك كل التصريحات التي تعارض ميلاد الحزب مهما كان مصدرها ، أما فيما يخص التنظيم الداخلي للحزب ومعايير الانتساب إليه وأهدافه المستقبلية ، وهياكله التنظيمية وتمويله فأقول لكم وهذا سر بيني وبينكم لن يكون بعيدا عما عهدنا في فترة ما قبل الثالث من أغسطس ، وبخصوص الاقتراح بحل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة بعيد تشكيل الحزب ، فأعتقد أن الكل موافق عليه ، ولذا سيكون أول خطوة تقوم بها الدولة بعد ميلاد الحزب، وبخصوص التعيينات والراغبين، فيها فليس لهم سوى الانخراط في الحزب والتطبيل له ، أما أهداف الحزب الحقيقية وخلفيته الثقافية والاديولوجية والغايات التي تقف وراء نشأته ، فكلها أمور لا يعلمها إلا الله والراسخون في الحزب ، ولا ينبغي لغيرهم أن يعلمها ، ولا يجوز لأحد أن يسأل عنها ، وفي الأخير ندين بشدة العملية الدنيئة التي استهدفت السواح الفرنسيين والجنود الموريتانيين ونطالب بانزال أقصى العقوبات بمرتكبي هذه الجريمة البشعة ، ، وأعلن للحضور وبكل فخر نجاح أول عملية استنساخ للحزب الجمهوري ما قبل الثالث من أغسطس ، تمت على أيدي خبراء وطنيين، وفي مخابر خاصة برئاسة الجمهورية صممت خصيصا لهذا الغرض، وأهنئ الشعب الموريتاني على هذا الانجاز الكبير ، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وأعلن اختتام الاجتماع الأول للحزب الجمهوري الجديد.



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!